( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 681
فلما ضاق عن ذاك اصطباري ذَرَقْت به على وجه الزواني
ثم إنه حَل سراويله وسَلَحَ عليهما، فتركهما آية للناظرين، وانتبه المولى في أثر ذلك، فلما رأى ما نزل بجواريه قال: يا أخي، ما حملك على هذا الفعل. قال: يا ابن الفاعلة لك جَوَارٍ يَرَيْنَ المخرج صراطاً مستقيماً لا يدللنني عليه، فلم أجد جزاء غير هذا. ثم رحل عنه، قال: فذهب بالراضي الضحك كلَّ مذهبِ، وسَلّم إليَّ كل ما كان عليه وتحته من لباس وفرش، فكان مبلغ ثمن ذلك نَحواً من ألف دينار.
لبس المأمون الخضرة ثم السواد
وذكر الصولي قال: قال لي الراضي: ما كان السبب في لبس المأمون الخضرة ورفعه السواد ثم لبسه السواد بعد ذلك. قلت: هو ما أخبرنا به محمد بن زكريا الغلابي قال: حدثنا يعقوب بن جعفر بن سليمان قال: لما قدم المأمون بغداد اجتمع الهاشميون إلى زينب بنت سليمان بن علي، وكانت أقْعَدَ ولد العباس نسباً، وأكبرهم سناً، فسألوها أن تكلم أمير المؤمنين المأمون، في تغييره الخضرة، فضمنت لهم ذلك، وجاءت إلى المأمون فقالت: يا أمير المؤمنين، إنك على بِرِّ أهلك من ولد علي بن أبي طالب أقْدَرُ منك على برهم لنا من غيرِ أن تزيل سنة من مضى من آبائك، فدع لباسك الخضرة، ولا تُطْمعن أحداً فيما كان منك، قال لها: يا عمة ما كلمني أحد في هذا المعنى بكلام أوقع من كلامك، ولا أقصد منه لما أردت، لكن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم توفي فولى الإمرة أبو بكر، فقد عرفت ما كان من أمره فينا أهل البيت، ثم وليها عمر فلم يتعدَّ فيها فعل من تقدمه، ثم وليها عثمان فأقبل على بني أُمية وأعرض عن غيرهم، ثم آل الأمر إلى علي بن أبي طالب من غير صفو كصفوها لغيره بل مَشُوبة بالأكدار، فولي مع ذلك عبد اللّه بن العباس البصرة، وولي عبيد اللّه بن العباس اليمن، وولي قُثَمَ البحرين، وما ترك منهم أحداً إلا ولاهُ، فكانت هذه في أعناقنا حتى كافأته في ولده بما فعلت، ولا يكون بعد هذا إلا ما تحبون، ثم رجع إلى لُبْس السواد، وللمأمون يا أمير المؤمنين شعر يشاكل معنى ما ذكرت من هذا الخبر وهو قوله:
ألامُ على شكر الوَصِيِّ أبي الحسن وذلك عندي من عجائب ذا الزمن
خليفة خير النـاس، والأوَّلُ الـذي أعان رسول اللّه في السر والعلن
ولولاه ما عُدَّتْ لـهـاشِـمٍ إمـرة وكانت على الأيام تقضى وتمْتهنْ
فولى بني العباس ما اختص غيرهم ومن مسه أولى بالتكرم والمـنـن
فأوضح عبد اللّه بالبصرة الهـدى وفاض عبيد اللّه جوداً على اليمن
وقَسمَ أعمال الخـلافة بـينـهـم فلا زلت مربوطاً بذا الـشـكـر
بين القاهر والراضي
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق