إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 691 ذكر جمل من أخباره وسيره ولمع مما كان في أيامه



( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 691


 ذكر جمل من أخباره وسيره

 ولمع مما كان في أيامه
 
  قد قدَّمنا عندما ذكرنا خَيْر المتقي للّه أن المستكفي بويع له بالسبق على نهر عيسى من أعمال بادوريا بإزاء القرية المعروفة بالسندية في الوقت الذي سمِلَتْ فيه عينا المتقي، بايع به أبو الوفاء توزون وسائر مَنْ حضر من القُوَاد وأهل الدولة، وأهل عصره من القضاة منهم القاضي أبو الحسن محمد بن الحسين بن أبي الشوارب وجماعة من الهاشميين، فصلّى بهم في يومهم ذلك المغربَ والعشاء، وسار حتى نزل في يوم الأحد بالشَّماسية، فلما كان في يوم الاثنين انحدر في الماء راكباً في الطيار الذي يسمى الغزل، وعليه قلنسوة طويلة محدودة، ذكِرَ أنها كانت لأبيه المكتفي باللّه، وعلى رأسه توزون التركي ومحمد بن محمد بن يحيى بن شيرزاد وجماعة منِ غلمانه، وسُلّم إليه المتقي ضريراً، وأحمد بن عبد اللّه القاضي مقبوضاً عليه، وحضر بعد ذلك سائر القضاة والهاشميين، فبايعوا له، واستوزر أبا الفرج محمد بن علي السامريَّ مدة، تم غضب عليه، وغلب على أمره محمد بن شيرزاد، وجلس للناس، وسأل عن القضاة، وكَشَفَ عن أمر شهود الحضرة، فأمر بإسقاط بعضهم، وأمر باستتابة بعضهم من الكذب وقبول بعضهم لأشياء كان قد علمها منهم قبل الخلافة، فامتثل القضاة ما أمر به من ذلك، واستقضى على الجانب الشرقي محمد بن عيسى المعروف بابن أبي موسى الحنفي، وعلى الجانب الغربي محمد بن الحسين بن أبي الشوارب الأموي الحنفي، فقالت العامة: إلى هاهُنا انتهى سلطانه، وانتهى في الخلافة أمره وَنَهْيُه، وقد كان بينه وبين الفضل بن المقتدر الذي يسمى بالمطيع قبل ذلك مجاورة في دار ابن طاهر، وعداوة في اللعب بالحمام وتطييرها، واللعب بالكِبَاش والديوك والسمان، وهو الذي يسمى بالشام النفخ. فلما حُمل المستكفي إلى نهر عيسى ليبايع له هرب المطيع من داره، وعلم أنه سيأتي عليه، فلما استقرت للمستكفي طلب المطيع، فلم يقف له على خبر، فهدمَ داره، وأتى على جميع ما قدر عليه من بستان وغيره.

 المستكفي وغلام ضمه له توزون

 وذكر أبو الحسن علي بن أحمد الكاتب البغدادي، قال: لما استخلف المستكفي ضم إليه توزونُ غلاماً تركياً من غلمانه يقف بين يديه، وكان للمستكفي غلام قد وقف على أخلاقه ونشأ في خدمته؛ فكان المستكفي يميل إلى غلامه، وكان توزون يريد من المستكفي أن يقدم المضموم إليه على غلامه الأول؛ فكان المستكفي يبعث بالغلام التركي في حوائجه، اتباعاً لمراضاة توزون، فلا يبلغ له ما يبلغ غلامه.

 من أخبار الحجاج مع أهل الشام

 قال: وأقبل المستكفي يوماً على محمد بن محمد بن يحيى بن شيرزاد الكاتب، فقال له: أتعرف خبر الحجاج بن يوسف مع أهل الشام. قال: لا يا أمير المؤمنين، قال: ذكروا أن الحجاج بن يوسف كان قد اجْتَبَى قوماً من أهل العراق وجَدَ عندهم من الكِفاية ما لم يجد عند مختصيِّه من الشاميين؛ فشق ذلك على الشاميين وتكلموا فيه، فبلغ إليه كرمهم؛ فركب في جماعة من الفريقين، وأوْغَلَ بهم في الصحراء؛ فلاَحَ لهم من بُعْدٍ قطارُ إبل؛ فدعا برجل من أهل الشام، فقال له: أمْض فاعرف ما هذه الأشباح، واسْتَقْص أمرها، فلم يلبث أن جاء وأخبره أنها إبل فقال: أمحملة هي. أم غير محملة. قال: لا أدري، ولكِني أعود وأتعرف ذلك، وقد كان الحجاج أتبعه برجل آخر من أهل العراق، وأمر بمثل ما كان أمَرَ الشاميَّ، فلما رجع العراقي أقبل عليه الحجاج وأهل الشام يسمعون، ما هي. قال: إبل، قال: وكم عددها. قال: ثلاثون، قال وما تحمل. قال: زيتاً، قال: ومن أين صَدَرَتْ قال: من موضع كذا قال: وأين قصدت. قال: موضع كذا، قال: ومَنْ ربها. قال: فلان فالتفت إلى أهل الشام، فقال: 
       
  ألام على عمرو، ولو مات أو نأى                      لقلَّ الذي يُغْنِي غَنَاءَكَ يا عمرو فقال ابن شيرزاد: فقد قال: يا أمير المؤمنين بعضُ أهل الأدب في هذا المعنى:         
  شر الرسولين مَنْ يحتاج مرسلُه                      منه إلى العَوْدِ، والأمران سيَّان
  كذاك ما قال أهل العلم في مَثَلٍ                      طريقُ كلِّ أخي جهلٍ طريقان قال المستكفي: ما أحسن ما وصف البحتري الرسول بالذكاء بقوله:         
  وكأنَّ الذكاء يبعث مـنـه                      في سواد الأمور شُعْلَةَ نار 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق