( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 673
قلت: كان سَمْحاً سخياً جواداً، فسلك الناس في عصره سبيله، وذهبوا في أمرهم مَذْهَبه، واتسعوا في مساعيهم، وكان من فعله في ركوبه أن يحمل مع بِدَرَ الدنانير والدراهم، فلا يسأله أحد إلا أعطاه، وإن سكت ابتدأه المفرق بين يديه، وقد تقدم بذلك إليه، وأمعن في قتل الملحدين، والمداهنين عن الدين لظهورهم في أيامه، وإعلانهم باعتقاداتهم في خلافته؛ لما انتشر من كتب ماني وابن دَيْصَان، ومرقيون مما نقله عبد اللّه بن المقفع، وغيره، وترجمت من الفارسية والفهلوية إلى العربية، وما صنفه في ذلك ابن أبي العرجاء، وحماد عَجْرَدٍ، ويحيى بن زياد، ومطيع بن إياس: من تأييد المذاهب المانية، والدَّيْصَانية، والمرقيونية، فكثر بذلك الزنادقة، وظهرت آراؤهم في الناس، وكان المهدي أول من أمر الجدليين من أهل البحث من المتكلمين بتصنيف الكتب على الملحدين ممن ذكرنا من الجاحدين وغيرهم، وأقاموا البراهين على المعاندين، وأزالوا شُبَهَ الملحدين، فأوضحوا الحق للشاكين، وشرع في بناء المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم على ما هما عليه إلى هذه الغاية، وبَنى بيت المقدس، وقد كان هدمته الزلازل.
وصف الهادي
قال: فأخبرني عن الهادي على قصر أيامه كيف كانت أخلاقه وشيمه..
قلت: كان جَبَّاراً عظيماً، وأول من مشت الرجال بين يديه بالسيوف المُرْهَفة، والأعمدة المشهورة، والقِسِيِّ الموتورة، فسلك عماله طريقته، ويمموا منهجه، وكثر السلاح في عصره.
قال: لقد أجَدْتَ في وصفك، وبالغت فيما ذكَرت من قولك فأخبرني عن الرشيد كَنص كَانت طريقته.
وصف الرشيد
قلت: كان مواظباً على الحج، متابعاً للغزو، واتخِاذ المصانع والآبار والبرك والقصور في طريق مكة، وأظهر ذلك بها وبمنَى وعَرَفَات ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فعمَّ الناسَ إحسانُه، مع ما قرن به من عدله، ثم بنى الثغور، ومَدَّن المدن، وحَصَّن فيها الحصون، مثل طرسوس وأذنة، وعلى المصيصة ومرعش، وأحكم بناء الحرب، وغير ذلك من دور السبب والمواضع للمرابطين، واتبعه عماله، وسلكوا طريقته، وقَفَتْهُ رعيف مقتدية بعمله، مُسْتَنِدة بإمامته، فقمع الباطل، وأظهر الحق، وأنار الأعلام، وبرز على سائر الأُمم، وكان أحسن الناس في أيامه فِعلاً أم جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور لما أحدثته من بناء دور السبيل بمكة، واتخاذ المصانع والبرك والآبار بمكة، وطريقها المعروفة إلى هذه الغاية، وما أحدثته من الدور للتسبيل بالثغر الشامي وطرسوس وما أوقفت على ذلك من الوقوف، وما ظهر في أيامه من فعل البرامكة وجُودِهم وإفضالهم وما اشتهر عنهم من أفعالهم. وكان الرشيد أول خليفة لعب بالصولجان في الميدان ورمى بالنشاب في البرجاس، ولعب بالأكْرة والطبطاب. وقرب الحذَاق في ذلك فعم الناس ذلك الفعل. وكان أول من لعب بالشطرنج من خلفاء بني المعباس، وبالنرد وقدم اللعاب، وأجرى عليهم الرزق، فسمى الناس أيامه- لنضارتها، وكثرة خيرها وخصبها- أيام العروس، وكثير مما يجاوز النعت وبتفاوت فيه الوصف.
وصف أم جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور
قال القاهر: فأراك قد قصرت في تفصيل أفعال أم جعفر، فلم ذلك. قلت: يا أمير المؤمنين ميلاً إلى الاقتصار، وطلباً للإِيجاز.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق