( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 658
ذكر خلافة المكتفي باللّه
وبويع المكتفي باللّه- وهو علي بن أحمد المعتضد- بمدينة السلام، في اليوم الذي كانت فيه وفاة أبيه المعتضد، وهو يوم الاثنين لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين، وأخَذَ له البيعة القاسم بن عبيد الله، والمكتفي يومئذ بالرقة، وللمكتفي يومئذ نيف وعشرون سنة، ويكنى بأبي محمد، فكان وصول المكتفي إلى مدينة السلام من الرقة يوم الاثنين لسبع ليال بقين من جمادى الأولى سنة تسع وثمانين ومائتين، وكان دخوله في المساء، ونزل قصر الحسنى على دجلة، وكانت وفاته يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين وهو يومئذ ابن إحدى وثلاثين سنة وثلاثة أشهر، فكانت خلافته ست سنين وسبعة أشهر واثنين وعشرين يوماً، وقيل: ست سنين وستة أشهر وستة عشر يوماً، على تباين الناس في تواريخهم، واللّه أعلم.
ذكر جمل من أخباره وسيره
ولمع مما كان في أيامه
اسم علي في الخلفاء
ولم يتقلد الخلافَةَ إلى هذا الوقت- وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة- من خلافة المكتفي بالله من اسمه علي إلا علي بن أبي طالب والمكتفي.
ردّ المظالم إلى أهلها
ولما نزل المكتفي قصر الحسني في اليوم الذي كان فيه دخوله إلي مدينة السلام خلع على القاسم بن عبيد اللّه، ولم يخلع على أحد من القُوًاد، وأمر بهدم المطامير التي كان المعتضد اتخذها لعذاب الناس، وإطلاق من كان محبوساً فيها، وأمر بردِّ المنازل التي كان المعتضد اتخدها لموضع المطامير إلى أهلها، وفرق فيهم أموالاً، فمالت قلوب الرعية إليه، وكثر الداعي له بهذا السبب.
وغلب عليه القاسمَ بن عُبَيد اللهّ وفاتك مولاه ثم غلب عليه بعد وفاة القاسم بن عبيد اللّه وزيره العباس بن الحسن وفاتك، وقد كان القاسم بن عبيد اللّه أوقع بمحمد بن غالب الأصبهاني، وكان يتقلد ديوان الرسائل وكان ذا علم ومعرفة، وأوقع بمحمد بن بشارِ وابن منسارة لشيء بلغه عنهم، فأوثقهم بالحديد، وأحْدَرَهُمْ إلى البصرة، فيقال: إنهم غرقوا في الطريق، ولم يعرف لهم خبر إلى هذه الغاية؛ ففي ذلك يقول علي بن بسام:
عذرناك في قتلك المسلمين وقلنا: عداوة أهل الملـل
فهذا المناريُّ مـا ذنـبـه ودينكما واحـد لـم يزل
إيقاعه ببدر
وقد كانت الحال انفرجت بين القاسم بن عبيد اللّه وبدر قبل هذا الوقت، فلما استخلف المكتفي أغراه القاسم ببدر، وكان ميل جماعة من القواد عن بدر فساروا إلى حضرة السلطان، وسار بدر إلى واسط، فأخرج القاسم المكتفي إلى نهر ذيال، فعسكر هنالك، وجعل في نفس المكتفي من بدر كل حالة يقدر عليها من الشر، وأغراه به، فأحضر القاسم أبا حازم القاضي وكان ذا علم ودراية فأمره عن أمير المؤمنين بالمسير إلى بدر فيأخذ له الأمان ويجيء به معه ويضمن له عن أمير المؤمنين ما أحَبَّ، فقال أبو حازم: ما كنت أبلِّغُ عن أمير المؤمنين رسالة لم أسمعها منه، فلما امتنع عليه أحضر أبا عمرو محمد بن يوسف القاضي فأرسل به إلى بدر في شذاء، فأعطاه الأمان والعهود والمواثيق عن المكتفي، وضمن له أن لا يسلمه عن يده إلا عن رؤية أمير المؤمنين، فخلى عسكره، وجلس معه في الشذاء مُصْعِدِينَ فلما انتهوا إلى ناحية المدائن والسبب تلقاه جماعة من الخدم فأحاطوا بالشذاء، وتنحى أبو عمرو عنه إلى طيار فركب فيه، وقرب بدر إلى الشط، وسألهم أن يصلي ركعتين، وذلك في يوم الجمعة لست خلون من شهر رمضان سنة تسبع وثمانين ومائتين قبل الزوال من ذلك اليوم، فأمهلوه للصلاة، فلما كان في الركعة الثانية قطعت عنقه وأخذ رأسه فحمل إلى المكتفي، فلما وضع الرأس بين يدي المكتفي سجد وقال: الآن ذقت طعم الحياة ولذة الخلافة.
ودخل المكتفي إلى مدينة السلام يِوم الأحد لثمان خلون من شهر رمضان؛ ففي محمد بن يوسف القاضي يقول بعض الشعراء في ضمانة لبدر العهودَ والمواثيقَ عن المكتفي:
قل لـقـاضـي مـدينة الـمــنـــصـــور بِمَ أحـلــلـــت أخْـــذَ رأس الأمـــير.
بعد إعطائه المواثيقَ والعهدَ وَعَقْدَ الأمان في منشور
أيْنَ أيمانك التي يشهد اللّه علىِ أنـــهـــا يمـــين فُـــجُــــــورِ.
أين تـأكــيدك الـــطَـــلاَقَ ثـــلاثـــاً ليس فـيهــنَّ نـــية الـــتـــخـــيير.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق