إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 646


( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 646


  أنا بخير ما أبقى اللّه أمير المؤمنين، ثم سأله عن المال، فعاد إلى الِإنكار، فقال له: ويلك لست تخلو من أن تكون أخذته وحدك كله أو وصل إليك بعضه، فإن كنت أخذته كله، فإنك تنفقه في أكل وشرب ولهو، ولا أظنك تفنيه قبل موتك، وإن مت فعليك وزره، وإن كنت أخذت بعضه سمحنا لك به، فأقر لنا به، وأقر على أصحابك، فإني أقتلك إن لم تقر، ولا ينفعك بقاء المال بعدك، ولا يبالي أصحابك بقتلك، ومتى أقررت دفعت إليك عشرة آلاف درهم، وأخذت لك من أصحاب الجسر مثل ذلك، ورسمتك من التوابين، وأجريت لك في كل شهر عشرة دنانير تكفيك لأكلك ؤشربك وكسوتك وطيبك، وتكون عزيزاً، وتنجو من القتل، وتتخلص من الِإثم، فأبى إلا الِإنكار، فاستحلف باللّه فحلف وأظهر له مصحفاً واستحلفه فحلف عليه، فقال: إني سأظهر على المال، فإن أنا ظهرت عليه بعد هذه اليمين قتلتك ولم أستبقك، فأبى إلاَّ الِإنكار، فقال له: فضع يدك على رأسي واحلف بحياتي، فوضع يده على رأسه وحلف بحياته أنه ما أخذه وأنه مظلوم متهم، وأن التوابين قد تبرءوا به، فقال له المعتضد: فإن كنت قد كذبت قتلتك وأنا بريء من دمك. قال: نعم، فأمر بإحضار ثلاثين أسود بحيثَ يراهم ويرونه، وأمرهم أن يتناوبوا في ملازمته، فأتت عليه أيام وهو قاعد لا يتكئ ولا يستند و لا يستلقي ولا يضطجع، وكلما خفق خَفْقَاً وجئ فكه وقمع رأسه، حتى إذا ضعف وقارب التلف أمر بإحضاره، فأعاد عليه ما كان خاطبه به واستحلفه باللّه وبغير ذلك من الأيمان، فحلف على ذلك كله وبما لم يستحلفه به أنه ما أخذ المال ولا يعرف من أخذه، فقال المعتضد لمن حضر: قلبي يشهد أنه بريء، وأن ما يقول حق خَفْقَةً، وأن التوابين قد عرفوا صاحبه، وقد أثمنا في هذا الرجل، وسأله أن يجعله في حِلً، ففعل، ثم أمر بإحضار مائدة عليها طعام، وأحضر بارد الشراب، وأمره بالجلوس والأكل والشراب، فأقبل يأكل ويشرب، ويُحَثّ على الأكل، ويلقم ويعاد الشراب عليه ويكرر، حتى لم يبق للأكل والشراب موضع، ثم أمر ببخور وطيب فبخر وطيب، وأتى له بحشية ريش فوطئ له ومهد، فلما استلقى واستراح وغفا أمر بإزعاجه وسرعة إيقاظه، فحمل من موضعه حتى أقعد بين يديه وفي عينيه الوَسَنُ، فقال له: حدثني كيف صنعت: وكيف نقبت: ومن أين خرجت. وإلى أين ذهبت بالمال. ومَن كان معك. قال: ما كنت إلا وحدي، وخرجت من النقب الذي دخلت منه، وكان مقابل الدرا حمام له كوم شوك يوقد به، فأخذت المال ورفعت ذلك الشوك والقماش والقصب فوضعته تحته وغَطَّيته، وهو هنالك، فأمر برده إلى فراشه، فردوه وأضجعوه عليه، ثم أمر بإحضار المال، فأحضر عن آخره، وأحضر مؤنس العجلي، وأحضر الوزير والجلساء، وقد غطى المال بالبساط ناحية من المجلس، ثم أمر بإيقاظ اللص وقد اكتفى في النوم وذهب عنه الوَسَنُ، فقال له بحضرة الجميع مثل قوله الأول، فجحد وأنكر، فأمر بكشف البساط، وقال له: ويلك أليس هذا المال. أليس فعلت كذا وكذا. يصف له ما كان حَدَّثه به، فأسقط في يد اللص، ثم أمر فقبض على يديه ورجليه وأوثق، ثم أمر بمنفاخ في دبره، وأتي بقطن فحشي في أذنيه وفمه وخيشومه، وأقبل ينفخ، وخلى عن يديه ورجليه من الوثاق؛ وأمسك بالأيدي وقد صار كأعظم ما يكون من الزِّقاق المنفوخة، وقد ورم سائر أعضائه وعظم جسمه، وعيناه قد امتلأتا وبرزَتَا، فلما كاد أن ينشقَّ أمر بعض الأطباء فضربه في عرقين فوق الحاجبين، وهما في الجبين، فأقبلت الريح تخرج منهما مع الدم ولها صوت وصفير إلى أن خمد وتلف، وكان ذلك أعظم منظر رؤي في ذلك اليوم من العذاب، وقيل: إن البدَرَ كانت عَيْناً وإن عددها كان أكثر مما وصفنا.

 ابن المغازلي المضحك
 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق