إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 638


( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 638


  واتخذ المطامير، وجعل فيها صنوف العذاب، وجعل عليها نجاح الحرمي المتولي لعذاب الناس، ولم يكن له رغبة إلا في النساء والبناء؛ فإنه أنفق على قصره المعروف بالثريا أربعمائة ألف دينار، وكان طول قصره المعروف بالثريا ثلاثة فراسخ.
 وأقر عبيد اللّه بن سليمان على وزارته، فلما مات استوزر القاسم بن عبيد اللّه.
 وقد كان المعتضد في هذه السنة- وهي سنة تسع وسبعين ومائتين- ركب يوم الفطر- وهو يوم الاثنين - إلى مصلى اتخذه بالقرب من داره، فصلى بالناس وكبر في الركعة الأولى ست تكبيرات، وفي الآخرة تكبيرة واحدة، ثم صعد المنبر، فحصر ولم تسمع له خطبة؛ ففي ذلك يقول بعض الشعراء:         
  حصر الإِمام ولم يبين خطبة                      للناس في حل ولا إحـرام
  ما ذاك إلا من حياء، لم يكن                      ما كان من عي ولا إفحام

 زواجه بنت خمارويه

 وفي هذه السنة قدم الحسن بن عبد اللّه المعروف بابن الجصاص رسولاً من مصر لخمارويه بن أحمد، ومعه هدايا كثيرة وأموال جليلة وطراز، فوصل إلى المعتضد يوم الاثنين لثلاث خَلَوْنَ من شوال، وخلع عليه وعلى سبعة نفر معه، ثم سعى في تزويج ابنة خمارويه من عليّ المكتفي، فقال المعتضد: إنما أراد أن يتشرَّفَ بنا، وأنا أزيد في تشريفه، أنا أتزوجها، فتزوجها، وتولى ابن الجصاص أمرها وحمل جهازها؛ فيقال: إنه حمل معها جوهراً لم يجتمع مثلُه عند خليفة قط؛ فاقتطع ابن الجصاص بعضه، وأعلم قَطْر الذي بنت خمارويه أن ما أخذ مُودَع لها عنده إلى وقت حاجتها إليه؛ فماتت والجوهر عنده؛ فكان ذلك سبب غناه واستقلاله، وقد كانت لابن الجصاص محن بعد ذلك في أيام - المقتدر، وما كان من القَبْض عليه، وما أخذ منه من الأموال بهذا السبب وغيره، وحمل المعتضد صداق قطر الندى وهو بمدينة بلد إلى أبي الجيش، وكان الصداق ألف ألف درهم، وغير ذلك من المتاع والطيب ولطائف الصين والهند والعراق، وكان مما خص به أبا الجيش في نفسه وَحَبَاه به بَدْرَة من الجوهر المثمن فيها در وياقوت وأنواع من الجوهر ووشاح وتاج وإكليل، وقيل: قلنسوة، وكرزن. وكان وصولهم إلى مصر في رجب سنة ثمانين ومائتين، وانحدر المعتضد من مدينة بلد والموصل بعد أن حمل ما وصفنا إلى مدينة السلام في الماء.

 ابن الجصاص

 وحدث أبو سعيد أحمد بن الحسين بن منقذ قال: دخلت يوماً على الحسن بن الجصاص وإذا بين يديه سفط. مبطن بالحرير فيه جوهر قد نظم منه سبح؛ فرأيت شيئاً حسناً ووقع في نفسي أن عددها يجاوز العشرين، فقلت له: جعلني اللّه فداك كم عدد ما في كل سبحة. فقال لي: مائة حبة، وزن كل حبة كوزن صاحبتها لا تزيد ولا تنقص، وقد عدلت كل سبحة وزن صاحبتها، وإذا بين يديه سبائك ذهب توزن بقَبَّان كما يوزن الحطب؛ فلما خرجت من عنده تلقاني أبو العيناء فقال لي: يا أبا سعيد، علي أي حال تركت هذا الرجل. فوصفت له ما رأيت، فقال رافعاً رأسه إلى السماء: اللهم إن كنت لم تُسَاوِ بيني وبينه في الغنى، فَسَاوِ بيني وبينه في العمى، ثم اندفع يبكي، فقلت: يا أبا عبيد اللّه، ما شأنك. فقال: لا تنكر ما رأيت مني، لو رأيتَ ما رأيتُ لضعفت، ثم قال: الحمد للّه على هذه الحالة، وقال: يا أبا سعيد، ما حَمَدْتُ اللّه تعالى على العمى إلا في وقتي هذا؛ فقلت لمن يخبر حال ابن الجصاص: بأي شيء ختم هذا السبح. فقال: بياقوتة حمراء لعل قيمتها أكثر مما تحتها.

 أبوّ العيناء

 وكانت وفاة أبي العيناء سنة اثنتين وثمانين ومائتين بالبصرة في جمادى الآخرة، وكان يكنى بأبي عبيد اللّه، وكان قد انحدر من مدينة السلام إلى البصرة في زورق فيه ثمانون نفساً في هذه السنة فغرق الزورق، ولم يتخلص مما كان فيه إلا أبو العيناء، وكان ضريراً، تعَلَّقَ بأطراف الزورق فأخرج حَيّاً، وتلف كل من كان معه، فبعد أن سلم ودخل البصرة مات.
 وكافي لأبي العيناء من اللسان وسرعة الجواب والذكاء ما لم يكن عليه أحد من نُظَرَائِه، وله أخبار حسان وأشعار ملاح مع أبي علي البصير وغيره، وقد أتينا على ذكرها فيما سلف من كتبنا.
 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق