إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 652 يوم الأجفر


( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 652


 يوم الأجفر
 
  وفي سنة خمس وثمانين ومائتين وقع صالح بن مدرك الطائي في نبهان وسنبس وغيرهم من طيئ بالحاج، وعلى الحاج جيء الكبير، وكانت لجيء مع صالح ومَنْ معه من الطائيين حرب عظيمة في الموضع المعروف بقاع الأجفر، وتشوش الحاج وأخذهم السيف، فمات عطشاً وقتلاً خلائقُ من الحاج، وأصاب جيء ضربات كثيرة، وكانت العرب ترتجز في ذلك اليوم وتقول:         
  ما إن رأى الناس كيوم الأجفر                      الناس صَرْعَى والقبور تحفر وأخذ من الناس نحو من ألفي دينار.

 وفاة إبراهيم بن محمد الحربي الفقيه

 وفي هذه السنة- وهي سنة خمس وثمانين ومائتين- كانت وفاة أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه المحدث في الجانب الغربي، وله خمس وثمانون سنة، وكانت وفاته يوم الاثنين لسبع بقين من ذي الحجة، ودفن مما يلي باب الأنبار وسارعِ السكبش والأسد، وكان صدوقاً عالماً فصيحاً جواداً عفيفاً، وكان زاهداَ عابداً ناسكاً، وكان- مع ما وصفنا من زهده وعبادته- ضاحك السن، ظريف الطبع، سلس القياد، ولم يكن معه تجبر ولا تكبر، وربما مزح مع أصدقائه بما يستحسن منه، ويُسْتقبح من غيره، وكان شيخ البغداديين في وقته، وظريفهم، وناسكهم، وزاهدهم، ومسندهم في الحديث، وكان يتفقه لأهل العراق، وكان له مجلس يوم الجمعة في المسجد الجامع الغربي.

 وأخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن جابر قال: كنت أجلس يوم الجمعة في حلقة إبراهيم الحربي، وكان يجلس إلينا غلامان في نهاية الحسن والجمال من الصورة والبزَّة من أبناء التجار من الكرخيين، وبزَّتهما واحدة، كأنهما روحان في جسد، إن قاما قاما معاً، وإن قعدا قعدا معاً، فلما كان في بعض الجمع حضر أحدهما وقد بان الاصفرار بوجهه والانكسار في عينيه، فتوسمت أن غيبة الآخرة لعلة وقد لحق الحاضر من أجل ذلك الانكسار، فلما كان الجمعة الثانية حضر الغائب ولم يحضر الذي كان في الجمعة الأولى منهما، وإذا الصفرة والِإنكسار بين في لونه ونشاطه، فعلمت أن ذلك للفراق الواقع بينهما، ولأجل الألفة الجامعة لهما، فلم يزالا يتسابقان في كل جمعة إلى الحلقة، فأيهما سبق صاحبه إلى الحلقة لم يجلس الآخر، فصح عندي ما كان تقدم في نفس جواز كونه، فلما كان في بعض الجمع حضر أحدهما فجلس إلينا، وجاء الآخر فأشرف على الحلقة، فإذا صاحبه قد سبق، إذا المسبوق المطلع إلى الحلقة قد خنقته العَبْرة، فتبينت ذلك في حماليق عينيه، وإذا في يسراه رقاع مكتوبة فقبض بيمينه رقعة من تلك الرقاع وحذف بها في وسط الحلقة، وانساب بين الناس ماراً مستحياً، وأنا أرْمُقه ببصري، وكذلك جماعة ممن كان جالساً في الحلقة، وكان إلى جانبي على اليمين أبو عبد اللّه علي بن الحسين بن حوثرة، وذلك في عنفوان الشباب وأوان الحداثة، فوقعت الرقعة بين يحي إبراهيم الحربي، فقبضس عليها ونَشَرَها وقرأها، وكان من شأنه فعل ذلك إذا وقعت فىِ يده رقعة فيها دعاء أن يدعو لصاحبها مريضاً كان أو غير ذلك، ويؤمِّنُ على دعائه مَنْ حضر، فلما قرأ الرقعة أقبل يتأمل ما فيها تأملاً شافياً لأنه رأى ملقيها، ثم قال: اللهم اجمع بينهما، وألِّف بين قلوبهما، واجعل ذلك مما يقرب منك ويُزْلِف لديك، وأمَّنُوا على دعائه كما جرت العادة منهم بفعله، ثم أعرج الرقعة بسبَّابته وإبهامه وحذفني بها، فتأملت ما فيها، وقد كنت مستطلعاً نحوها لتبين الملقى لها، فإذا فيها مكتوب:         
  عَفَا اللَّه عن عبد أعَانَ بـدعـوة                      لًخِلّين كانا دائمين عـلـى الـود
  إلى أن وشى واشي الهوى بنميمة                      إلى ذاك من هذا فحالا عن العهد فكانت الرقعة معي فلما كانت الجمعة الثانية حضرا معاً وإذا الاصفرار والانكسار قد زالا عنهما، فقلت لابن حوثرة: إني لأرى الدعوة قد سبقت لهما بالإِجابة من اللّه تعالى، وإن دعا الشيخ كأن على التمام إن شاء اللّه تعالى؛ فلما كان في تلك السنة كنت ممن حج فكأني أنظر إليهما بين مِنِى وعرفات محرمين جميعاً، فلم أزل أراهما متآلفين إلى أن كهلا، وأرى أنهما في صف أصحاب الديباج في الكرخ، أو غيره من الصفوف.

 إبراهيم بن جابر القاضي
 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق