إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 632


( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 632


  فلما استقرت قدمه في المركب ودَنَا من المجلس ضرب الصوري بعقبه على مَنْ تحت البساط من الوقوف- وكانت علامة بينه وبين الرجال الذي في بطن المركب- فما استقر دقه بقده حتى اختطف المركب بالمجاذيف فإذا هو في وسط الخليج يطلب البحر لا يلوي على شيء، وارتفع الصوت، ولم يدر ما الخبر لمعاجلة الأمر، فلم يكن الليل حتى خرج من الخليج وتوسَّطَ البحر، وقد أوثق البطريق كِتَافاً، وطابت له الريح، وأسعده الجد، وحملته المجاذيف في ذلك الخليج، فتعلق في اليوم السابع بساحِل الشام، ورأى البر، وحمل الرجل، فكانوا في اليوم الثالث عشر حضوراً بين يدي معاوية بالفرح والسرور لإِثلاجة بالأمر وتمام الحيلة، وأيقن معاوية بالظفر وعلو الجد، فقال: علي بالرجل القرشي، فأتي به، وقد حضره خواص الناس، فأخلوا مجالسهم، وانغصَّ المجلس بأهله، فقال معاوية للقرشي: قم فاقتصَّ من هذا البطريق الذي لَطَمَ وجهك على بساط معظم الروم؛ فإنا لن نضيعك ولا أبحنا دمك وعرضك، فقام القرشي ودنا من البطريق، فقال له معاوية: انظر لا تتعدَّ ما جرى عليك منه، واقتص منه على حسب ما صنع بك، ولا تتعد، وراع منا أوجب اللّه عليك من المماثلة، فَلَطَمه القرشي لطماتٍ، ووكزه في حلقه، ثم انكبَّ القرشي على يديِ معاوية وأطرافه لقبلها، وقال: ما أضاعك مَنْ سَوّدك، وخاب فيك أمَلُ من أملك، أنت ملك لا تضام، تمنع حماك، وتصون رعيتك، وأغْرَقَ في دعائه ووصفه، وأحسن معاوية إلىِ البطريق، وخاب عليه وبَرَّه، وحمل معه البساط، وأضاف إلى ذلك أُموراً كثيرة وهدايا إلى الملك، وقال له: ارجع إلى ملكك، وقل له: تركت ملك العرب يقيم الحدود على بساطك، ويقتص لرعيته في دار مملكتك وسلطانك، وقال للصوري: سر معه حتى تأتي الخليج فتطرحه فيه ومن كان أسِرَ معه ممن بادر فصعد المركب من غلمان البطريق وخاصته، فحملوا إلى صور مكرمين، وحملوا في المركب، فطابت لهم الريح، فكانوا في اليوم الحادي عشر متعلقين ببلاد الروم، وقربوا من فم الخليج، وإذا به ؛قد أحكم بالسلاسل والمنعة من الموكلين به، فطرح البطريِق ومن معه وانصرف الصوري راجعاً، وحمل البطريق من ساعته إلى الملك ومعه الهدايا والأمتعة، فتباشرت الروم بقدومه، وتلقوه مهنئين له من الأسر فكافأ الملك معاوية على ما كان من فعله بالبطريق والهدايا؛ فلم يكن يستضام أسير من المسلمين في أيامه، وقال الملك: هذا أمكر الملوك وأدهَى العرب، ولهذا قدمته العرب عليها، فساس أمرها، واللّه لوهم بأخذي لتمت له الحيلة عليَّ.

 وقد أتينا على خبر معاوية فيما سلف من هذا الكتاب، وأتينا على مبسوطه وأخبار الوافدين والوافدات عليه من الأمصار فيما سلف من كتبنا وإن كنا قد ذكرنا فيما سلف من هذا الكتاب من أخبار معاوية جملاً.
 ولملوك الروم وبطارقتها- ممن سلف وخلف إلى هذا الوقت- أخبار حسان مع ملوك بني أمية والخلفاء من بني العباس في المَغَازي والسرَايا وغيرها، وكذلك لأهل الثغور الشامية والجزرية إلى هذا الوقت- وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة- وقد أتينا على مبسوطها فيما سلف من كتبنا، وقدمنا في هذا الكتاب جملاً من أخبارهم ومقادير أعمارهم وأيامهم، ولمعاً من سيرهم، وكذلك أخبرنا عن ملوك الأمم وسيرهم.

 محبة المعتمد للهو

 قال المسعودي: وكان المعتمد مشغوفاً بالطرب، والغالب عليه المعاقرة ومحبة أنواع اللهو والملاهي، وذكر عبيد الله بن خرداذبه أنه دخل عليه ذات يوم، وفي المجلس عدة من ندمائه من ذوي العقول والمعرفة والحجى، فقال له: أخبرني عن أول من اتخذ العود، قال ابن خرداذبه: قد قيل في ذلك يا أمير المؤمنين أقاويل كثيرة: أول من اتخذ العود لمك بن متوشلخ بن محويل بن عاد بن خنوخ بن فابن بن آدم، وذلك أنه كان له ابن يحبه حبَاً شديداً، فمات، فعلَّقه بشجرة، فتقطعت أوصاله، حتى بقي منه فخفه والساق والقدم والأصابع، فأخذ خشباً فرققه وألصقه، فجعل صدر العود كالفخذ، وعنقه كالساق، ورأسه كالقدم، والملاوي كالأصابع، والأوتار كالعروق، ثم ضرب به وناح عليه، فنطق العود، قال الحمدوني:         
  وناطق بلسانٍ لا ضـمـير لـه                      كأنـه فَـخِـذٌ إلــى قـــم
  يُبدي ضمير سواه في الحديث كما                      يُبْدِي ضمير سواه منطق القلـم 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق