( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 625
فلما نزل يعقوب بن الليث دير العاقول خرج المعتمد فعسكر يوم السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة اثنتين وستين ومائتين في الموضع المعروف بالقائم بسامرا، واستخلف ابنه المفوض، ووصل المعتمد إلى سيب بني كوما يوم الخميس لخمس خلون من رجب من هذه السنة، فواقع الصفار يوم الأحد لتسع خلون من رجب من السنة في الموضع المعروف باضطربد بين السيب ودير العاقول، فهزم الصفار، واستباح عسكره، وأخذ من أصحابه نحو عشرة آلاف رأس من الدواب، وذلك أنه فجر عليه النهر المعروف بالسيب، فغشي الماء الصحراء، وعلم الصفار أن الحيلة قد توجَّهَت عليه، وقد كان حمل على أصحاب السلطان في ذلك اليوم بضْعَ عشرَةَ حملةً، وغرق إبراهيم بن سيما، وقتل بيده خلقاً كثيراً، لبطعن محمد بن أوتاش التركي، وكان يتوهم أنه خادم، وقال لأصحابه: ما رأيت في عسكرهم مثل هذا الخادم، وقد كان الصفار في هذا اليوم قصد الميمنة- وكان عليها موسى بن بُغَا- وقتل خلقاً كثيراً من الناس منهم المغربي المعروف بالمبرقع، ونجا الصفار بنفيه والخواصّ من أوليائه، واتبعه جيش المعتمد وأهل القرى والسواد، فغنم الأكثر من ماله وعدده، واستنقذ محمد بن طاهر بن عبد اللّه بن طاهر، وكان مقيداً، كان أسره من نيسابور على ما قدمنا، ومعه علي بن الحسين من قريش، وأتى الموفق- وكان في القلب- محمد بن طاهر فَفَكَّ قيوده وخلع عليه، ورده إلى مرتبته. وقيل: إن السبب في هزيمة الصفار في ذلك اليوم- مع ما ذكرنا من فجر النهر وارتطام الخيول فيه- أن نصيرا الديلمي مولى سعيد بن صالح الحاجب كان في الشذوات في بطن دجلة، فوافى مؤخر عسكر الصفار وسواده، فخرج من الشذوات فطرح النار في الإِبل والبغال والحمير والخيول، وكان في عسكره خمسة آلاف جمل بُخْتي من جمازيات وغيرها؛ فتفرقت الإِبل في العسكر، وشردت البغال والخيل، واضطرب الناس في مصاف الصفار لما سمعوه ورأوه في عسكره وسواده من ورائهم، فكانت الهزيمة على الصفار بما ذكرنا، وُيقال: إن يعقوب بن الليث قال في سفرته هذه أبياتاً، وفي مسيره، وأنه خرج منكراً على المعتمد ومن معه من الموالي إضاعَتَهُمُ الدين، وإهمالهم أمر صاحب الزنج، فقال:
خراسان أحْوِيهَا وأعمـال فـارس وما أنا من ملك الـعـراق بـآيس
إذا ما أمور الدين ضاعت وأهملت ورَثّتْ فصارت كالرسوم الدوارس
خرجْتُ بعون اللّه يمنا ونـصـرة وصاحب رايات الهدى غير حارس وكانت وفاة الصفار يوم الثلاثاء لسبع بقين من شوال سنة خمس وستين ومائتين، على ما ذكرنا بجندي سابور.
وخلف في بيت ماله خمسين ألف ألف عرهم وثمانمائة ألف دينار، وخلفه أخوه عمرو بن الليث مكانه.
سياسة الصفار
وكانت سياسة يعقوب بن الليث لمن معه من الجيوش سياسة لم يسمع بمثلها فيمن سلف من الملوك في الأمم الغابرة من الفرس وغيرهم ممن سلف وخلف، وحسن انقيادهم لأمره، واستقامتهم على طاعته لما كان قد شملهم من إحسانه، وغمرهم من بره، وملأ قلوبهم من هيبته.
طاعة أتباعه له
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق