( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 693
فجوزَهَا عني عُقَارا ترى لـهـا إلى الشرف الأعلى شعاعا مطنبا وقال:
قال: ابْغِنِي المصباح، قلت لَه: اتئدْ حَسْبِي وحَسْبُكَ ضوؤها مصباحا
فسكبت منها في الزجاجة شـربة كانت لنا حتى الصباح صبـاحـا
قال: وله في هذا الفن أشياء كثيرة قد وصفها في مشابهة النار ومجانسة الأنوار والرفع للظلام، وتصيير الليل نهاراً والظلم أنواراً، مما هو إغراق الواصف واشتطاط المادح، قال: وليس إلى صفة لونها ونورها ما هو أحسن مما وصفها، إذ ليس بعد الأنوار شيء في الحسن، قال: فداخل المستكفي سرور وفرح وابتهاج بما وصف، فقال: ويحك فرج عني في هذا الوصف، قال: نعم يا سيدي.
قال عبد اللّه بن محمد الناشئ: وقد كان المستكفي تَرَكَ النبيذ حين أفْضَتِ الخلافة إليه، فدعا بها من وقته، ودعا إلى شربها، وقد كان المستكفي- حين أفضت الخلافة إليه- طَلَبَ الفضل بن المقتدر، على حسب ما قدمنا، لما كان بينهما من العداوة فيما ذكرنا، وغير ذلك مما عنه أعرضنا، فهرب الفضل، وقيل: إنه هرب إلى أحمد بن بُوَيْهِ الديلمي متنكراً، وأحسن إليه أحمد ولم يظهره، فلما مات توزون ودخل الديلمي إلى بغداد وخرج عنها صار إلى ناصر الدولة أبي محمد الحسن بن عبد اللّه بن حَمْدَان، وانحدر معه هو وابن عمه عبد اللّه بن أبي العلاء، فكان بينه وبين ابن بُوَيْهِ الديلمي من الحرب ما قد اشتهر، وانحاز الديلمي إلى الجانب الغربي ومعه المستكفي والمطيع مُخْتَفٍ ببغداد، والمستكفي يطلبه أشدَّ الطلب، وأنزل المستكفي في بيعة النصارى المعروفة بدُرْنَا من الجانب الغربي.
لابن المعتز في وصف سلة كوامخ
فذكر أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق المعروف بابن الوكيل، ومنزلتُهُ من خدمة المستكفي ما قدمنا، قال: كان المستكفي في سائر أوقاته فازعاً وَجِلاً من المطيع أن يلي الخلافة، ويُسَلّم إليه فيحكم فيه بما يريد، فكان صدره يضيق لذلك، فيشكو ذلك في بعض الأوقات إلى من ذكرنا ممن كان يألفه من ندمائه فيشجعونه ويهونون عليه أمر المطيع، إلى أن قال لهم في بعض الأيام: قد اشتهيت أن نجتمع في يوم كذا كذا فنتذاكر أنواع الأطعمة وما قال الناس في ذلك منظوماً، فاتفق معهم على ذلك، فلما كان في اليوم الذي- حضروا أقبل المستكفي فقال: هاتوا، ما الذي أعَدَّه كل واحد منكم. فقال واحد منهم: قد حضرني يا أمير المؤمنين أبيات لابن المعتز يصف سلة فيها سكارج كوامخ، فقال: هاتها، قال:
أمتع بسلة قضبـان أتـتـك وقـد حَفَتْ جوانبها الجامات أسـطـار
فيها سكارج أنـواع مـصـفـفة حمر وصفر وما فيهنَّ إنـكـار
فيهن كامخ طرخون مـبـوهـرة وكامخ أحمـر فـيهـا وكـبـار
أعطته شمسُ الضحى لوناً فجاء به كأنه من ضياء الشمس عـطـار
فيهنَّ كامخ مَرْزَ نجُوشَ قـابـلـه من القرنفل نوع منه مـخـتـار
وكامخ الدار صيني فـلـيس لـه في الطعم شِبْة ولا في لونه عار
كأنه المسك ريحاً في تنـسـمـه حريف في طعمه والريح معطار
وكامخ الزَّعْتر الـبـريِّ إن لـه لوناً حكاه لدينا المسـك والـقـار
وكامخ الثوم لما أن بصـرت بـه أبصرت عطراً له بالأكل أمَّـارُ
كأن زيتونها فيهـا ظـلام دُجًـى في الجنب منه من الممقور أسفار
إذا تأملت ما فيهن مـن بـصـل كأنهـنَّ لـجـين حَـشْـوُهُ نـار
وسَلْجَمٌ مستدير القـد خـالـطـه طعم من الخل قد حازته أسطـار
كأن أبـيضـه فـيه وأحـمـره دراهم صففـت فـيهـن دينـار
في كل ناحية منها يلوح لها نجـم إلينا بضوء الـفـجـر نـظَّـارُ
كأنها زهرة البستان قـابَـلَـهَـا بدر وشمـس وإظـلام وأنـوار
في وصف سلة نوادر
قال المستكفي: تحضر هذه الجونة بعينها على هذا الوصف، وهاتوا، فلسنا نأكل اليوم إلا ما تصفون، فقال آخر من الجلساء: يا أمير المؤمنين لمحمود بن الحسين الكاتب المعروف بكشاجم في صفة سلة نوادر:
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق