( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 612
وحدثني محمد بن الفرج بمدينة جرجان في المحلة المعروفة ببئر أبي عنان قال: حدثني أبو دعامة، قال: أتيت علي بن محمد بن علي بن موسى عائداً في علّته التي كانت وفاته منها في هذه السنة، فلما هممت بالانصراف قال لي: يا أبا دعامة قد وجب حَقّكَ، أفلا أحدثك بحديث تُسَرُّ به. قال: فقلت له: ما أحوجني إلى ذلك يا ابن رسول اللّه، قال: حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي علي بن موسى، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدثني جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي عليُّ بن الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب، رضي اللّه عنهم قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اكتب يا علي قال: قلت: وما أكتب. قال لي: اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم، الإِيمان ما وقرته القلوب وصدقته الأعمال، والإِسلام ما جرى به اللسان وحلت به المناكحة قال أبو دعامة: فقلت: يا ابن رسول اللّه، ما أدري أيهما أحسن: الحديث أم الإِسناد. فقال: إنها لصحيفة بخط علي بن أبي طالب بإملاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نتوارثها صاغراً عن كابر.
قال المسعودي: وقد ذكرنا خبر علي بن محمد بن موسى رضي اللّه عنه مع زينب الكذابة بحضرة المتوكل، ونزوله رضي اللّه عنه إلى بركة السباع، وتذللها له، ورجوع زينب عما ادعته من أنها ابنة الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأن اللّه تعالى أطال عمرها إلى ذلك الوقت، في كتابنا أخبار الزمان وقيل: إنه مات مسموماً، عليه السلام.
موت محمد بن عبد اللّه بن طاهر
قال المسعودي: وفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين- وذلك في خلافة المعتز- مات محمد بن عبد اللهّ بن طاهر، للنصف من ذي القعدة، بعد قتل وصيف بثلاثة عشر يوماً، والقمر مخسوف وكان من الجد والكرم، وغزارة الأدب، وكثرة الحفظ، وحسن الإِشارة، وفصاحة اللسان، وملوكية المجالسة، على ما لم يكن عليه أحد من نظرائه في عصره وفيه يقول الحسين بن علي بن طاهر من قصيدة له:
خُسـف الـبـدر والأمـير جــمـــيعـــاً فانـجـلـى الـبـدرُ والأمـير غَـــمِـــيدٌ
عاود الـبـدر نـوره لــتـــجـــلـــيه ونـــور الأمـــير لـــيس يعـــــودُ
يا خسوفين ليلة الأحد النحس أحَلّتكما هناك السعود
واحد كان حده مثل حد السيف والنار شُبَ فيها الوقودُ
ماني الموسوس
وذكر أبو العباس المبرد قال: ارتاح محمد بن عبد الله بن طاهر يوماً للمنادمة، وقد حضره ابن طالوت، وكان وزيره وأخصَّ الناس به، وأحضرهم لخلواته، فأقبل عليه، وقال: لا بد لنا اليوم من ثالث تطيب لنا به المعاشرة، وتلذ بمنادمته المؤانسة، فمن ترى أن يكون. وأعْفِنَا أن يكون شرير الأخلاق، أو دنس الأعراق، أو ظاهر الِإملاق، قال: فأعملت الفكر، وقلت: أيها الأمير، خطر ببالي رجل ليس علينا من مجالسته من مؤونة، وقد برئ من إبرام المُجَالس، وخلا من ثقل المؤانس، خفيف الوطأة إذا أحببت، سريع الوثبة إذا أردت، قال: ومن ذلك. قلت: ماني الموسوس، قال: أحسنت واللّه فليتقدم إلى أصحاب الثمانية والعشرين الربع في طلبه يرفعوه رفعة، فما كان بأسرع من أن اقتنصه صاحبُ الكَرْخ، فصار به إلى باب الأمير، فأخذ وحذف ونظف وأدخل الحمام وألبس ثياباً وأدخل عليه، فقال: السلام عليك أيها الأمير، فقال محمد: وعليك السلامُ يا ماني، أما آن لك أن تزورنا على حين تَوَقانٍ منا إليك ومنازعة قلوب منا نحوك. فقال ماني: الشوق شديد، والحب عتيد، والزار بعيد، والحجاب صعب، والبواب فظ، ولو سهل لنا في الِإذن لسهلت علينا الزيارة، فقال: ألْطَفْتَ في الاستئذان فليلطف لك في الِإذن، لا يمنع ماني أي وقت ورد من ليل أو نهار، ثم أذن له في الجلوس، فجلس، ودعا بالطعام فأكل، ثم غسل يديه وأخذ مجلسه، وكان محمد قد تَشوَقَ إلى السماع من مؤنسة جارية بنت المهدي، فأحضرت، فكان أول ما غنت به:
ولَسْتُ بنَاس إذْ غَمَوْا فتـحـمَّـلُـوا دموعي على الأحباب من شدَة الوجدِ
وقولي وقد زالتَ بليلٍ حُمُـولُـهـم: بواكر نجد لا يكَن آخـر الـعـهـدِ فقال ماني: أحسنت، وبحق الأمير إلا ما زدت فيه:
وقمت أناجي الفكر والدمع حـائر بمُقْلَة موقوف على الضرِّ والجهد
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق