( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 623
أهل قرية من أعمال الريِّ يُقال لها ورزنين، وظهر من فعله ما دلَّ على تصديق مما رمى به من أنه كان يرى رأي الأزارقة من الخوارج؛ لأن أفعاله في قتل النساء والأطفال وغيرهم من الشيخ الفاني وغيره ممن لا يستحق القتل يشهد بذلك عليه، وله خطبة يقول في أولها: اللّه أكبر الله أكبر، لا إلهَ إلا اللّه واللّه أكبر، ألا لا حكم إلا اللّه، وكان يرى الذنوب كلها شِرْكاً، وكان أنصاره الزنج، وكان ظهوره ببئر نخل بين مدينة الفتح وكرخ البصرة في ليلة الخميس لثلاث بَقِينَ من شهر رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين وغلب على البصرة في سنة سبع وخمسين ومائتين، وقتل ليلة السبت لليلتين خَلَتا من صفر سنة سبعين ومائتين، وذلك في خلافة المعتمد على اللّه، وقد صنف الناسُ في أخباره وحروبه وما كان من أمره كتباً كثيرة، وكان أولَ من صنف أخباره وما كان من بَدْءِ أمره ووقوعه إلى بلاد البحرين، وما كان من خبره مع الأعراب محمد بن الحسن بن سهل بن أخي في الرياستين الفضل بن سهل صاحب المأمون، وهو الرجل الذي كان من أمره مع المعتضد باللّه قد ذكرناه واشتهر قبل ذلك في الناس، وما كان من أمره إلى أن جعله كَدَجَاج على النار وجِلًد ينتفخ ويتقرقع.
وقد ذكر الناس صاحب الزنج في أخبار المبيضة وكتبهم، وقد أتينا على جميع خبره وَبْدء خبر البلالية والسعدية بالبصرة في الكتاب الأوسط، فأغنى ذلك عن إعادته، وسنورد في هذا الكتاب في الموضع المستحق له لمعاً من ذكره، وما كان من أمره في مقتله.
عمرو بن بحر الجاحظ
قال المسعودي: وفي هذه السنة وهي سنة خمس وخمسين ومائتين، وقيل: سنة ست وخمسين ومائتين، كانت وفاة عمرو بن بحر الجاحظ بالبصرة في المحرم، ولا يعلم أحد من الرواة وأهل العلم أكثر كتباً منه، مع قوله بالعثمانية، وقد كان أبو الحسن المدائني كثير الكتب، إلا أن أبا الحسن المدائني كان يؤدي ما سمع، وكتب الجاحظ- مع إنحرافه المشهور- تجلو صدأ الأذهان، وتكشف واضح البرهان، لأنه نظمها أحْسَنَ نظم، ورصفها أحسن رصف، وكساها من كلامه أجْزَلَ لفظ، وكان إذا تخوَّفَ مَلَلَ القارئ وسآمة السامع خرج من جد إلى هزل، ومن حكمة بليغة إلى نادرة ظريفة، وله كتب حسان: منها كتاب البيان والتبيين، وهو أشرفها، لأنه جمع فيه بين المنثور والمنظوم، وغُرَر الأشعار، ومستحسن الأخبار، وبليغ الخطب، ما لو اقتصر عليه مقتصر عليه لاكتفى به، وكتاب الحيوان، وكتاب الطفيليين، وكتاب البخلاء، وسائر كتبه في نهاية الكمال، مما لم يقصد منها إلى نصب ولا إلى دفع حق، ولا يُعْلَم ممن السلف وخلف من المعتزلة أفْصَح منه، وكان غُلاَمَ إبراهيم بن سًيّار النَّظام، وعنه أخذ، ومنه تَعَلّم.
وحدث يموت بن المزرع- وكان الجاحظ خاله- قال: دخل إلي خالي أناسٌ من البصرة من أصدقائه في العلة التي مات فيها، فسألوه عن حاله، فقال: عليل من مكانين: من الأسقام، وَالدَّيْنِ، ثم قال: أنا في هذه العلة المتناقضة التي يتخوف من بعضها التلف وأعظمها نيف وسبعون سنة، يعني عمره.
قال يموت بن المزرع: وكان يَطْلِي نصفه الأيمن بالصندل والكافور لشدة حرارته، والنصف الآخر لو قُرض بالمقاريض ما شعر به من خدره وبرده.
قال ابن المزرع: وسمعته يقول: رأيت بالبصرة رجلاً يروح ويغدو في حوائج الناس، فقلت له: قد أتعبت بذلك بدنك، وأخلقت ثيابك، وأعجفْتَ بِرْذَوْنك، وقتلت غلامك، فما لك راحة ولا قَرَار، فلو اقتصدت بعض الاقتصاد، قال: سمعت تغريد الأطيار في الأسحار، في أعالي الأشجار، وسمعت محسنات القيان على الأوتار فما طربت طربي لنغمة شاكر أوليته معروفاً أو سعيت له في حاجة.
يموت بن المزرع
وكان يموت لا يعود مريضاً خوفاً من أن يتطير باسمه، وله أخبار حسان، وأشعار جياد، وقد كان سكن طبرية من بلاد الأردن من الشام فمات بها، وذلك بعد الثلاثمائة، وكان من أهل العلم والنظر والمعرفة والجبل، وله ولد يُقال له مهلهل بن يموت بن المزرع، وهو شاعر مجيد من شعراء هذا الوقت، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، وفيه يقول أبوه يموت بن المزرع:
مهلهل قد حَلَبْتُ شُطُورَ دهر فكافحني بها الزمَنُ العنوت
وجاريت الرجال بكل ربـع فأذعن لي اِلحثالة والرتوت
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق