( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 677
الخليل بن أحمد
وذكر عمرو بن بحر الجاحظ في كتابه في تفضيل صنعة الكلام، وهي الرسالة المعروفة بالهاشمية، أن الخليل بن أحمد من أجْل إحسانه في النحو والعروض وضع كتاباً في الإيقاع وتراكيب الأصوات، وهو لم يعالج وتَراً قط، ولامَسَّ بيده قضيباً قط، ولا كثرت مشاهدته للمغنين، وكتب كتاب في الكلام، ولو جهد كلِ بليغ في الأرض أن يتعمد ذلك الخطأ والتعقيد لما وقع له، ولو أن ممرواً استغرق قوَى مرته في الهذيان لَمَا تهيأ له مثل ذلك منه، ولا يتأتى مثل ذلك لأحد إلا بخذلان الذي لا يقي منه شيء، قال الجاحظ: ولولا أن أسخف الكتاب وأهجر الرسالة وأخرجها من حد الجد إلى الهزل حكيت صدر كتابه في التوحيد وبعض ما وصفه في العدل، قال: ولم يرضَ بذلك حتى عمد إلى الشطرنج فزاده في الدولاب حملاً، فلعبت به أُناسٌ من حاشية الشطرنجيين، ثم رموا به.
أنواع آلات الشطرنج
وقد ذكر الناس ممن سلف وخلف أن جميع آلات الشطرنج على اختلاف هيآتها ستُّ صُوَرٍ لم يظهر في اللعب غيرها، فأولها الآلة المربعة المشهورة، وهي ثمانية أبيات في مثلها، ونسبت إلى قدماء الهند، ثم الآلة المستطيلة، وأبياتها أربعة في ستة عشر، والأمثلة تنصب فيها في أول وهلة في أربعة صفوف من كلا الوجهين، حتى تكون الدوابُّ منها في صفين، والبيادق أيضاً أمامها صفين، ومسيرها كمسير أمثلة الصورة الأولى، والآلة المربعة- وهي عشرة في مثلها- والزيادة في أمثلتها قطعتاذ تسميان الدبابتين، ومسيرهما كمسير الشاه إلا أنهما يأخذان وُيؤْخَذَانِ، ثم الآلة المدورة المنسوبة إلى الروم، ثم الآلة المدورة النجومية التي تسمى الفلكية، وأبياتها اثنا عشر على عدد بروج الفلك، مقسومة نصفين، وينقل فيها سبعة أمثلة مختلفة الألوان على عدد الخمسة الأنجم والنيرين وعلى ألوانهما.
وقد بينا فيما سلف من أخبار الهند كيفية اتصالها بالأجسام السماوية، وما قيل في عشقها للأشخاص العُلْوية، وأن تحرك الفلك لعشقه لما فوقه، وقولهم في النفس ونزولها عن عالم العقل إلى عالم الحس حتى نسيت بعد الذكر وجهلت بعد العلم، وغير ذلك من تخاليطهم مما يتصل علمه عندهم بمنصوبات الشطرنج.
ثم آلة أخرى تسمى الجوارحية، استحدثت في زماننا هذا، وهي سبعة أبيات في ثمانية، وأمثلتها اثنا عشر في كل جهة منها ستة، كل واحد من الستة يسمى باسم جارحة من جوارح الإِنسان التي بها يميز وينطق ويسمع ويبصر ويبطش ويَسْعَى، وهي سائر الحواس، والحاسُّ المشترك، وهو الذي من القلب.
وقد ذكرت الهند وغيرها من اليونانيين والفرس والروم وغيرهم ممن لعب بها كيفية صورها ونَصبها ومباديها ووجوه عللها والغرائب فيها وتصنيف القوائم والمفردات وأنواع ظرائف المنصوبات.
وقد استعمل لُعَّاب الشطرنج عليها فنون الهزل والنوادر المدهشة فزعم كثير منهم أن ذلك مما يبعث على لعبها وانصباب المواد وصحيح الأفكار إليها، وأن ذلك بمنزلة الِإرتجاز الذي يستعمله أهلُ القتال عند اللقاء والحادي عند الِإعياء والمائح للغَرْب عند الاستقاء، وأن ذلك عُدَة للاعب كما أن الشعر والارتجاز من عدة المحَارب.
وقد قيل فيما وصفنا أشعار كثيرة مما قاله بعض اللُّعَّاب؛ فمن ذلك:
نوادر الشطرنج في وقتـهـا أحَرُّ من ملتهب الـجـمـر
كم من ضعيف اللعب كانت له عوناً على مستحسن القَمْـرِ ومما قيل فيها فأحسن قائلها وبالغ في وصف اللعب بها:
أرض مربعة حـمـراء مـن أدمٍ ما بين إلْفَيْنِ موصوفين بالـكـرم
تذاكرا الحرب فاحتالا لها شَبَـهـا من غير أن يَسْعَيَا فيها بسَفْـك دم
هذا يُغِيرُ على هذا، وذاك عـلـى هذا يغير وعين الحرب لم تـنـم
فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعرفة في عسكرين بلا طَبْل ولاَ عـلـم ومما قيل فيها فبولغ في وصفها، واستوعب النظر لأكثر معانيها، قاله أبو الحسن بن أبي البغل الكاتب، وكان من جِلّة الكتاب وكبار العمال وممن اشتهر بمعرفتها واللعب بها، وهو:
فتى نَصَبَ الشطرنج كـيمـا يرى بها عواقب لا تَسْمُو لها عينُ جاهل
وأبصر أعْقَابَ الأحاديث فـي غـد بعيني مُجِدّ في مَـخِـيلَة هـازل
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق