( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 705
وقد أتينا في الكتاب الأوسط الذي كتابُنَا هذا تَالٍ له، والأوسَطُ تال لكتابنا أخبار الزمان، ومن أباده الحدثان من الأًمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الداثرة على ما كان منه، ومحاربته الِإخشيد محمد بن طغج بالعريش من بلاد مصر، وانكشافه، ورجوعه إلى دمشق، وما كان من قتله لأخي الإخشيد محمد بن طغج باللجون من بلاد الأردن، وما كان قبل وقعة العريش بينه وبين عبد اللّه بن طغج، وما كان معه من القواد، وانكشافهم عنه، واستئمان من استأمن منهم إليه مثل محمد بن تكين الخاصة وتكين الخاقاني غلام خاقان المفلحي وغيرهما، وغير ذلك من أخباره وأخبار غيره، وذكرنا مقتل طريف السكري في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة على باب طرسوس، وما كان من وقعته مع الثميلية، وهم غلمان ثميل الخادم، فأغنى ذلك عن إعادته مبسوطاً في هذا الكتاب.
وإنما تغلغل بنا الكلام في التصنيف فيما ذكرنا من أخبار الديلم والجبل وما كان من أمر أسفار بن شيرويه ومرداويج عند ذكرنا لآل أبي طالب وأمر الداعي الحسن بن القاسم الحسني صاحب طبرستان ومقتله، وخبر الأطروش الحسن بن علي الحسني.
قال المسعودي: وقد أتينا على ذكر سائر الأحداث والكوائن في أيام مَنْ ذكرنا من الخلفاء والملوك في كتابينا أخبار الزمان والأوسط، وذكرنا في هذا الكتاب ما يكتفي به الناظِرُ فيه، وانتهى بنا التصنيف فيه إلى هذا الوقت، وهو جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، ونحن بفسطاط مصر، والغالب على أمر الدولة والحضرة أبو الحسن أحمد بنْ الديلمي المسمَّى مُعِز الدولة، وأخوه الحسن بن بُوِيْهِ صاحب بلاد أصبهان وكُوَرِ الأهواز وغيرها المسمى ركن الدولة، وأخوهما الأكبر، والرئيس فيهم المعظم عليُّ بن بُوَيْهِ الملقب بعميد الدولة المقيم بأرض فارس، والمدبر منهم لأمر المطيع أحمدُ بن بُوَيْهِ مُعِزُّ الدولة، وهو المحارب للبريديين بأرض البصرة، والمطيع معه على حسب ما ينمو إلينا من أخبارهم، ودلننا في كتابنا هذا بالقليل على الكثير، وبالخبر اليسير على الجليل الخطير، وذكرنا في كل كتاب من هذه الكتب ما لن نذكره في الآخر إلا ما لا يسع تركه، ولم نجد بداً من إيراده لما دعت الضرورة إلى وصفه، وأتينا على أخبار أهل كل عصر وما حَدَث فيه من الأحداث، وما كان فيه من الكوائن إلى وقتنا هذا، مع ما أسلفناه في هذا الكتاب من ذكرنا البر والبحر، والعامر منهما والغامر، والملوك وسيرها، والأمم وأخبارها.
وأرجو أن يَفْسَحَ اللّه تعالى لنا في البقاء، ويمد لنا في العمر، ويسعدنا بطول الأيام؛ فنعقب تأليف هذا الكتاب بكتاب آخر نضمنه فنوناً من الأخبار، وأنواعاً من طرائف الآثار، على غير نَظْم من التأليف، ولا ترتيب من التصنيف، على حسب ما يَسْنَحُ من فوائد الأخبار، ويوجد من نوادر الآثار، ونترجمه بكتاب وصل المجالس بجوامع الأخبار ومختلط الآثار تالياً لما سلف من كتبنا، ولاحقاً بما تقدم من تصنيفنا.
وجميع ما أوردناه في هذا الكتاب لا يَسَعُ ذوي الدراية جهله، ولا يُعْذَرُ في تركه والتغافل عنه؛ فممن عَدَّ أبواب كتابي هذا ولم يمعن النظر في قراءة كل باب منه لم يبلغ حقيقة ما قلنا، ولا عرف للعلم مقداره؛ فلقد جمعنا ما فيه في عدَّة السنين باجتهاد وتعب عظيم، وَجَوَلان في الأسفار، وطواف في البلدان من الشرق والغرب في كثير من الممالك غير مملكة الإسلام.
فمن قرأ كتابنا هذا فليتدبره بعين المحبة، وليتفضل بهمته بإصلاح ما أنكر منه مما غَيَّره الناسخ وصَحَّفه الكاتبُ، وليرع لي نسبة العلم، وحرمة الأدب، وموجبات الرواية، وما تجشمت من التعب فيها، فإن منزلتي فيه وفي نظمه وتأليفه بمنزلة من وَجَدَ جوهراً منثوراً ذا أنواع مختلفة وفنون متباينة فَنَظَمَ منها سلكاً، واتخذ عقداً نفيساً، ثميناً باقياً لطلابه.
وليعلم من نظر فيه أني لم أنتصر فيه لمذهب، ولا تحيزت إلى قَوْلٍ، ولا حكيت عن الناس إلا مجالس أخبارهم، ولم أعرض فيه لغير ذلك.
فلنذكر الآن الباب الثاني من جماع التاريخ على حسب ما قدمنا الوَعْدَ بإيراده في صدر هذا الكتاب وباللّه أستعين، وعليه أتوكل.
ذكر جامع التاريخ الثاني من الهجرة
إلى هذا الوقت
تقدمة
وهو جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وثلاثمائة الذي فيه انتهينا من الفراغ من هذا الكتاب.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق