إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 699



( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 699


  فسير المقتدر هارون بن غريب في الحال نحو قزوين فكانت له معه حروب، فانكشف هارون وقتل من أصحابه خلق كثير، وذلك بباب قزوين، وقد كان أهل قزوين عاونوا أصحاب السلطان، فقتلوا منهم عِدّة، فكانت لهم بعد هزيمة هارون بن غريب مع الديلم حروب، وسار إليهم أسفار بن شيرويه؛ فأتى على خَلْقٍ عظيم بها، وملك القلعة التي في وسط قزوين، وتدعى بالفارسية: كشوين وهو الحصن الذي كان للمدينة أولاً في نهاية المَنَعَة، مما كانت الفرس جعلته ثغراً بإزاء الدَّيلم وشحنته بالرجال، لأن الديلم والجبل- مذ كانوا- لم ينقادوا إلى ملّة، ولا استحبوا شرعاً ثم جاء الإِسلام، وفتح اللّه على المسلمين البلاد، فجعلت قزوين للديلم ثغراً هي وغيرها، مما أطاف ببلاد الديلم والجبل وقصدها المطوعة والغزاة؛ فرابطوا وغزوا ونفروا منها، إلى أن كان من أمر الحسن بن علي العلويِّ الداعي الأطروش؛ وإسلام من ذكْرنا من ملوك الجبل والديلم على يديه ما تقدم ذكره في صدر هذا الباب من خبره، والآن قد فسدت مذاهبهم وتغيرت آراؤهم وألحد أكثرهم، وقد كان قبل ذلك جماعة من ملوك الديلم يدخلون في الإسلام، وينصرون مَنْ ظهر ببلاد طبرستان من آل أبي طالب، مثل الحسن ومحمد ابني زيد الحسيني؛ وخَرَّب أسفار بن شيرويه قزوين لماكان من فعل أهلها ومعاونتهم أصحاب السلطان على رجاله، وقلع أبوابها، وسبى، وأباح الفروج، وسمع المؤذن يؤذن على صومعة الجامع، فأمر أن ينكس منها على أمِّ رأسه، وخرب المساجد، ومنع الصلوات، فاستغاث الناس- في المساجد في أمصار المشرق، واستفحل أمره، وسار صاحب خراسان يريد الريَّ لحرب أسفار بن شيرويه في عساكره وانفصل عن مدينة بخارى، وهي دار مملكة صاحب خراسان في هذا الوقت، وعبر نهر بلخ فنزل مدينة نيسابور، وسار أسفار بن شيرويه إلى الري، وجمع عساكره، وضم إليه رجاله من الأطراف، وعزم على محاربة صاحب خراسان فأشار عليه وزيره- وهو مطرف الجرجاني، وكان يخاطب بالرئيس- أن يلاطف صاحب خراسان، ويراسله ويطمعه في المال وإقامة الدعوة؛ فإن الحرب تارات، وأوقاتها سجال، والإنفاق عليها من رأس المال، فإن جَنح إلى ما دعوته إليه وراسلته به، وإلا فالحرب بين يديك، لأن من معك من الأتراك وأكثر فرسان خراسان إنما هم رجاله، وإنما قد تملكتهم بالِإحسان إليهم، ولا تدري لعله إذا قرب منك صاروا مع صاحبهم، فقبل قوله: وأمر بمكاتبته، فلما وردت الكتب على صاحب خراسان أبى أن يقبل شيئاً من ذلك، وعزم على المسير إليه، فأشار عليه وزيره أن يقبل منه ما بذل، وأن يَرْضى منه بما تحمل من الأموال وإقامة الدعوة، فإن الحرب عَثَرَاتُهَا لا تُقَال، ولا يدرى إلى ما تؤول، لأن الرجلِ قوي بالمال والرجال، فإن هزم لم يكن في ذلك كبير فتح، إذ كان رجلاً من رجالك انتدبته لحرب عدوك وضممت إليه عساكرك وغلمانك، فخالف عليك، وإن كانت وعائذ باللّه عليك لم تستقل من ذلك، فشاوَرَ صاحب خراسان ذوي الرأي من قواده وأصحابه فيما قال وزيره فسددوا رأيه، وصَوَّبوا قوله، فجنح إلى قولهم، وما أشير عليه، فأجاب أسفار بن شيرويه إلى ما سأل، وأعطاه ما طلب، من بعد شروط اشترطها عليه من حمل أموال وغير ذلك، فلما ورد الكتاب على أسفار بن شيرويه قال لوزيره: هذه أموال عظيمة قد اشترط علينا حملها، ولا سبيل إلى إخراجها من بيت المال، فالواجب أن نستفتح خراج هذه البلاد.
 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق