( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 653
إبراهيم بن جابر القاضي
قال المسعودي: وهذا الخبر سمعته من إبراهيم بن جابر القاضي قبل ولايته القضاء، وهو يومئذ ببغداد يعالج الفقر، ويتلقاه من خالقه بالرضا، ناصراً للفقر على الغنى، فما مضت أيام حتى لقيته بحلب من بلاد قنسرين والواصم من أرض الشام، وذلك في سنة تسع وثلاثمائة، وإذا هو بالضد عما عهدته، متولياً القضاء على ما وصفنا، ناصراً ومشرفاً للغنى على الفقر، فقلت له: أيها القاضي، تلك الحكاية التي كنت تحكيها عن الوالي الذي كان بالري، وأنه قال لك: إن الخواطر اعترضتن بين منازل الفقراء والأغنياء، فرأيت في النوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، فقال لي: يا فلان. ما أحَسَنَ تواضع الأغنياء للفقراء شكراً لله تعالى وأحسن من ذلك تعزز الفقراء على الأغنياء ثقة باللّه تعالى، فقال لي؛ إن الخلق تحت التدبير لا ينفكون من أحكامه في جميع متصرفاتهم، وكنت كثيراً ما أسمعه فيما وصفنا من حال فقره يذمُ ذوي الحرص على الدنيا، ويذكر في ذلك خبراً عن علي كرم اللّه وجهه- وهو أن عليّاً عليه السلام كان يقول: ابنَ آدمَ؛ لا تتحمل هَم يومك الذي لم يأتِ على يومك الذي أنت فيه؛ فإنه إن يكن من أجَلِكَ يأت اللّه فيه برزقك، واعلم أنك لن تكتسب شيئاً فوق قُوتك إلاَّ كنت خازناً فيه لغيرك- فركب بعد ذلك الهماليج من الخيل.
ولقد أخبرت أنه قطع لزوجته أربعين ثوباً تسترياً وقصباً وأشباه ذلك من الثياب على مقراض واحد، وخَلَّفَ مالاً عظيماً لغيره.
وفاة المبرد
وفي هذه السنة- وهي سنة خمس وثمانين ومائتين- وكانت وفاة أبي العباس محمد بن يزيد النحوي المعروف بالمبرد، ليلة الاثنين لليلتين بقيتا من ذي الحجة، وله تسع وسبعون سنة، ودفن بمقابر باب الكوفة من الجانب الغربي بمدينة السلام.
وفي سنة ست وثمانين ومائتين مات محمد بن يونس الكوفي المحدث، ويكنى بأبي العباس، يوم الخميس للنصف من جمادى الآخرة، وله مائة سنة وست سنين، ودفن بمقابر باب الكوفة من الجانب الغربي، وكان عالي الِإسناد.
وفي هذه السنة كان الفَزَعُ من أبي سعيد الجنابي بالبصرة ومن معه بالبحرين خوفاً من أن يكبسها، وكتب الواثقي- وهو أحمد بن محمد، وكان على حربها- إلى المعتضد بذلك، فأطلق لسورها أربعة عشر ألف دينار فبنيت وحصنت.
أبو الأغر والأعراب
وفي هذه السنة ظفر أبو الأغر خليفة بن المبارك السلمي بصالح بن مدرك الطائي بناحية فيد مكراً في ذهابهم إلى مكة، وقد كانت الأعراب جمعت لأبي الأغر ليستنقذوا صالحاً من يده، فواقعهم وقتل رئيسهم جحش بن ذيال وجماعة معه، وأخذ رأسه، فلما علم صالح بن مدرك بقتل جحش بن ذيال يئس من الخلاص من يد أبي الأغر، فلما نزل المنزل المعروف بمنزلة القرشي أتاهم غلام بطعام فاستلب منه سكَيناً وقتل نفسه، فأخذ أبو الأغر رأسه وأظهره بالمدينة، فتباشر الحاجُّ، وكانت لأبي الأغر في رجوعه وقعة عظيمة اجتمع هو ونحرير وغيرهما من أمراء قوافل الحاج مع الأعراب، وكانت الأعراب قد اجتمعت وتحشدت من طيئ وأحلافها، فكانت رَجَّالتها نحواً من ثلاثة آلاف راجل، والخيل نحواً من ذلك، فكانت الحرب بينهم ثلاثاً، وذلك بين معدان القرشي والحاجز، ثم انهزمت الأعراب وسلم الناس، وكان ممن تولى مع أبي الأغر الحيلة على صالح بن مدرك سعيد بن عبد الأعلى.
ودخل أبو الأغر مدينة السلام وقدَّامه رأس صالح وجحش ورأس غلام لصالح أسود، وأربعة أساري، وهم بنو عم صالح بن محرك، فخلع السلطان في ذلك اليوم على أبي الأغر، وطًوّقه بطوق من ذهب، ونصب الرؤوس على الجسر من الجانب الغربي، وأدخل الأساري المطبق.
أحداث
وفي هذه السنة مات إسحاق بن أيوب العبيدي وكان على حرب ديار ربيعة. وفيها شخص العباس بن عمر الغنوي إلى البصرة لحرب القَرَامطة بالبحرين.
وفي هذه السنة كانت الحرب بين إسماعيل بن أحمد وعمرو بن الليث صاحب بلخ فأسر عمرو، وقد أتينا على كيفية أسره في الكتاب الأوسط.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق