( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 664
قصة هريسة
وقدم الطعام، فوضع بين أيدينا طيفورية عظيمة فيها هريسة، وقد جعل في وسطها مثل السكرجة الضخمة مملوءة من دسم الدجاج؛ فضحكت وخطر ببالي خبر الرشيد مع أبَانَ القاري، فلحطني المكتفي، وقال: يا أبا عبد اللّه؛ ما هذا الضحك. فقلت: خبر ذكرته في الهريسة يا أمير المؤمنين ودهن الدجاج مع جدك الرشيد، فقال: وما هو. قلت: نعم يا أمير المؤمنين، ذكر العتبي والمدائني أن أبَانَ القاري تَغَنَى مع الرشيد، فجاءوا بهريسة عجيبة في وسطها مثل السكرجة الضخمة على هذا المثال من دهن الدجاج، قال أبان: فاشتهيت من ذلك الدسم، وأجللت الرشيد من أن أمد يدي فأغمس فيه، قال: ففتحت بإصبعي فيه فتحاً يسيراً، فانقلب الدسم نحوي، فقال الرشيد: يا أبان، أخرقتها لتغرق أهلها. فقال أبان: لا يا أمير المؤمنين، ولكن سقناهُ لبلد ميت، فضحك الرشيد حتى أمسك صدره.
هدية من أبي مضر بن الأغلب
وفي سنة خمس وتسعين ومائتين وردت إلى مدينة السلام هدية زيادة الله بن عبد اللّه، ويكنى أبا مضر، وكانت الهدية مائتي خادم أسود، وأبيض، ومائة وخمسين جارية، ومائة من الخيل العربية، وغير ذلك من اللطائف.
آل الأغلب بأفريقية
وقد كان الرشيد في سنة أربع وثمانين ومائة- وذلك بالرقة- قلد إبراهيم بن الأغلب أمر إفريقية من أرض المغرب، فلم يزل آل الأغلب أمراء إفريقية حتى أخرج عنها زيادة اللّه بن عبد اللّه هذا في سنة ست وتسعين ومائتين، وقيل: في سنة خمس وتسعين ومائتين، أخرجه من المغرب أبو عبد اللّه المحتسب الداعية الذي ظهر في كتامة وغيرها من البربر، فدعا إلى عبيد اللّه صاحب المغرب، وقد ذكرنا فيما سلف من هذا الكتاب توليه المنصور للأغلب بن سالم السعدي المغرب.
علة المكتفي
قال: واشتدت علة المكتفي باللّه بالذرب، فأحضر محمد بن يوسف القاضي وعبد اللّه بن علي بن أبي الشوارب، فأشهدهما على وصيته بالعهد إلى أخيه جعفر، وقد قَدَّمنا ذكر وفاته فيما سلف من هذا الكتاب فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
قال المسعودي: وللمكتفي باللّه أخبار حسان، وما كان في عصره من الكوائن في قصة ابن البلخي بمصر، وأمر القِرْمِطي بالشام، وأمر ذكرويه وخروجه على الحاجِّ، وغير ذلك مما كان في خلافته، وقد أتينا على جميع ذلك في كتابينا أخبار الزمان والأوسط، فأغنى ذلك عن إعادة ذكره.
ذكر خلافة المقتدر باللّه
وبويع المقتدر باللّه جعفر بن أحمد في اليوم الذي توفي فيه أخوه المكتفي باللّه، وكان يوم الأحد لثلاثَ عشرةَ ليلةً خلت من ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين، ويكنى أبا الفضل، وأًمه أُم ولد يُقال لها شغب، وكَذلك أمِ المكتفي أمِ ولد يُقال لها ظَلُوم، وقيل غير ذلك، وكَان له يَوْم بويع ثلاث عشرةَ سنةَ، وقتل ببغداد بعد صلاة العصر يوم الأربعاء لثلاث ليالٍ بَقِينَ من شوال سنة عشرين وثلاثمائة، فكانت خلافته أربعاً وعشرين سنة وأحد عشر شهراً وستة عشر يوماً، وبلغ من السن ثمانية وثلاثين سنة وخمسة عَشَرَ يوماً، وقد قيل في مقدار عمره غير ما ذكرنا، واللّه أعلم.
ذكر جمل من أخباره وسيره
ولمع مما كان في أيامه
مقتل وزيره
وبويع المقتدر وعلى وزارته العباس بن الحسن إلى أن وَثَبَ الحسين ابن حمدان، ووصيف بن سوارتكين، وغيرهما من الأولياء على العباس بن الحسن فقتلوه وفاتكاً معه، وذلك في يوم السبت لِإحدى عَشرَةَ ليلةً بقيت من ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين، وكان من أمر عبد الله بن المعتز ومحمد بن داود وغيرهما ما قد اتضح في الناس واشتهر، وأتينا على ذكره في الكتاب الأوسط وغيره في أخبار المقتدر باللّه.
وقد صنف جماعة من الناس أخبار المقتدر مجتمعة مع أخبار غيره من الخلفاء ومُفْرَده، وعمل ذلك في أخبار الدولة من أخبار بغداد، وقد صنف أبو عبد اللّه بن عبدوس الجهشياري أخبار المقتدر باللّه في ألوف من الأوراق، ووقع لي منها أجزاء يسيرة.
وأخبرني غير واحد من أهل الحراية أن ابن عبدوس صنف أخبار المقتدر في ألف ورقة، وإنما نذكر من أخبار كل واحد منهم لمعاً، وإنما الغرض جوامع من أخبارهم تَبْعث على دَرْسه وحفظ ما فيه ونَسْخِه.
عبد اللّه بن المعتز
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق