إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 30 يوليو 2016

400 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر وقعة اليزك مع الفرنج



400


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر وقعة اليزك مع الفرنج

لما كان صلاح الدين بمرج عيون وعلى الشقيف جاءته كتب من أصحابه الذين جعلهم يزكًا في مقابل الفرنج على صور يخبرونه فيها أن الفرنج قد أجمعوا على عبور الجسر الذي لصور وعزموا على حصار صيدا فسار صلاح الدين جريدة في شجعان أصحابه سوى من جعله على الشقيف فوصل إليهم وقد فات الأمر‏.‏

وذلك أن الفرنج قد فارقوا صور وساروا عنها لمقصدهم فلقيهم اليزك على مضيق هناك وقاتلوهم ومنعوهم وجرى لهم معهم حرب شديدة يشيب لها الوليد وأسروا من الفرنج جماعة وقتلوا جماعة منهم سبعة رجال من فرسانهم المشهورين وجرحوا جماعة وقتل من المسلمين أيضًا جماعة منهم مملوك لصلاح الدين كان من أشجع الناس فحمل وحده على صف الفرنج فاختلط بهم وضربهم بسيفه يمينًا وشمالًا فتكاثروا عليه فقتلوه رحمه الله ثم إن الفرنج عجوزا عن الوصول إلى صيدا فعادوا إلى مكانهم‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

399 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح شقيف أرنون



399


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح شقيف أرنون

في هذه السنة في ربيع الأول سار صلاح الدين إلى شقيف أرنون وهو من أمنع الحصون ليحصره فنزل بمرج عيون فنزل صاحب الشقيف وهو أرناط صاحب صيدا وكان أرناط هذا من أعظم الناس دهاء ومكرًا فدخل إليه واجتمع به وأظهر له الطاعة والمودة وقال له‏:‏ أنا محب لك ومعترف بإحسانك وأخاف أن يعرف المركيس ما بيني وبينك فينال أولادي وأهلي منه أذى فإنهم عنده فأشتهي أن تمهلني حتى أتوصل في تخليصهم من عنده وحينئذ أحضر أنا وهم عندك ونسلم الحصن إليك ونكون في خدمتك ونقنع بما تعطينا من إقطاع فظن صلاح الدين صدقه فأجابه إلى ما سأل فاستقر الأمر بينهما أن يسلم الشقيف في جمادى الآخرة‏.‏

وأقام صلاح الدين بمرج عيون ينتظر الميعاد وهو قلق مفكر لقرب انقضاء مدة الهدنة بينه وبين البيمند صاحب أنطاكية فأمر تقي الدين ابن أخيه أن يسير في من معه من عساكره ومن يأتي من بلاد المشرق ويكون مقابل أنطاكية لئلا يغير صاحبها على بلاد الإسلام عند انقضاء الهدنة‏.‏

وكان أيضًا منزعج الخاطر كثير الهم لما بلغه من اجتماع الفرنج بمدينة صور وما يتصل بهم من الأمداد في البحر وأن ملك الفرنج الذي كان قد أسره صلاح الدين وأطلقه بعد فتح القدس قد اصطلح هو والمركيس بعد اختلاف كان بينهما وأنهم قد اجتمعوا في خلق لا يحصون فإنهم قد خرجوا من مدينة صور إلى ظاهرها فكان هذا وأشباهه مما يزعجه ويخاف من ترك الشقيف وراء ظهره والتقدم إلى صور وفيها الجموع المتوافرة فتنقطع الميرة عنه إلا أنه مع هذه الأشياء مقيم على العهد مع أرناط صاحب الشقيف‏.‏

وكان أرناط في مدة الهدنة يشتري الأقوات من سوق العسكر والسلاح وغير ذلك مما يحصن به شقيفه وكان صلاح الدين يحسن الظن وإذا قيل له عنه مما هو فيه من المكر وإن قصده المطاولة إلى أن يظهر الفرنج من صور وحينئذ يبدي فضيحته ويظهر مخالفته لا يقبل فيه فلما قارب انقضاء الهدنة تقدم صلاح الدين من معسكره إلى القرب من شقيف أرنون وأحضر عنده أرناط وقد بقي من الأجل ثلاثة أيام فقال له في معنى تسليم الشقيف فاعتذر بأولاده وأهله

وأن المركيس لم يمكنهم من المجيء إليه وطلب التأخير مدة أخرى فحينئذ علم السلطان مكره وخداعه فأخذه وحبسه وأمره بتسليم الشقيف فطلب قسيسًا ذكره لحمله رسالة إلى من بالشقيف ليسلموه فأحضروه عنده فساره بما لم يعلموا فمضى ذلك القسيس إلى الشقيف فأظهر أهله العصيان فسير صلاح الدين أرناط إلى دمشق وسجنه وتقدم إلى الشقيف فحصره وضيق عليه وجعل عليه من يحفظه ويمنع عنه الذخيرة والرجال‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


398 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير = ثم دخلت سنة خمس وثمانين وخمسمائة



398


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

= ثم دخلت سنة خمس وثمانين وخمسمائة

== ذكر فتح شقيف أرنون
== ذكر وقعة اليزك مع الفرنج
== ذكر وقعة ثانية للغزاة المتطوعة
== ذكر وقعة ثالثة
== ذكر مسير الفرنج إلى عكا ومحاصرتها
== ذكر وقعة أخرى
== ذكر رحيل صلاح الدين عن الفرنج وتمكنهم من حصر عكا
== ذكر وصول عسكر مصر والأسطول المصري في البحر
== ذكر عدة حوادث
== ذكر وقعة الفرنج واليزك وعود صلاح الدين إلى منازلة الفرنج
== ذكر إحراق الأبراج ووقعة الأسطول
== ذكر وصول ملك الألمان إلى الشام
== ذكر وقعة للمسلمين والفرنج على عكا
== ذكر خروج الفرنج من خنادقهم
== ذكر تسيير البدل إلى عكا والتفريط فيه حتى أخذت
== ذكر ملك الفرنج مدينة شلب وعودها إلى المسلمين
== ذكر الحرب بين غياث الدين وسلطان شاه بخراسان
== ذكر عدة حوادث


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

397 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر عدة حوادث



397


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة توفي شيخنا أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن سويدة التكريتي كان عالمًا بالحديث وله تصانيف حسنة‏.‏

وفيها توفيت سلجوقة خاتون بنت قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان زوجة الخليفة وكانت قبله زوجة نور الدين محمد بن قرا أرسلان صاحب الحصن فلما توفي عنها تزوجها الخليفة ووجد الخليفة عليها وجدًا عظيمًا ظهر للناس كلهم وبنى على قبرها تربة بالجانب وفيها توفي علاء الدين تنامش وحمل تابوته إلى مشهد الحسين عليه السلام‏.‏

وفيها توفي خالص خادم الخليفة و كان أكبر أمير ببغداد ومات أبو الفرج بن النقور العدل ببغداد وسمع الحديث الكثير وهو بيت الحديث رحمه الله‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

396 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر انهزام عسكر الخليفة من السلطان طغرل



396


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر انهزام عسكر الخليفة من السلطان طغرل

في هذه السنة جهز الخليفة الناصر لدين الله عسكرًا كثيرًا وجعل المقدم عليهم وزيره جلال الدين عبيد الله بن يونس وسيرهم إلى مساعدة قزل ليكف السلطان طغرل عن البلاد فسار العسكر ثالث صفر إلى أن قارب همذان فلم يصل قزل إليهم وأقبل طفرل إليهم في عساكره فالتقوا ثامن ربيع الأول بداي مرج عند همذان واقتتلوا فلم يثبت عسكر بغداد بل انهزموا وتفرقوا وثبت الوزير قائمًا ومعه مصحف وسيف فأتاه من عسكره طغرل من أسره وأخذ ما معه من خزانة وسلاح ودواب وغير ذلك وعاد العسكر إلى بغداد متفرقين‏.‏

وكنت حينئذ بالشام في عسكر صلاح الدين يريد الغزاة فأتاه الخبر مع النجابين بميسر العسكر البغدادي فقال‏:‏ كأنكم وقد وصل الخبر بانهزامهم‏.‏

فقال له بعض الحاضرين‏:‏ وكيف ذلك فقال‏:‏ لا شك أن أصحابي وأهيل أعرف بالحرب من الوزير وأطوع في العسكر منه ومع هذا فما أرسل أحدًا منهم في سرية للحرب إلا وأخاف عليه وهذا الوزير غير عارف بالحرب وقريب العهد بالولاية ولا يراه الأمراء أهلًا أن يطاع وفي مقابلة سلطان شجاع قد باشر الحرب بنفسه ومن معه يطيعه وكان الأمر كذلك ووصل الخبر إليه بانهزامهم فقال لأصحابه‏:‏ كنت أخبرتكم بكذا وكذا وقد وصل الخبر بذلك‏.‏

ولما عادت عساكر بغداد منهزمة قال بعض الشعراء وهو أحمد بن الواثق بالله‏:‏ أتركونا من جائحات الجريمة طلعة طلعة تكون وخيمة بركات الوزير قد شملتنا فلهذا أمورنا مستقيمة خرجت جندنا تريد خراسا ن جميعًا بأبهات عظيمة ووزير وطاق طنب ونفش وخيول معدة للهزيمة هم رأوا غرة العدو وقد أق بل ولوا وانحل عقد العزيمة وأتونا ولا بخفي حنين بوجوه سود قباح دميمة لو رأى صاحب الزمان ولوعا ين أفعالهم وقبح الجريمة قابل الكل بالنكال وناهي ك بها سبة عليهم مقيمة كان ينبغي أن تتقدم هذه الحادثة وإنما أخرتها لتتبع الحوادث المتقدمة بعضها بعضًا لتعلق كل واحدة منها بالأخرى‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

395 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر ظهور طائفة من الشيعة بمصر



395


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر ظهور طائفة من الشيعة بمصر

في هذه السنة ثار بالقاهرة جماعة من الشيعة عدتهم اثنا عشر رجلًا ليلًا ونادوا بشعار العلويين‏:‏ يال علي يال علي وسلكوا الدروب ينادون ظنًا منهم أن رعية البلد يلبون ويملكون البلد فلم يلتفت أحد منهم إليهم ولا أعارهم سمعه‏.‏

فلما رأوا ذلك تفرقوا خائفين فأخذوا وكتب بذلك إلى صلاح الدين فأهمه أمرهم وأزعجه فدخل عله القاضي الفاضل فأخبره الخبر فقال القاضي الفاضل‏:‏ ينبغي أن تفرح بذلك ولا تحزن ولا تهتم حيث علمت من بواطن رعيتك المحبة لك والنصح وترك الميل إلى عدوك ولو وضعت جماعة يفعلون مثل هذه الحالة لتعلم بواطن أصحابك ورعيتك وخسرت الأموال الجليلة عليهم لكان قليلًا فسري عنه‏.‏

وكان هذا القاضي صاحب دولة صلاح الدين وأكبر من بها وستأتي مناقبه عند وفاته ما تراه‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

394 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح كوكب



394


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح كوكب

لما كان صلاح الدين يحاصر صفد اجتمع من بصور من الفرنج وقالوا‏:‏ إن فتح المسلمون قلعة صفد لم تبق كوكب ولو أنها معلقة بالكوكب وحينئذ ينقطع طمعنا من هذا الطرف من البلاد فاتفق رأيهم على إنفاذ نجدة لها سرًا من رجال وسلاح وغير ذلك فأخرجوا مائتي رجل من شجعان الفرنج وأجلادهم فساروا الليل مستخفين وأقاموا النهار مكمنين‏.‏

فاتفق من قدر الله تعالى أن رجلًا من المسلمين الذين يحاصرون كوكب خرج متصيدًا فلقي رجلًا من تلك النجدة فاستغربه بتلك الأرض فضربه ليعلمه بحاله وما الذي أقدمه إلى هناك فأقر بالحال ودله على أصحابه فعاد الجندي المسلم إلى قايماز النجمي وهو مقدم ذلك العسكر فأعلمه الخبر والفرنجي معه فركب في طائفة من العسكر إلى الموضع الذي قد اختفى فيه الفرنج فكبسهم فأخذهم وتتبعهم في الشعاب والكهوف فلم يفلت منهم أحد فكان معهم مقدمان من فرسان الإسبتار فحملا إلى صلاح الدين وهو على صفد فأحضرهما ليقتلهما وكانت عادته قتل الداوية والإسبتارية لشدة عداوتهم للمسلمين وشجاعتهم فلما أمر بقتلهما قال له أحدهما‏:‏ ما أظن ينالنا سوء وقد نظرنا إلى طلعتك المباركة ووجهك الصبيح‏.‏

وكان رحمه الله كثير العفو يفعل الاعتذار والاستعطاف فيه فيعفو ويصفح فلما سمع كلامهما لم يقتلهما وأمر بهما فسجنا‏.‏

ولما فتح صفد سار عنها إلى كوكب ونازلها وحصرها وأرسل إلى من بها من الفرنج يبذل لهم الأمان إن سلموا ويتهددهم بالقتل والسبي والنهب إن امتنعوا فلم يسمعوا قولهن وأصروا على الامتناع فجد في قتالهم ونصب عليهم المجانيق وتابع رمي الأحجار إليهم وزحف مرة بعد مرة وكانت الأمطار كثيرة لا تنقطع ليلًا ولا نهارًا فلم يتمكن المسلمون من القتال على الوجه الذي يريدوه وطال مقامهم عليها‏.‏

وفي آخر الأمر زحفوا إليها دفعات متناوبة في ويم واحد ووصلوا إلى باشورة القلعة ومعهم النقابون والرماة يحمونهم بالنشاب عن قوس اليد والجروخ فلم يقدر أحد منهم أن يخرج رأسه من أعلى السور فنقبوا الباشورة فسقطت وتقدموا إلى السور الأعلى فلما رأى الفرنج ذلك أذعنوا بالتسليم وطلبوا الأمان فأمنهم وتسلم الحصن منهم منتصف ذي القعدة وسيرهم إلى صور فوصلوا إليها‏.‏

واجتمع بها من شياطين الفرنج وشجعانهم كل صنديد فاشتدت شوكتهم وحميت جمرتهم وتابعوا الرسل إلى من بالأندلس وصقلية وغيرهما من جزائر البحر يستغيثون ويستنجدون والأمداد كل قليل تأتيهم وكان ذلك كله بتفريط صلاح الدين في إطلاق كل من حصره حتى عض بنانه ندمًا وأسفًا حيث لم ينفعه ذلك‏.‏

واجتمع للمسلمين بفتح كوكب وصفد من حد أيلة إلى أقصى أعمال بيروت لا يفصل بينه غير مدينة صور وجميع أعمال أنطاكية سوى القصير ولما ملك صلاح الدين صفد سار إلى البيت المقدس فعيد فيه عيد الأضحى ثم سار منه إلى عكا فأقام بها حتى انسلخت السنة‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


393 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح قلعة صفد



393


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح قلعة صفد

لما وصل صلاح الدين إلى دمشق وأشير عليه بتفريق العساكر وقال‏:‏ لا بد من الفراغ من صفد وكوكب وغيرهما أقام بدمشق إلى منتصف رمضان وسار عن دمشق إلى قلعة صفد فحصرها وقاتلها ونصب عليها المجانيق وأدام الرمي إليها ليلًا ونهارًا بالحجارة والسهام‏.‏

وكان أهلها قد قاربت ذخائرهم وأزوادهم أن تفنى في المدة التي كانوا فيها محاصرين فإن عسكر صلاح الدين كان يحاصرهم كما ذكرناه فلما رأى أهله جد صلاح الدين في قتالهم خافوا أن يقيم إلى أن يفنى ما بقي معهم من أقواتهم وكانت قليلة ويأخذهم عنوة ويهلكهم أو أنهم يضعفون عن مقاومته قبل فناء ما عندهم من القوت فيأخذهم فأرسلوا يطلبون الأمان فأمنهم وتسلمها منهم فخرجوا عنها وساروا إلى مدينة صور وكفى الله المؤمنين شرهم فإنهم كانوا وسط البلاد الإسلامية‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


392 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر الهدنة بين المسلمين وصاحب أنطاكية ذكر فتح بغراس



392


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر الهدنة بين المسلمين وصاحب أنطاكية

ذكر فتح بغراس

ثم سار عن درب ساك إلى قلعة بغراس فحصرها بعد أن اختلف أصحابه في حصرها فمنهم من أشار به ومنهم من نهى عنه وقال‏:‏ هو حصن حصين وقلعة منيعة وهو بالقرب من أنطاكية ولا فرق بين حصره وحصرها ويحتاج أن يكون أكثر العسكر في اليزك مقابل أنطاكية فإذا كان الأمر كذلك قل المقاتلون عليها ويتعذر حينئذ الوصول إليها‏.‏

فاستخار الله تعالى وسار إليها وجعل أكثر عسكره يزكًا مقابل أنطاكية يغيرون على أعمالها وكانوا حذرين من الخوف من أهلها إن غفلوا لقربهم منها وصلاح الدين في بعض أصحابه على القلعة يقاتلها ونصب المجانيق فلم يؤثر فيها شيئًا لعلوها وارتفاعها فغلب على الظنون تعذر فتحها وتأخر ملكها وشق على المسلمين قلة الماء عندهم إلا أن صلاح الدين نصب الحياض وأمر بحمل الماء إليها فخفف الأمر عليهم‏.‏

فبينما هو على هذه الحال إذ قد فتح باب القلعة وخرج منه إنسان يطلب الأمان ليحضر فأجيب إلى ذلك فأذن له في الحضور فحضر وطلب الأمان لمن في الحصن حتى يسلموه إليه بما فيه على قاعدة درب ساك فأجابهم إلى ما طلبوا فعاد الرسول ومعه الأعلام الإسلامية فرفعت على رأس القلعة ونزل من فيها وتسلم المسلمون القلعة بما فيها من ذخائر وأموال وسلاح وأمر صلاح الدين بتخريبه فخرب وكان ذلك مضرة عظيمة وأتقنه وجعل فيه جماعة من عسكره يغيرون منه على البلاد فتأذى بهم السواد الذي بحلب وهو إلى الآن بأيديهم‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



391 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح بغراس



391


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح بغراس

ثم سار عن درب ساك إلى قلعة بغراس فحصرها بعد أن اختلف أصحابه في حصرها فمنهم من أشار به ومنهم من نهى عنه وقال‏:‏ هو حصن حصين وقلعة منيعة وهو بالقرب من أنطاكية ولا فرق بين حصره وحصرها ويحتاج أن يكون أكثر العسكر في اليزك مقابل أنطاكية فإذا كان الأمر كذلك قل المقاتلون عليها ويتعذر حينئذ الوصول إليها‏.‏

فاستخار الله تعالى وسار إليها وجعل أكثر عسكره يزكًا مقابل أنطاكية يغيرون على أعمالها وكانوا حذرين من الخوف من أهلها إن غفلوا لقربهم منها وصلاح الدين في بعض أصحابه على القلعة يقاتلها ونصب المجانيق فلم يؤثر فيها شيئًا لعلوها وارتفاعها فغلب على الظنون تعذر فتحها وتأخر ملكها وشق على المسلمين قلة الماء عندهم إلا أن صلاح الدين نصب الحياض وأمر بحمل الماء إليها فخفف الأمر عليهم‏.‏

فبينما هو على هذه الحال إذ قد فتح باب القلعة وخرج منه إنسان يطلب الأمان ليحضر فأجيب إلى ذلك فأذن له في الحضور فحضر وطلب الأمان لمن في الحصن حتى يسلموه إليه بما فيه على قاعدة درب ساك فأجابهم إلى ما طلبوا فعاد الرسول ومعه الأعلام الإسلامية فرفعت على رأس القلعة ونزل من فيها وتسلم المسلمون القلعة بما فيها من ذخائر وأموال وسلاح وأمر صلاح الدين بتخريبه فخرب وكان ذلك مضرة عظيمة وأتقنه وجعل فيه جماعة من عسكره يغيرون منه على البلاد فتأذى بهم السواد الذي بحلب وهو إلى الآن بأيديهم‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


390 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح درب ساك



390


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح درب ساك

لما فتح صلاح الدين حصن برزية رحل عنه من الغد فأتى جسر الحديد وهو على العاصي بالقرب من أنطاكية فأقام عليه حتى وافاه من تخلف عنه من عسكره ثم سار عنه إلى قلعة درب ساك فنزل عليها ثامن رجب وهي من معاقل الداوية الحصينة وقلاعهم التي يدخرونها لحماياتهم عند نزول الشدائد‏.‏

فلما نزل عليها نصب المجانيق وتابع الرمي بالحجارة فهدمت من سورها شيئًا يسيرًا فلم يبال من فيه بذلك فأمر بالزحف عليها ومهاجمتها فبادرها العسكر بالزحف وقاتلوها وكشفوا الرجال عن سورها وتقدم النقابون فنقبوا منها برجًا وعلقوه فسقط واتسع المكان الذي يريد المقاتلة أن يدخلوا منه وعادوا يومهم ذلك ثم باكروا الزحف من الغد‏.‏

وكان من فيه قد أرسلوا إلى صاحب أنطاكية يستنجدونه فصروا وأظهروا الجلد وهم ينظرون وصول جوابه إما بإنجادهم وإزاحة المسلمين عنهم وإما بالتخلي عنهم ليقوم عذرهم في التسليم فلما علموا عجزه عن نصرتهم وخافوا هجوم المسلمين عليها وأخذهم السيف وقتلهم وأسرهم ونهب أموالهم طلبوا الأمان فأمنهم على شرط أن لا يخرج أحد إلا بثيابه التي عليه بغير مال ولا سلاح ولا أثاث بيت ولا دابة ولا شيء مما بها ثم أخرجهم منه وسيرهم إلى أنطاكية وكان فتحه تاسع عشر رجب‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


389 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح برزية



389


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح برزية

لما رحل صلاح الدين من قلعة الشغر سار إلى قلعة برزية وكانت قد وصفت له وهي تقابل حصن أفامية وتناصفها في أعمالها وبينهما بحيرة تجتمع من ماء العاصي وعيون تتفجر من جبيل برزية وغيره وكان أهلها أضر شيء على المسلمين يقطعون الطريق ويبالغون في الأذى فلما وصل إليها نزل شرقيها في الرابع والعشرين من جمادى الآخرة ثم ركب من الغد وطاف عليها لينظر موضعًا يقاتلها منه فلم يجد إلا من جهة الغرب فنصب له هناك خيمة صغيرة ونزل فيها ومعه بعض العسكر جريدة لضيق المواضع‏.‏

وهذا القلعة لا يمكن أن تقاتل من جهة الشمال والجنوب البتة فإنها لا يقدر أحد أن يصعد جبلها من هاتين الجهتين وأما الجانب الشرقي فيمكن الصعود منه لكن لغير مقاتل لعلوه وصعوبته وأما جهة الغرب فإن الوادي المطيف بجبلها قد ارتفع هناك ارتفاعًا كثيرًا حتى قارب القلعة بحيث يصل منه حجر المنجنيق والسهام فنزله المسلمون ونصبوا عليه المجانيق ورأيت أنا من رأس جبل عال يشرف على القلعة لكنه لا يصل منه شيء إليها امرأة ترمي من القلعة عن المنجنيق وهي التي بطلت منجنيق المسلمين فلما رأى صلاح الدين أن المنجنيق لا ينتفعون به عزم على الزحف ومكاثرة أهلها بجموعه فقسم عسكره ثلاثة أقسام‏:‏ يزحف قسم فإذا تعبوا وكلوا عادوا وزحف القسم الثاني فإذا تعبوا وضجروا عادا وزحف القسم الثالث ثم يدور الدور مرة بعد أخرى حتى يتعب الفرنج وينصبوا فإنهم لم يكن عندهم من الكثرة ما يتقسمون كذلك فإذا تعبوا وأعيوا سلموا القلعة‏.‏

فلما كان الغد وهو السابع والعشرون من جمادى الآخرة تقدم أحد الأقسام وكان المقدم عليهم عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي صاحب سنجار وزحفوا وخرج الفرنج من حصنهم فقاتلهم على فصليهم ورماهم المسلمون بالسهام من وراء الجفتيات والجنويات والطارقيات ومشوا إليهم حتى قربوا إلى الجبل فلا قاربوا الفرنج عجوزا عن الدنو منهم لخشونة المرتقى وتسلط الفرنج عليهم لعلو مكانهم بالنشاب والحجارة فإنهم كانوا يلقون الحجارة الكبار فتتدحرج إلى أسفل الجبل فلا يقوم لها شيء‏.‏

فلما تعب هذا القسم انحدروا وصعد القسم الثاني وكانوا جلوسًا ينتظرونهم وهم حلقة صلاح الدين الخاص فقاتلوا قتالًا شديدًا وكان الزمان حرًا شديدًا فاشتد الكرب على الناس وصلاح الدين في سلاحه يطوف عليهم ويحرضهم وكان تقي الدين ابن أخيه كذلك فقاتلوهم إلى قريب الظهر ثم تعبوا ورجعوا‏.‏

فلما رآهم صلاح الدين قد عادوا تقدم إليهم وبيده جماق يردهم وصاح في القسم الثالث وهم جلوس ينتظرون نوبتهم فوثبوا ملبين وساعدوا إخوانهم وزحفوا معهم فجاء الفرنج ما لا قبل لهم به وكان أصحاب عماد الدين قد استراحوا فقاموا أيضًا معهم فحينئذ اشتد الأمر على الفرنج وبلغت القلوب الحناجر وكانوا قد اشتد تعبهم ونصبهم فظهر عجزهم عن القتال وضعفهم عن حمل السلاح لشدة الحر والقتال فخالطهم المسلمون فعاد الفرنج يدخلون الحصن فدخل المسلمون معهم وكان طائفة قليلة في الخيام شرقي الحصن فرأوا الفرنج قد أهملوا ذلك الجانب لأنهم لا يرون فيه مقاتلًا وليكثروا في الجهة التي فيها صلاح الدين فصعدت تلك الطائفة من العسكر فلم يمنعهم مانع فصعدوا أيضًا الحصن من الجهة الأخرى فالتقوا مع المسلمين الداخلين مع الفرنج فملكوا الحصن عنوة وقهرًا ودخل الفرنج القلة التي للحصن وأحاط بها المسلمون وأرادوا نقبها‏.‏

وكان الفرنج قد رفعوا من عندهم من أسرى المسلمين إلى سطح القلة وأرجلهم في القيود والخشب المنقوب فلما سمعوا تكبير المسلمين في نواحي القلعة كبروا في سطح القلة وظن الفرنج أن المسلمين قد صعدوا على السطح فاستسلموا وألقوا بأيديهم إلى الأسر فملكها المسلمون عنوة ونهبوا ما فيها وأسروا وسبوا من فيها وأخذوا صاحبها وأهلها وأمست خالية لا ديار بها وألقى المسلمون النار في بعض بيوتهم فاحترقت‏.‏

ومن أعجب ما يحكى من السلامة أنني رأيت رجلًا من المسلمين على هذا الحصن قد جاء من طائفة من المؤمنين شمالي القلعة إلى طائفة أخرى من المسلمين جنوبي القلعة وهو يعدو في الجبل عرضًا فألقيت عليه الحجارة وجاءه حجر كبير لو ناله لبعجه فنزل عليه فناداه الناس يحذرونه فالتفت ينظر ما الخبر فسقط على وجهه من عثرة فاسترجع الناس وجاء الحجر إليه فلا قاربه وهو منبطح على وجهه لقيه حجر آخر ثابت في الأرض فوق الرجل فضبه المنحدر فارتفع عن الأرض وجاز الرجل ثم عاد إلى الأرض من جانبه الآخر لم ينله منه أذى ولا ضرر وقام يعدو حتى لحق بأصحابه فكان سقوطه سبب نجاته فتعست أم الجبان‏.‏

وأما صاحب برزية فإنه أسر هو وامرأته وأولاده ومنهم بنت له معها زوجها فتفرقهم العسكر فأرسل صلاح الدين في الوقت وبحث عنهم واشتراهم وجمع شمل بعضهم ببعض فلما قارب أنطاكية أطلقهم وسيرهم إليها وكانت امرأة صاحب برزية أخت امرأة بيمند صاحب أنطاكية وكانت تراسل صلاح الدين وتهاديه وتعلمه كثيرًا من الأحوال التي تؤثر



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


388 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح سرمينية



388


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح سرمينية

لما كان صلاح الدين مشغولًا بهذه القلاع والحصون سير ولده الظاهر غازي صاحب حلب فحصر سرمينية وضيق على أهلها واستنزلهم على قطيعة قررها عليهم فلما أنزلهم وأخذ منهم المقاطعة هدم الحصن وعفى أثره وعالي بنيانه‏.‏

وكان فيه وفي هذه الحصون من أسارى المسلمين الجم الغفير فأطلقوا وأعطوا كسوة ونفقة وكان فتحه في يوم الجمعة الثالث والعشرين من جمادى الآخرة‏.‏

واتفق أن فتح هذه المدن والحصون جميعها من جبلة إلى سرمينية مع كثرتها كان في ست جمع مع أنها في أيدي أشجع الناس وأشدهم عداوة للمسلمين فسبحان من إذا أراد أن يسهل الصعب فعل وهي جميعها من أعمال أنطاكية ولم يبق لها سوى القصير وبغراس ودرب ساك وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى في مكانه‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


387 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر القلعة وإعمال الحلية في الوصول إليها‏



387


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر القلعة وإعمال الحلية في الوصول إليها‏

قال بعضهم‏:‏ هذا الحصن كما قال الله تعالى‏:‏ ‏ «‏فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا‏» ‏ ‏ «‏الكهف‏:‏ 97‏» ‏‏.‏ فقال صلاح الدين‏:‏ أو يأتي الله بنصر من عنده وفتح‏.‏

فبينما هم في هذا الحديث إذ قد أشرف عليهم فرنجي ونادى بطلب الأمان لرسول يحضر عند صلاح الدين فأجيب إلى ذلك ونزل رسول وسأل إنظارهم ثلاثة أيام فإن جاءهم من يمنعهم وإلا سلموا القلعة بما فيها من ذخائر ودواب وغير ذلك فأجابهم إليه وأخذ رهائنهم على الوفاء

فلما كان اليوم الثالث سلموها إليه واتفق يوم الجمعة سادس عشر جمادى الآخرة وكان سبب استمهالهم أنهم أرسلوا إلى البيمند صاحب أنطاكية وكان هذا الحصن له يعرفونه أنهم محصورون ويطلبون منه أن يرحل عنهم المسلمين فإن فعل إلا سلموها وإنما فعلوا ذلك لرعب قذفه الله تعالى في قلوبهم وإلا فلو أقاموا الدهر الطويل لم يصل إليهم أحد ولا بلغ المسلمون منهم غرضًا فلما تسلم صلاح الدين الحصن سلمه إلى أمير يقال له قلج وأمره بعمارته ورحل عنه‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

386 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح صهيون وعدة من الحصون



386


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح صهيون وعدة من الحصون

ثم رحل صلاح الدين عن لاذقية في السابع والعشرين من جمادى الأولى وقصد قلعة صهيون وهي قلعة منيعة شاهقة في الهواء صعبة المرتقى على قرنة جبل يطيف بها واد عميق فيه ضيق في بعض المواضع بحيث إن حجر المنجنيق يصل منه إلى الحصن إلا أن الجبل متصل بها من جهة الشمال وقد عملوا لها خندقًا عميقًا لا يرى قعره وخمسة أسوار منيعة فنزل صلاح الدين على هذا الجبل الملتصق بها ونصب عليه المجانيق ورماها وتقدم إلى ولده الظاهر صاحب حلب فنزل على المكان الضيق من الوادي ونصب عليه المجانيق أيضًا فرمى الحصن

وكان معه من الرجالة الحلبيين كثير وهم في الشجاعة بالمنزلة المشهورة ودام رشق السهام من قسي اليد والجرخ والزنبورك والزيار فجرح أكثر من بالحصن وهم يظهرون التجلد والامتناع وزحف المسلمون إليهم ثاني جمادى الآخرة فتعلقوا بقرنة من ذلك الجبل قد أغفل الفرنج إحكامها فتسلقوا منها بين الصخور حتى التحقوا بالسور الأول فقاتلوهم عليه حتى ملكوه ثم إنهم قاتلوهم على باقي الأسوار فملكا منها ثلاثة وغنموا ما فيها من أبقار ودواب وذخائر وغير ذلك واحتمى الفرنج بالقلة التي للقلعة فقاتلهم المسلمون عليها فنادوا وطلبوا الأمان فلم يجبهم صلاح الدين إليه فقرروا على أنفسهم مثل قطيعة البيت المقدس وتسلم الحصن وسلمه إلى أمير يقال له ناصر الدين منكوبرس صاح قلعة أبي قبيس فحصنه وجعله من أحصن الحصون‏.‏

ولما ملك المسلمون صهيون تفرقوا في تلك النواحي فملكوا حصن بلاطنوس وكان من به من الفرنج قد هربوا منه وتركوه خوفًا ورعبًا‏.‏

وملك أيضًا حصن العيدو وحصن الجماهرتين فاتسعت المملكة الإسلامية بتلك الناحية إلا أن الطريق إليها من البلاد الإسلامية على عقبة بكسرائيل شاق شديد لان الطريق السهلة كانت غير مسلوكة لأن بعضها بيد الإسماعيلية وبعضها بيد الفرنج‏.‏

ثم سار صلاح الدين عن صهيون ثالث جمادى الآخرة فوصل إلى قلعة بكاس فرأى الفرنج قد أخلوها وتحصنوا بقلعة الشغر فملك قلعة بكاس بغير قتال وتقدم إلى قلعة الشغر وحصرها وهي وبكاس على الطريق السهل المسلوك إلى لاذقية وجبلة والبلاد التي افتتحها صلاح الدين من بلاد الشام الإسلامية‏.‏

فلما نازلها رآها منيعة حصينة لا ترام ولا يوصل إليها بطريق من الطرق إلا أنه أمر بمزاحفتهم ونصب منجنيق عليهم ففعلوا ذلك ورمى بالمنجنيق فلم يصل من أحجاره إلى القلعة شيء إلا القليل الذي لا يؤذي فبقي المسلمون عليه أيامًا لا يرون فيه طمعًا وأهله غير مهتمين بالقتال لامتناعهم عن ضرر يتطرق إليهم وبلاء ينزل عليهم‏.‏

فبينما صلاح الدين جالس وعنده أصحابه وهم في



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



385 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر حال أسطول صقلية



385


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر حال أسطول صقلية

لما نازل صلاح الدين لاذقية جاء أسطول صقلية الذي تقدم ذكره فوقف بإزاء ميناء لاذقية فلما سلمها الفرنج الذين بها إلى صلاح الدين عزم أهل هذا الأسطول على أخذ من يخرج منها من أهلها غيظًا وحنقًا حيث سلموها سريعًا فسمع بذلك أهل لاذقية فأقاموا وبذلوا الجزية ثم إن مقدم هذا الأسطول طلب من السلطان الأمان ليحضر عنده فأمنع وحضر وقبل الأرض بين يديه وقال ما معناه‏:‏ إنك سلطان رحيم وكريم وقد فعلت بالفرنج ما فعلت فذلوا فاتركهم يكونون مماليكك وجندك تفتح بهم البلاد والممالك وترد عليهم بلادهم وإلا جاءك من البحر ما لا طاقة لك به فيعظم عليك الأمر ويشتد الحال‏.‏

فأجابه صلاح الدين بنحو من كلامه من إظهار القوة والاستهانة بكل من يجيء من البحر وإنهم إن خرجوا أذاقهم ما أذاق أصحابهم من القتل والأسر فصلب على وجهه ورجع إلى أصحابه‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


384 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح لاذقية



384


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح لاذقية

لما فرغ السلطان من أمر جبلة سار عنها إلى لاذقية فوصل إليها في الرابع والعشرين من جمادى الأولى فترك الفرنج المدينة لعجزهم عن حفظها وصعدوا إلى حصنين لها على الجبل فامتنعوا بهما فدخل المسلمون المدينة وحصروا القلعتين اللتين فيهما الفرنج وزحفوا إليهما ونقبوا السور ستين ذراعًا وعلقوه وعظم القتال واشتد الأمر عند الوصول إلى السور فلما أيقن الفرنج بالعطب ودخل إليهم قاضي جبلة فخوفهم من المسلمين طلبوا الأمان فأمنهم صلاح الدين ورفعوا الأعلام الإسلامية إلى الحصنين وكان ذلك في اليوم الثالث من النزول عليها‏.‏

وكانت عمارة اللاذقية من أحسن الأبنية وأكثرها زخرفة مملوءة بالرخام على اختلاف أنواعها فخرب المسلمون كثيرًا منها ونقلوا رخامها وشعثوا كثيرًا من بيعها التي قد غرم على كل واحد منها الأموال الجليلة المقدار وسلمها إلى ابن أخيه تقي الدين عمر فعمرها وحصن قلعتها حتى إذا رآها اليوم من رآها قبل ينكرها فلا يظن أن هذه تلك وكان عظيم الهمة في تحصين القلاع والغرامة الوافرة عليها كما فعل بقلعة حماة‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


383 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح جبلة


383

الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح جبلة

لما أقام صلاح الدين تحت حصن الأكراد أتاه قاضي جبلة وهو منصور بن نبيل يستدعيه إليها ليسلمها إليه وكان هذا القاضي عند بيمند صاحب أنطاكية وجبلة مسموع القول مقبول الكلمة له الحرمة الوافرة والمنزلة العالية وهو يحكم على جميع المسلمين بجبلة ونواحيها على ما يتعلق بالبيمند فحملته الغيرة للدين على قصد السلطان وتكفل له بفتح جبلة ولاذقية والبلاد الشمالية فسار صلاح الدين معه رابع جمادى الأولى فنزل بأنطرطوس سادسه فرأى الفرنج قد أخلوا المدينة واحتموا في برجين حصينين كل واحد منهما قلعة حصينة ومعقل منيع فخرب المسلمون دورهم ومساكنهم وسور البلد ونهبوا ما وجدوه من ذخائرهم‏.‏

وكان الداوية بأحد البرجين فحصرهما صلاح الدين فنزل إليه من في أحد البرجين بأمان وسلموه فأمنهم وخرب البرج وألقى حجارته في البحر وبقي الذي فيه الداوية لم يسلموه وكان معهم مقدمهم الذي أسره صلاح الدين يوم المصاف وكان قد أطلقه لما ملك البيت المقدس فهو الذي حفظ هذا الحصن فخرب صلاح الدين ولاية أنطرطوس ورحل عنها وأتى مرقية وقد أخلاها أهلها ورحلوا عنها وساروا إلى المرقب وهو من حصونهم التي لا ترام ولا يحدث أحد نفسه بملكه لعلوه وامتناعه وهو للإسبتار والطريق تحته فيكون الحصن على يمين المجتاز إلى جبلة والبحر عن يساره والطريق مضيق لا يسلكه إلا الواحد بعد الواحد‏.‏

فاتفق أن صاحب صقلية من الفرنج قد سير نجدة إلى فرنج الساحل في ستين قطعة من الشواني وكانوا بطرابلس فلما سمعوا بمسير صلاح الدين جاؤوا ووقفوا في البحر تحت المرقب في شوانيهم ليمنعوا من يجتاز بالسهام‏.‏

فلما رأى صلا الدين ذلك أمر بالطارقيات والجفتيات فصفت على الطريق ما يلي البحر من أول المضيق إلى آخره وجعل وراءها الرماة فمنعوا الفرنج من الدنو إليهم‏.‏

فاجتاز المسلمون عن آخرهم حتى عبروا المضيق ووصلوا إلى جبلة ثامن عشر جمادى الأولى‏.‏

وتسلمها وقت وصوله‏.‏

وكان قاضيها قد سبق إليها ودخل‏.‏

فلما وصل صلاح الدين رفع أعلامه على سورها وسلمها إليه وتحصن الفرنج الذين كانوا بها بحصنها واحتموا بقلعتها فما زال قاضي جبلة يخوفهم ويرغبهم حتى استنزلهم بشرط الأمان وأن يأخذ رهائنهم يكونون عنده إلى أن يطلق الفرنج رهائن المسلمين من أهل جبلة‏.‏

وكان بيمند‏.‏

صاحبها قد أخذ رهائن القاضي ومسلمي جبلة وتركهم عنده بأنطاكية فأخذ القاضي رهائن الفرنج فأنزلهم عنده حتى أطلق بيمند رهائن المسلمين فأطلق المسلمون رهائن الفرنج وجاء رؤساء أهل الجبل إلى صلاح الدين بطاعة أهله وهو من أمنع الجبال وأشقها مسلكًا وفيه حصن يعرف ببكسرائيل بين جبلة ومدينة حماة فملكه المسلمون وصار الطريق في هذا الوقت عليه من بلاد الإسلام إلى العسكر وكان الناس يلقون شدة في سلوكه‏.‏

وقرر صلاح الدين أحوال جبلة وجعل فيها لحفظها الأمير سابق الدين عثمان بن الداية صاحب شيزر وسار عنها‏.‏


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



382 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر رحيل صلاح الدين إلى بلد الفرنج



382


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر رحيل صلاح الدين إلى بلد الفرنج

لما أراد صلاح الدين المسير عن دمشق حضر عند القاضي الفاضل مودعًا له ومستشيرًا وكان مريضًا وودعه وسار عن دمشق منتصف ربيع الأول إلى حمص فنزل على بحيرة قدس غربي حمص وجاءته العساكر‏:‏ فأول من أتاه من أصحاب الأطراف عماد الدين زنكي بن مودود بن اقسنقر‏.‏ صاحب سنجار ونصيبين‏.‏

الخابور وتلاحقت العساكر من الموصل وديار الجزيرة وغيرها‏.‏

فاجتمعت عليه وكثرت عنده‏.‏

فسار حتى نزل تحت حصن الأكراد من الجانب الشرقي وكنت معه حينئذ فأقام يومين وسار جريدة وترك أثقال العسكر موضعها تحت الحصن ودخل إلى بلد الفرنج فأغار على صافيثا والعريمة ويحمور وغيرها من البلاد والولايات ووصل إلى قرب طرابلس وأبصر البلاد وعرف من أين يأتيها وأين يسلك منها ثم عاد إلى معسكره سالمًا‏.‏

وقد غنم العسكر من الدواب على اختلاف أنواعها ما لا حد له وأقام تحت حصن الأكراد إلى آخر ربيع الآخر‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

381 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر حصر صلاح الدين كوكب



381


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر حصر صلاح الدين كوكب

في هذه السنة في المحرم انحسر الشتاء فسار صلاح الدين من عكا فيمن تخلف عنده من العسكر إلى قلعة كوكب فحصرها ونازلها ظنًا منه أن ملكها سهل وأن أخذها وهو في قلة من العسكر متيسر فلما رآها عالية منيعة أدرك أن الوصول إليها متعذر وكان عنده منها ومن صفد والكرك المقيم المقعد لأن البلاد الساحلية من عكا إلى جهة الجنوب كانت قد ملك جميعها ما عدا هذه الحصون وكان يختار أن يبقى في وسطها ما يشغل قلبه ويقسم همه ويحتاج إلى حفظه ولئلا ينال الرعايا والمجتازين منهم الضرر والعظيم‏.‏

فلما حصر كوكب ورآها منيعة يبطئ ملكها وأخذها رحل عنها وجعل عليها قايماز النجمي مستديمًا لحصاره‏.‏

وكان رحيله عنها في ربيع الأول‏.‏

وأتاه رسل الملك قلج أرسلان‏.‏

وقزل أرسلان وغيرهما‏.‏

وينئونه بالفتح والظفر وسار من كوكب إلى دمشق ففرح الناس بقدومه وكتب إلى البلاد جميعها باجتماع العساكر‏.‏

وأقام بها إلى أن سار إلى الساحل‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

380 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير = ثم دخلت سنة أربع وثمانين وخمسمائة



380


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

= ثم دخلت سنة أربع وثمانين وخمسمائة

== ذكر حصر صلاح الدين كوكب
== ذكر رحيل صلاح الدين إلى بلد الفرنج
== ذكر فتح جبلة
== ذكر فتح لاذقية
== ذكر حال أسطول صقلية
== ذكر فتح صهيون وعدة من الحصون
== ذكر القلعة وإعمال الحلية في الوصول إليها
== ذكر فتح سرمينية
== ذكر فتح برزية
== ذكر فتح درب ساك
== ذكر فتح بغراس
== ذكر الهدنة بين المسلمين وصاحب أنطاكية
== ذكر فتح قلعة صفد
== ذكر فتح كوكب
== ذكر ظهور طائفة من الشيعة بمصر
== ذكر انهزام عسكر الخليفة من السلطان طغرل
== ذكر عدة حوادث


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

379 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر عدة حوادث



379


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة في ربيع الأول قتل مجد الدين أبو الفضل بن الصاحب وهو أستاذ دار الخليفة أمر الخليفة بقتله وكان متحكمًا في الدولة ليس للخليفة معه حكم وكان هو القيم بالبيعة له وظهر له أموال عظيمة أخذ جميعها وان حسن السيرة عفيفًا عن الأموال وكان الذي سعى به إنسان من أصحابه وصنائعه يقال له عبيد الله بن يونس فسعى به إلى الخليفة وقبح آثاره فقبض عليه وقتله‏.‏

وفيها في ربيع الآخر وقع حريق في الحظائر ببغداد واحترقت أحطاب كثيرة وسببه أن فقيهًا بالمدرسة النظامية كان يطبخ طعامًا يأكله فغفل عن النار والطبيخ فعلقت النار واتصلت إلى الحظائر فاحترقت جميعها واحترق درب السلسلة وغيره مما يجاوره‏.‏

وفيها في شوال استوزر الخليفة الناصر لدين الله أبا المظفر عبيد الله ابن يونس ولقبه جلال الدين ومشى أرباب الدولة في ركابه حتى قضى القضاة وكان ابن يونس من شهوده‏.‏

وكان يمشي ويقول‏:‏ لعن الله طول العمر‏.‏

وفيها في المحرم توفي عبد المغيث بن زهير الحري ببغداد وكان من أعيان الحنابلة قد سمع الحديث الكثير وصنف كتابًا في فضائل يزيد ابن معاوية أتى فيه بالعجائب وقد رد عليه أبو الفرج بن الجوزي وكان بنيهما عداوة‏.‏

وفيها توفي قاضي القضاة أبو الحسن بن الدامغاني وولي قضاء القضاة للمقتفي بعد موت الزينبي ثم للمستنجد بالله ثم عزل ثم أعيد إلى المستضيء بأمر الله‏.‏

وفيها توفي الوزير جلال الدين أبو الحسن علي بن جمال الدين أبي جعفر محمد بن أبي منصور وزير صاحب الموصل وهو الجواد ابن الجواد وقد ذكرنا من أخباره وأخبار أبيه ما يعلم به محلهما وحمل إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فدفن بها عند أبيه علي بن خطاب بن ظفر الشيخ الصالح من جزيرة ابن عمر وكان من الأولياء أرباب الكرامات وصحبته أنا مدة فلم أر مثله حسن خلق وسمت وكرم وعبادة رحمه الله‏.‏

وفيها ولدت امرأة من سواد بغداد بنتًا لها أسنان‏.‏

وفيها توفي نصر بن فتيان بن مطر أبو الفتح بن المني الفقيه الحنبلي لم يكن لهم مثله رحمه الله‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


378 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر ملك شرستي من الهند وغيرها وانهزام المسلمين بعدها



378


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر ملك شرستي من الهند وغيرها وانهزام المسلمين بعدها

في آخر هذه السنة سار شهاب الدين الغوري ملك غزنة إلى بلاد الهند وقصد بلاد أجمير وتعرف بولاية السوالك واسم ملكهم كولة وكان شجاعًا شهمًا فلما دخل المسلمون بلاده ملكوا مدينة تبرندة وهي حصن منيع عامر وملكوا شرستي وملكوا كورام‏.‏

فلما سمع ملكهم جمع العساكر فأكثر وسار إلى المسلمين فالتقوا وقامت الحرب على ساق وكان مع الهند أربعة عشر فيلًا فلما اشتدت الحرب انهزمت ميمنة المسلمين وميسرتهم فقال لشهاب الدين بعض خواصه‏:‏ قد انكسرت الميمنة والميسرة فانج بنفسك لا يهلك المسلمون فأخذ شهاب الدين الرمح وحمل على الهنود فوصل إلى الفيلة فطعن فيلًا منها في كتفه وجرح الفيل لا يندمل فلما وصل شهاب الدين إلى الفيلة زرقه بعض الهنود بحربة فوقعت الحربة في ساعده فنفذت الحربة من الجانب الآخر فوقع حينئذ إلى الأرض فقاتل عليه أصحابه ليخلصوه وحرصت الهنود على أخذه وكان عنده حرب لم يسمع بمثلها وأخذه أصحابه فركبوه فرسه وعادوا به منهزمين فلم يتبعهم الهنود فلما أبعدوا عن موضع الوقعة بمقدار فرسخ أغمي على شهاب الدين من كثرة خروج الدم فحمله الرجال على أكتافهم في محفة اليد أربعة وعشرين فرسخًا فلما وصل إلى لهاوور أخذ الأمراء الغورية وهم الذين انهزموا ولم يثبتوا وعلق على كل واحد منم عليق شعير وقال‏:‏ أنتم دواب ما أنتم أمراء‏!‏ وسار إلى غزنة وأمر بعضهم فمشى إليها ماشيًا فلما وصل إلى غزنة أقام بها ليستريح الناس ونذكر ما فعله بملك الهند الذي هزمه سنة ثمان وثمانين إن شاء الله تعالى‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


377 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر قوة السلطان طغرل على قزل



377


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر قوة السلطان طغرل على قزل

في هذه السنة قوي أمر السلطان طغرل وكثر جمعه وملك كثيرًا من البلاد فأرسل قزل إلى الخليفة يستنجده ويخوفه من طغرل ويبذل من نفسه الطاعة والتصرف على ما يختارونه وأرسل طغرل رسولًا إلى بغداد يقول‏:‏ أريد أن يتقدم الديوان بعمارة دار السلطنة لأسكنها إذا وصلت فأكرم رسول قزل ووعده بالنجدة ورد رسول السلطان طغرل بغير جواب وأمر الخليفة بنقض دار السلطنة فهدمت إلى الأرض وعفي أثرها‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

376 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر الفتنة بعرفات وقتل ابن المقدم ذكر حصر صفد وكوكب والكرك



376


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر الفتنة بعرفات وقتل ابن المقدم

ذكر حصر صفد وكوكب والكرك

لما سار صلاح الدين إلى عسقلان جعل على قلعة كوكب وهي مطلة على الأردن من يحصرها ويحفظ الطريق للمجتازين لئلا ينزل من به من الفرنج يقطعونه وسير طائفة أخرى من العسكر أيضًا إلى قلعة صفد فحصروها وهي مطلة على مدينة طبرية‏.‏

وكان حصن كوكب للإسبتار وحصن صفد للداوية وهما قريبان من حطين موضع المصاف فلجأ إليها جمع ممن سلم من الداوية والإسبتار فحموهما فلما حصرهما المسلمون استراح الناس من شر من فيهما واتصلت الطرق حتى كان يسير فيها المنفرد فلا يخاف‏.‏

وكان مقدم الجماعة الذين يحصرون قلعة كوكب أميرًا يقال له سيف الدين وهو أخو جاولي الأسدي وكان شهمًا شجاعًا يرجع إلى دين وعبادة فأقام عليه إلى آخر شوال وكان أصحابه يحرسون نوبًا مرتبة فلما كان آخر ليلة من شوال غفل الذي كانت نوبته في الحراسة وكان قد صلى ورده من الليل إلى السحر وكانت ليلة كثيرة الرعد والبرق والريح والمطر فلم يشعر المسلمون وهم نازلون إلا والفرنج قد خالطوهم بالسيوف ووضعوا السلاح فيهم فقتلوهم أجمعين وأخذوا ما كان عندهم من طعام وسلاح وغيره وعادوا إلى قلعتهم فقووا بذلك قوة عظيمة أمكنتهم أن يحفظوا قلعتهم إلى أن أخذت أواخر سنة أربع وثمانين على ما سنذكره إن شاء الله‏.‏

وأتى الخبر إلى صلاح الدين بذلك عند رحيله عن صور فعظم ذلك عليه مضافًا إلى ما ناله من أخذ شوانيه ومن فيها ورحيله عن صور ثم رتب على حصن كوكب الأمير قايماز النجمي في جماعة أخرى من الأجناد فحصروها‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




375 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر الفتنة بعرفات وقتل ابن المقدم ذكر حصر صفد وكوكب والكرك


375

الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر الفتنة بعرفات وقتل ابن المقدم

ذكر حصر صفد وكوكب والكرك

لما سار صلاح الدين إلى عسقلان جعل على قلعة كوكب وهي مطلة على الأردن من يحصرها ويحفظ الطريق للمجتازين لئلا ينزل من به من الفرنج يقطعونه وسير طائفة أخرى من العسكر أيضًا إلى قلعة صفد فحصروها وهي مطلة على مدينة طبرية‏.‏

وكان حصن كوكب للإسبتار وحصن صفد للداوية وهما قريبان من حطين موضع المصاف فلجأ إليها جمع ممن سلم من الداوية والإسبتار فحموهما فلما حصرهما المسلمون استراح الناس من شر من فيهما واتصلت الطرق حتى كان يسير فيها المنفرد فلا يخاف‏.‏

وكان مقدم الجماعة الذين يحصرون قلعة كوكب أميرًا يقال له سيف الدين وهو أخو جاولي الأسدي وكان شهمًا شجاعًا يرجع إلى دين وعبادة فأقام عليه إلى آخر شوال وكان أصحابه يحرسون نوبًا مرتبة فلما كان آخر ليلة من شوال غفل الذي كانت نوبته في الحراسة وكان قد صلى ورده من الليل إلى السحر وكانت ليلة كثيرة الرعد والبرق والريح والمطر فلم يشعر المسلمون وهم نازلون إلا والفرنج قد خالطوهم بالسيوف ووضعوا السلاح فيهم فقتلوهم أجمعين وأخذوا ما كان عندهم من طعام وسلاح وغيره وعادوا إلى قلعتهم فقووا بذلك قوة عظيمة أمكنتهم أن يحفظوا قلعتهم إلى أن أخذت أواخر سنة أربع وثمانين على ما سنذكره إن شاء الله‏.‏

وأتى الخبر إلى صلاح الدين بذلك عند رحيله عن صور فعظم ذلك عليه مضافًا إلى ما ناله من أخذ شوانيه ومن فيها ورحيله عن صور ثم رتب على حصن كوكب الأمير قايماز النجمي في جماعة أخرى من الأجناد فحصروها‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


374 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر حصر صفد وكوكب والكرك



374


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر حصر صفد وكوكب والكرك

لما سار صلاح الدين إلى عسقلان جعل على قلعة كوكب وهي مطلة على الأردن من يحصرها ويحفظ الطريق للمجتازين لئلا ينزل من به من الفرنج يقطعونه وسير طائفة أخرى من العسكر أيضًا إلى قلعة صفد فحصروها وهي مطلة على مدينة طبرية‏.‏

وكان حصن كوكب للإسبتار وحصن صفد للداوية وهما قريبان من حطين موضع المصاف فلجأ إليها جمع ممن سلم من الداوية والإسبتار فحموهما فلما حصرهما المسلمون استراح الناس من شر من فيهما واتصلت الطرق حتى كان يسير فيها المنفرد فلا يخاف‏.‏

وكان مقدم الجماعة الذين يحصرون قلعة كوكب أميرًا يقال له سيف الدين وهو أخو جاولي الأسدي وكان شهمًا شجاعًا يرجع إلى دين وعبادة فأقام عليه إلى آخر شوال وكان أصحابه يحرسون نوبًا مرتبة فلما كان آخر ليلة من شوال غفل الذي كانت نوبته في الحراسة وكان قد صلى ورده من الليل إلى السحر وكانت ليلة كثيرة الرعد والبرق والريح والمطر فلم يشعر المسلمون وهم نازلون إلا والفرنج قد خالطوهم بالسيوف ووضعوا السلاح فيهم فقتلوهم أجمعين وأخذوا ما كان عندهم من طعام وسلاح وغيره وعادوا إلى قلعتهم فقووا بذلك قوة عظيمة أمكنتهم أن يحفظوا قلعتهم إلى أن أخذت أواخر سنة أربع وثمانين على ما سنذكره إن شاء الله‏.‏

وأتى الخبر إلى صلاح الدين بذلك عند رحيله عن صور فعظم ذلك عليه مضافًا إلى ما ناله من أخذ شوانيه ومن فيها ورحيله عن صور ثم رتب على حصن كوكب الأمير قايماز النجمي في جماعة أخرى من الأجناد فحصروها‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



373 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح هونين



373


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح هونين

لما فتح صلاح الدين تبنين امتنع من بهونين من تسليمها وهي من أحسن القلاع وأمنعها فلم ير التعريج عليها ولا الاشتغال بمحاصرتها بل سير إليها جماعة من العسكر والأمراء فحصروها ومنعوا من حمل الميرة إليها واشتغل بما تقدم ذكره من فتح عسقلان والبيت المقدس وغير ذلك فلما كان يحاصر مدينة صور أرسل من فيها يطلبون الأمان فأمنهم فسلموا ونزلوا منها فوفى



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


372 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر الرحيل عن صور إلى عكا وتفريق العساكر



372


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر الرحيل عن صور إلى عكا وتفريق العساكر

لما رأى صلاح الدين أن أمر صور يطول رحل عنها وهذه كانت عادته متى ثبت البلد بين يديه ضجر منه ومن حصاره فرحل عنه‏.‏

وكان هذه السنة لم يطل مقامه على مدينة بل فتح الجميع في الأيام القريبة كما ذكرناه بغير تعب ولا مشقة‏.‏

فلما رأى هو وأصحابه شدة أمر صور ملوها وطلبوا الانتقال عنها ولم يكن لأحد ذنب في أمرها غير صلاح الدين فإنه هو جهز إليها جنود الفرنج وأمدها بالرجال والأموال من أهل عكا وعسقلان والقدس وغير ذلك كما سبق ذكره كان يعطيهم الأمان ويرسلهم إلى صور فصار فيها من سلم من فرسان الفرنج بالساحل بأموالهم وأموال التجار وغيرهم فحفظوا المدينة وراسلوا الفرنج داخل البحر يستمدونهم فأجابوهم بالتلبية لدعوتهم ووعدوهم بالنصرة وأمروهم بحفظ صور لتكون دار هجرتهم يحتمون بها ويلجأون إليها فزادهم ذلك حرصًا على حفظها والذب عنها‏.‏

وسنذكر إن شاء الله ما صار إليه الأمر بعد ذلك ليعلم أن الملك لا ينبغي أن يترك الحزم وإن ساعدته الأقدار فلأن يعجز حازمًا خير له من أن يظفر مفرطًا مضيعًا للحزم وأعذر له عند الناس‏.‏

ولما أراد الرحيل استشار أمراءه فاختلفوا فجماعة يقولون‏:‏ الرأي أن نرحل فقد جرح الرجال وقتلوا وملوا وفنيت النفقات وهذا الشتاء قد حضر والشوط بطين فنريح ونستريح في هذا البرد فإذا جاء الربيع اجتمعنا وعاودناها وغيرها‏.‏

وكان هذا قول الأغنياء منهم وكأنهم خافوا أن السلطان يقترض منهم ما ينفقه في العسكر إذا أقام لخلو الخزائن وبيوت الأموال من الدرهم والدينار فإنه كان يخرج كل ما حمل إليه منها‏.‏

وقالت الطائفة الأخرى‏:‏ الرأي أن نصابر البلد ونضايقه فهو الذي يعتمدون عليه من حصونهم ومتى أخذناه منهم انقطع طمع من فبقي صلاح الدين مترددًا بين الرحيل والإقامة فلما رأى من يرى الرحيل إقامته أخل بما رد إليه من المحاربة والرمي بالمنجنيق واعتذروا بجراح رجالهم وأنهم قد أرسلوا بعضهم ليحضروا نفقاتهم والعلوفات لدوابهم والأقوات لهم إلى غير ذلك من الأعذار فصاروا مقيمين بغير قتال فاضطر إلى الرحيل فرحل عنها آخر شوال وكان أول كانون الأول إلى عكا فأذن للعساكر جميعها بالعود إلى أوطانهم والاستراحة في الشتاء والعود في الربيع فعادت عساكر الشرق والموصل وغيرها وعساكر الشام وعساكر مصرن وبقي حلقته الخاص مقيمًا بعكا فنزل بقلعتها ورد أمر البلد إلى عز الدين جورديك وهو من أكابر المماليك النورية جمع الديانة والشجاعة وحسن السيرة‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



371 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر حيل صلاح الدين إلى صور ومحاصرتها



371


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر حيل صلاح الدين إلى صور ومحاصرتها

لما فتح صلاح الدين البيت المقدس أقام بظاهره إلى الخامس والعشرين من شعبان يرتب أمور البلد وأحواله وتقدم بعمل الربط والمدارس فجعل دار الاسبتار مدرسة للشافعية وهي في غاية ما يكون من الحسن فلما فرغ من أمر البلد سار إلى مدينة صور وكانت قد اجتمع فيها من الفرنج عالم كثير وقد صار المركيش صاحبها والحاكم فيها وقد ساسهم أحسن سياسة وبالغ في تحصين البلد ووصل صلاح الدين إلى عكا وأقام بها أيامًا فلما سمع المركيش بوصوله إليها جد في عمل سور صور وخنادقها وتعميقها ووصلها من البحر إلى البحر من الجانب الآخر فصارت المدينة كالجزيرة في وسط الماء لا يمكن الوصول إليها ولا الدنو منها‏.‏

ثم رحل صلاح الدين من عكا فوصل إلى صور تاسع شهر رمضان فنزل على نهر قريب من البلد بحيث يراه حتى اجتمع الناس وتلاحقوا وسار في الثاني والعشرين من رمضان فنزل على تل يقارب سور البلد بحيث يرى القتال وقسم القتال على العسكر كل جمع منهم له وقت معلوم يقاتلون فيه بحيث يتصل القتال على أهل البلد لحفظه وعليه الخنادق التي قد وصلت من البحر إلى البحر فلا يكاد الطير يطير عليها فإن المدينة كالكف في البحر والساعد متصل بالبر والبحر من جانبي الساعد والقتال إنما هو في الساعد فزنف المسلمون مرة بالمجانيق والعرادات والجروخ والدبابات وكان أهل صلاح الدين يتناوبون القتال مثل‏:‏ ولده الأفضل وولده الظاهر وكان للفرنج شوان وحراقات يركبون فيها في البحر ويقفون من جانبي الموضع الذي يقاتل المسلمون منه أهل البلد فيرمون المسلمين من جانبهم بالجوخ ويقاتلونهم‏.‏

وكان ذلك يعظم عليهم لأن أهل البلد يقاتلونهم من بين أيديهم وأصحاب الشواني يقاتلونهم من جانبيهم فكانت سهامهم تنفذ من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر لضيق الموضع فكثرت الجراحات في المسلمين والقتل ولم يتمكنوا من الدنو إلى البلد فأرسل صلاح الدين إلى الشواني التي جاءت من مصر وهي عشر قطع وكانت بعكا فأحضرها برجالها ومقاتلتها وعدتها وكانت في البحر تمنع شواني أه صور من الخروج إلى قتال المسلمين فتمكن المسلمون حينئذ من القرب من البلد ومن قتالهن فقاتلوه برًا وبحرًا وضايقوه حتى كادوا يظفرون فجاءت الأقدار بما لم يكن في الحساب وذلك أن خمس قطع من شواني المسلمين باتت في بعض تلك الليالي مقابل ميناء صور ليمنعوا من الخروج منه والدخول إليه فباتوا ليلتهم يحرسون وكان مقدمهم عبد السلام المغربي الموصوف بالحذق في صناعته وشجاعته فلما كان وقت السحر أمنوا فناموا فما شعروا إلا بشواني الفرنج قد نازلتهم وضايقتهم فأوقعت بهم فقتلوا من أرادوا قتله وأخذوا الباقين بمراكبهم وأدخلوهم ميناء صور والمسلمون في البر ينظرون إليهم ورمى جماعة من المسلمين أنفسهم من الشواني في البحر فمنهم من سبح فنجا ومنهم من غريق‏.‏

وتقدم السلطان إلى الشواني الباقية بالمسير إلى بيروت لعدم انتفاعه بها لقلتها فسارت فتبعها شواين الفرنج فحين رأى من في شواني المسلمين الفرنج مجدين في طلبهم ألقوا نفوسهم في شوانيهم إلى البر فنجوا وتركوها فأخذها صلاح الدين ونقضها وعاد إلى مقاتلة صور في البر وكان ذلك قليل الجدوى لضيق المجال‏.‏

وفي بعض الأيام خرج الفرنج فقاتلوا المسلمين من وراء خنادقهم فاشتد القتال بين الفريقين ودام إلى آخر النهار كان خروجهم قبل العصر وأسر مهم فارس كبير مشهور بعد أن كثر القتال والقتل عليه من الفريقين لما سقط فلما أسر قتل وبقوا كذلك عدة أيام‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


370 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح البيت المقدس



370


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح البيت المقدس

لما فرغ صلاح الدين من أمر عسقلان وما يجاورها من البلاد على ما تقدم وكان قد أرسل إلى مصر أخرج الأسطول الذي بها في جمع من المقاتلة ومقدمهم حسام الدين لؤلؤ الحاجب وهو معروف بالشجاعة والشهامة ويمن النقيبة فأقاموا في البحر يقطعون الطريق على الفرنج كلما رأوا لهم مركبًا غنموه وشانيًا أخذوه فحين وصل الأسطول وخلا سره من تلك الناحية سار عن عسقلان إلى البيت المقدس وكان به البطرك المعظم عندهم وهو أعظم شأنًا من ملكهم وبه أيضًا باليان بن بيرزان صاحب الرملة وكانت مرتبته عندهم تقارب مرتبة الملك وبه أيضًا من خلص من فرسانهم من حطين وقد جمعوا وحشدوا واجتمع أهل تلك النواحي عسقلان وغيرها فاجتمع به كثير من الخلق كلهم يرى الموت أيسر عليه من أن يملك المسلمون البيت المقدس ويأخذوه منهم ويرى أن بذل نفسه وماله وأولاده بعض ما يجب عليه من حفظه وحصنوه تلك الأيام بما وجدوا إليه سبيلًا وصعدوا على سوره بحدهم وحديدهم مجمعين على حفظه والذب عنه بجهدهم وطاقتهم مظهرين العزم على المناضلة دونه بحسب استطاعتهم ونصبوا المجانيق على أسواره ليمنعوا من يريد الدنو منه والنزول عليه‏.‏

ولما قرب صلاح الدين منه تقدم أمير في جماعة من أصحابه غير محتاط ولا حذرن فلقيه جمع من الفرنج قد خرجوا من القدس ليكونوا يزكًا فقاتلوهم فقتلوه وقتلوا جماعة ممن معه فأهم المسلمين قتله وفجعوا بفقده وساروا حتى نزلوا على القدس منتصف رجب فلما نزلوا عليه رأى المسلمون على سوره من الرجال ما هالهم وسمعوا لأهله من الجلبة والضجيج من وسط المدينة ما استدلوا به على كثرة الجمع و بقي صلاح الدين خمسة أيام يطوف حول المدينة لينظر من أين يقاتله لأنه في غاية الحصانة والامتناع فلم يجد عليه موضع قتال إلا من جهة الشمال نحو باب عمودا وكنيسة صهيون فانتقل إلى هذه الناحية في العشرين من رجب ونزلها ونصب ونصب الفرنج على سور البلد مجانيق ورموا بها وقوتلوا أشد قتال رآه أحد من الناس كل واحد من الفريقين يرى ذلك دينًا وحتمًا واجبًا فلا يحتاج إلى باعث سلطاني بل كانوا يمنعون ولا يمتنعون ويزجرون ولا ينزجرون‏.‏

وكان خيالة الفرنج كل يوم يخرجون إلى ظاهر البلد يقاتلون ويبارزون فيقتل من الفريقين وممن استشهد من المسلمين الأمير عز الدين عيسى ابن مالك وهو من أكابر الأمراء وكان أبوه صاحب قلعة جعبر وكان يصطلي القتال بنفسه كل يوم فقتل إلى رحمة الله تعالى وكان محبوبًا إلى الخاص والعام فلما رأى المسلمون مصرعه عظم عليهم ذلك وأخذ من قلوبهم فحملوا حملة رجل واحد فأزالوا الفرنج عن مواقفهم فأدخلوهم بلدهم و وصل المسلمون إلى الخندق فجاوزه والتصقوا إلى السور فنقبوه وزحف الرماة يحمونهم والمجانيق توالي الرمي لتكشف الفرنج عن الأسوار ليتمكن المسلمون من النقب فلما نقبوه حشوه بما جرت به العادة‏.‏

فلما رأى الفرنج شدة قتال المسلمين وتحكم المجانيق بالرمي المتدارك وتمكن النقابين من النقب وأنهم قد أشرفوا على الهلاك اجتمع مقدموهم يتشاورون فيما يأتون ويذرون فاتفق رأيهم على طلب الأمان وتسليم البيت المقدس إلى صلاح الدين فأرسلوا جماعة من كبرائهم وأعيانهم في طلب الأمان فلما ذكروا ذلك للسلطان امتنع من إجابتهم وقال‏:‏ لا أفعل بكم إلا كما فعلتم بأهله حين ملكتموه سنة إحدى وتسعين وأربعمائة من القتل والسبي وجزاء السيئة بمثلها‏.‏

فلما رجع الرسل خائبين محرومين أسل باليان بن بيرزان وطلب الأمان لنفسه ليحضر عند صلاح الدين في هذا الأمر وتحريره فأجيب إلى ذلك وحضر عنده ورغب في الأمان وسأل فيه فلم يجبه إلى ذلك واستعطفه فلم يعطف عليه واسترحمه فلم يرحمه‏.‏

فلما أيس من ذلك قال له‏:‏ أيها السلطان اعلم أننا في هذه المدينة في خلق كثير لا يعلمهم إلا الله تعالى وإنما يفترون عن القتال رجاء الأمان ظنًا منهم أنك تجيبهم إليه كما أجبت غيرهم وهم يكرهون الموت ويرغبون في الحياة فإذا رأينا أن الموت لا بد منه فوالله لنقتلن أبناءنا ونساءنا ونحرق أموالنا وأمتعتنا ولا نترككم تغنمون منها دينارًا واحدًا ولا درهمًا ولا تسبون وتأسرون رجلًا ولا امرأة وإذا فرغنا من ذلك أخربنا الصخرة والمسجد الأقصى وغيرهما من المواضع ثم نقتل من عندنا من أسارى المسلمين وهم خمسة آلاف أسير ولا نترك لنا دابة ولا حيوانًا إلا قتلناه ثم خرجنا إليكم كلنا فقاتلناكم قتال من يريد أن يحمي دمه ونفسه وحينئذ لا يقتل الرجل حتى يقتل أمثاله ونموت أعزاء أو نظفر كرامًا‏.‏

فاستشار صلاح الدين أصحابه فأجمعوا على إجابتهم إلى الأمان وأن لا يخرجوا ويحملوا على ركوب ما لا يدري عاقبة الأمر فيه عن أي شيء تنجلي ونحسب أنهم أسارى بأيدينا فنبيعهم

نفوسهم بما يستقر بيننا وبينهم فأجاب صلاح الدين حينئذ إلى بذل الأمان للفرنج فاستقر أن يزن الرجل عشرة دنانير يستوي فيه الغني والفقير ويزن الطفل من الذكور والبنات دينارين وتزن المرأة خمسة دنانير فمن أدى ذلك إلى أربعين يومًا فقد نجا ومن انقضت الأربعون يومًا عنه ولم يؤد ما عليه فقد صار مملوكًا فبذل باليان بن بيرزان عن الفقراء ثلاثين ألف دينار فأجيب إلى ذلك‏.‏

وسلمت المدينة يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب وكان يومًا مشهودًا ورفت الأعلام الإسلامية على أسوارها ورتب صلاح الدين على أبواب البلد في كل باب أمينًا من الأمراء ليأخذوا من أهله ما استقر عليهم فاستعملوا الخيانة ولم يؤدوا فيه أمانة واقتسم الأمناء الأموال وتفرقت أيدي سبا ولو أديت فيه الأمانة لملأ الخزائن وعم الناس إنه كان فيه على الضبط ستون ألف رجل ما بين فارس وراجل سوى من يتبعهم من النساء والولدان ولا يعجب السامع من ذلك فإن البلد كبير واجتمع إليه من تلك النواحي من عسقلان وغيرها والداروم والرملة وغزة وغيرها من القرى بحيث امتلأت الطرق والكنائس وكان الإنسان لا يقدر أن يمشي‏.‏

ومن الدليل على كثرة الخلق أن أكثرهم وزن ما استقر من القطيعة وأطلق باليان بن بيرزان ثمانية عشر ألف رجل وزن عنهم ثلاثين ألف دينار وبقي بعد هذا جميعه من لم يكن معه ما يعطي وأخذ أسيرًا ستة عشر ألف آدمي ما بين رجل وامرأة وصبي هذا بالضبط واليقين‏.‏

ثم إن جماعة من الأمراء ادعى كل واحد منهم أن جماعة من رعية إقطاعه مقيمون بالبيت المقدس فيطلقهم ويأخذ هو قطيعتهم وكان جماعة من الأمراء يلبسون الفرنج زي الجند المسلمين ويخرجونهم ويأخذون منهم قطيعة قرروها واستوهب جماعة من صلاح الدين عددًا من الفرنج فوهبهم لهم فأخذوا قطيعتهم وبالجملة فلم يصل إلى خزائنه إلا القليل‏.‏

وكان بالقدس بعض نساء الملوك من الروم قد ترهبت وأقامت به ومعها من الحشم والعبيد والجواري خلق كثير ولها من الأموال والجواهر النفيسة شيء عظيم فطلب الأمان لنفسها ومن معها فأمنها وسيرها‏.‏

وكذلك أيضًا أطلق ملكة القدس التي كان زوجها الذي أسره صلاح الدين قد ملك الفرنج بسببها ونيابة عنها كان يقوم بالملك وأطلق مالها وحشمها واستأذنته في المصير إلى زوجها وكان حينئذ محبوسًا بقلعة نابلس فأذن لها فأتته وأقامت عنده‏.‏

وأتته أيضًا امرأة للبرنس أرناط صاحب الكرك وهو الذي قتله صلاح الدين بيده يوم المصاف بحطين فشفعت في ولدها مأسور فقال لها صلاح الدين‏:‏ إن سلمت الكرك أطلقته فسارت إلى الكرك فلم يسمع منها الفرنج الذين فيه ولم يسلموه فلم يطلق ولدها ولكنه أطلق ما لها ومن تبعها‏.‏

وخرج البطريك الكبير الذي للفرنج ومعه من أموال البيع منها‏:‏ الصخرة والأقصى وقمامة وغيرها ما لا يعلمه إلا الله تعالى وكان له من المال مثل ذلك فلم يعرض له صلاح الدين فقيل له ليأخذ ما معه يقوي به المسلمين فقال‏:‏ لا أغدر به ولم يأخذ منه غير عشرة دنانير وسير الجميع ومعهم من يحميهم إلى مدينة صور‏.‏

وكان على رأس قبة الصخرة صليب كبير مذهب‏.‏

فلما دخل المسلمون البلد يوم الجمعة تسلق جماعة منهم إلى أعلى القبة ليقلعوا الصليب فلما فعلوا وسقط صاح الناس كلهم صوتًا واحدًا من البلد ومن ظاهره المسلمون والفرنج‏:‏ أما المسلمون فكبروا فرحًا وأما الفرنج فصاحوا تفجعًا وتوجعًا فسمع الناس ضجة كادت الأرض أن تميد بهم لعظمها وشدتها‏.‏

فلما ملك البلد وفارقه الكفار أمر صلاح الدين بإعادة الأبنية إلى حالها القديم فإن الداوية بنوا غربي الأقصى أبنية ليسكونها وعملوا فيها ما يحتاجون إليه من هري ومستراح وغير ذلك وأدخلوا بعض الأقصى في أبنيتهم فأعيد إلى الأول وأمر بتطهير المسجد والصخرة من الأقذار والأنجاس ففعل ذلك أجمع‏.‏

ولما كان الجمعة الأخرى رابع شعبان صلى المسلمون فيه الجمعة ومعهم صلاح الدين وصلى في قبة صلاح الدين خطيبًا وإمامًا برسم الصلوات الخمس وأمر أن يعمل له منبر فقيل له‏:‏ إن نور الدين محمودًا كان قد عمل بحلب منبرًا أمر الصناع بالمبالغة في تحسينه وإتقانه وقال‏:‏ هذا قد عملناه لينصب بالبيت المقدس فعمله النجارون في عدة سنين لم يعمل في الإسلام مثله فأمر بإحضاره فحمل من حلب ونصب بالقدس وكان بين عمل المنبر وحمله ما يزيد على عشرين سنة وكان هذا من كرامات نور الدين وحسن مقاصده رحمه الله‏.‏

ولما فرغ صلاح الدين من صلاة الجمعة تقدم بعمارة المسجد الأقصى واستنفاد الوسع في تحسينه وترصيفه وتدقيق نقوشه فأحضروا من الرخام الذي لا يوجد مثله ومن الفص المذهب القسطنطيني وغير ذلك مما يحتاجون إليه قد ادخر على طول السنين فشرعوا في عمارته ومحوا ما كان في تلك الأبنية من الصور وكان الفرنج فرشوا الرخام فوق الصخرة وغيبوها فأمر بكشفها‏.‏

وكان سبب تغطيتها بالفرش أن القسيسين باعوا كثيرًا منها للفرنج الواردين إليهم من داخل البحر للزيارة فكانوا يشترونه بوزنه ذهبًا رجاء بركتها وكان أحدهم إذا دخل إلى بلاده باليسير منها بني له الكنيسة ويجعل في مذبحها فخاف بعض ملوكهم أن تفنى فأمر بها ففرش فوقها حفظًا لها فلما كشفت نقل إليها صلاح الدين المصاحف الحسنة و الربعات الجيدة ورتب القراءة وأدر عليهم الوظائف الكثيرة فعاد الإسلام هناك غضًا طريًا وهذه المكرمة من فتح البيت المقدس لم يفعلها بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه غير صلاح الدين رحمه الله وكفاه ذلك فخرًا وشرفًا‏.‏

وأما الفرنج من أله فإنهم أقاموا وشرعوا في بيع ما لا يمكنهم حمله من أمتعتهم وذخائرهم وأموالهم وما لا يطيقون حمله وباعوا ذلك بأرخص الثمن فاشتراه التجار من أهل العسكر واشتراه النصارى من أهل القدس الذين ليسوا من الفرنج فإنهم طلبوا من صلاح الدين أ يمكنهم من المقام في مساكنهم ويأخذ منهم الجزية فأجابهم إلى ذلك فاشتروا حينئذ من أموال الفرنج وترك الفرنج أيضًا أشياء كثيرة لم يمكنهم بيعها من الأسرة والصناديق والبتيات وغير ذلك وتركوا أيضًا من الرخام الذي لا يوجد مثله من الأساطين والألواح والفص وغيره شيئًا كثيرًا ثم ساروا‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


369 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح البلاد والحصون المجاورة لعسقلان‏.‏



369


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح البلاد والحصون المجاورة لعسقلان‏.‏

لما فتح صلاح الدين عسقلان أقام بظاهرها وبث السرايا في أطراف البلاد المجاورة لها ففتحوا الرملة والداروم وغزة ومشهد إبراهيم الخليل عليه السلام ويبنى وبيت لحم وبيت جبريل والنظرون وكل ما كان للداوية‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

368 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح عسقلان وما يجاورها



368


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح عسقلان وما يجاورها

لما ملك صلاح الدين بيروت وجبيل وغيرهما كان أمر عسقلان والقدس أهم عنده من غيرهما لأسباب منها أنهما على طريق مصر يقطع بينهما وبين الشام‏.‏

وكان يختار أن تتصل الولايات له ليسهل خروج العسكر منها ودخولهم إليها ولما في فتح القدس من الذكر الجميل والصيت العظيم إلى غير ذلك من الأغراض فسار عن بيروت نحو عسقلان واجتمع بأخيه العادل ومن معه من عساكر مصر ونازلوها يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة وكان صلاح الدين قد أحضر ملك الفرنج ومقدم الداوية إليه من دمشق وقال لهما‏:‏ إن سلمتما البلاد إلي فلكما الأمان فأرسلا إلى من بعسقلان من الفرنج يأمرانهم بتسليم البلد فلم يسمعوا أمرهما وردوا عليهما أقبح رد وجبهوهما بما يسوءهما‏.‏

فلما رأى السلطان ذلك جد في قتال المدينة ونصب المجانيق عليها وزحف مرة بعد أخرى وتقدم النقابون إلى السور فنالوا من باشورته شيئًا‏.‏

هذا وملكهم يكرر المراسلات إليهم بالتسليم ويشير عليهم ويعدهم أنه إذا أطلق من الأسر أضرم البلاد على المسلمين نارًا واستنجد الفرنج من البحر و أجلب الخيل والرجل إليهم من أقاصي بلاد الفرنج وأدانيها وهم لا يجيبون إلى ما يقول ولا يسمعون ما يشير به‏.‏

ولما رأوا أنهم كل يوم يزدادون ضعفًا ووهنًا وإذا قتل منهم الرجل لا يجدون له عوضًا ولا لهم نجدة ينتظرونها راسلوا ملكهم المأسور في تسليم البلد على شروط اقترحوها فأجابهم صلاح الدين إليها وكانوا قتلوا في الحصار أميرًا كبيرًا من المهرانية فخافوا عند مفارقة البلد أن عشيرته يقتلون منهم بثأره فاحتاطوا فيما اشترطوا لأنفسهم فأجيبوا إلى ذلك جميعه وسلموا المدينة سلخ جمادى الآخرة من السنة وكانت مدة الحصار أربعة عشر يومًا وسيرهم صلاح الدين ونساءهم وأموالهم وأولادهم إلى بيت القدس ووفي لهم بالأمان‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

367 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح تبنين وصيدا وجبيل وبيروت



367


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح تبنين وصيدا وجبيل وبيروت

فأما تبنين فقد ذكرنا إنفاذ صلاح الدين تقي الدين ابن أخيه إلى تبنين فلما وصلها نازلها وأقام عليها فرأى حصرها لا يتم إلا بوصول عمه صلاح الدين إليه فأرسل إليه يعلمه الحال ويحثه على الوصول إليه فرحل ثامن جمادى الأولى ونزل عليه في الحادي عشر منه فحصرها وضايقها وقاتلها بالزحف وهي من القلاع المنيعة على جبل فلما ضاق عليهم الأمر واشتد الحصر أطلقوا من عندهم من أسرى المسلمين وهم يزيدون على مائة رجل فلما دخلوا العسكر أحضرهم صلاح الدين وكساهم وأعطاهم نفقة وسيرهم إلى أهليهم‏.‏

وبقي الفرنج كذلك خمسة أيام ثم أرسلوا يطلبون الأمان فأمنهم على أنفسهم فسلموها إليه ووفى لهم وسيرهم إلى مأمنهم‏.‏

وأما صيدا فإن صلاح الدين لما فرغ من تبنين رحل عنها إلى صيدا فاجتاز في طريقه بصرفند فأخذها صفوًا عفوًا بغير قتال وسار عنها إلى صيدا وهي من مدن الساحل المعروفة فلما سمع صاحبها بمسيره نحوه سار عنها وتركها فارغة من مانع ومدافع‏.‏

فلما وصلها صلاح الدين تسلمها ساعة وصوله وكان ملكها حادي عشر جمادى الأولى‏.‏

وأما بيروت فهي من أحصن مدن الساحل وأنزهها أطيبها‏.‏

فلما فتح صلاح الدين صيدا سار عنها من يومه نحو بيروت ووصل إليها من الغد فرأى أهلها قد صعدوا عل سورها وأظهروا القوة والجلد والعدة وقاتلوا على سورها عدة أيام قتالًا شديدًا واغتروا بحصانة البلد وظنوا أنهم قادرون على حفظه وزحف المسلمون إليهم مرة بعد مرة فبينما الفرنج على السور يقاتلون إذ سمعوا من البلد جلبة عظيمة وغلبة زائدة فأتاهم من أخبرهم أن البلد قد دخله المسلمون من الناحية الأخرى قهرًا وغلبة فأرسلوا ينظرون ما الخبر وإذا ليس له صحة فأرادوا تسكين من به فلم يمكنهم ذلك لكثرة ما اجتمع فيه من السواد فلما خافوا على أنفسهم من الاختلاف الواقع أرسلوا يطلبون الأمان فأمنهم على أنفسهم وأموالهم وتسلمها في التاسع والعشرين من جمادى الأولى من السنة فكان مدة حصرها ثمانية أيام‏.‏

وأما جبيل فإن صاحبها كان من جملة الأسى الذين سيروا إلى دمشق مع ملكهم فتحدث مع نائب صلاح الدين بدمشق في تسليم جبيل على شرط إطلاقه فعرف صلاح الدين بذلك فأحضره مقيدًا عنده تحت الاستظهار والاحتياط وكان العسكر حينئذ على بيروت فسلم حصنه وأطلق أسرى المسلمين الذين به وأطلقه صلاح الدين كما شرط له وكان صاحب جبيل هذا من أعيان الفرنج وأصحاب الرأي والمكر والشر به يضرب المثل بينهم وكان للمسلمين منه عدو أزرق وكان إطلاقه من الأسباب الموهنة للمسلمين على ما يأتي بيانه‏.‏

لما انهزم القمص صاحب طرابلس من حطين إلى مدينة صور أقام بها وهي أعظم بلاد الساحل حصانة وأشدها امتناعًا على من رامها فلما رأى السلطان قد ملك تبنين وصيدا وبيوت خاف أن يقصد صلاح الدين صور وهي فارغة ممن يقاتل فيها ويحميها ويمنعها فلا يقوى على حفظها وتركها وسار إلى مدينة طرابلس فبقيت صور شاغرة لا مانع لها ولا عاصم من المسلمين فلو بدأ بها صلاح الدين قبل تبنين وغيرها لأخذها بغير مشقة لكنه استعظمها لحصانتها فأراد أن يفرغ باله مما يجاورها من نواحيها ليسهر أخذها فكان ذلك سبب حفظها وكان أمر الله قدرًا مقدورًا واتفق أن إنسانًا من الفرنج الذين داخل البحر يقال له المركيش لعنه الله خرج في البحر بمال كثير للزيارة والتجارة ولم يشعر بما كان من الفرنج فأرسى بعكا وقد رابه ما رأى من ترك عوائد الفرنج عند وصول المراكب من الفرنج وضرب الأجراس وغير ذلك وما رأى أيضًا من زي أهل البلد فوقف ولم يدر ما الخبر وكانت الريح قد ركدت فأرسل الملك الأفضل إليه بعض أصحابه في سفينة يبصر من هو وما يريد فأتاه القاصد فسأله المركيش عن الأخبار لما أنكره فأخبره بكسرة الفرنج وأخذ عكا وغيرها وأعلمه أن صور بيد الفرنج وعسقيلان وغيرها وحكى الأمر له على وجهه فلم يمكنه الحركة لعدم الريح فرد الرسول يطلب الأمان ليدخل البلد بما معه من متاع ومال فأجيب إلى ذلك فردده مرارًا كل مرة يطلب شيئًا لم يطلبه في المرة الأولى وهو يفعل ذلك انتظارًا لهبوب الهواء ليسير به فبينما هو في مراجعاته إذ هبت الريح فسار نحو صور وسير الملك الأفضل الشواني في طلبه فلم يدركوه فأتى صور وقد اجتمع بها من الفرنج خلق كثير لأن صلاح الدين كان كلما فتح مدينة من عكا وبيوت وغيرهما ما ذكرنا أعطى أهلها الأمان فساروا كلهم إلى صور وكثر الجمع بها إلا أنهم ليس لهم رأس يجمعهم ولا مقدم يقاتل بهم وليسوا أهل حرب وهم عازمون على مراسلة صلاح الدين وطلب الأمان وتسليم البلد إليه فأتاهم المركيش وهم على ذلك العزم فردهم عنه وقوى نفوسهم وضمن لهم حفظ المدينة وبذل ما معه من الأموال وشرط عليهم أن تكون المدينة وأعمالها له دون غيره فأجابوه إلى ذلك فأخذ أيمانهم عليه وأقام عندهم ودبر أحوالهم وكان من شياطين الإنس حسن التدبير والحفظ وله شجاعة عظيمة وشرع في تحصينها فجدد حفر خنادقها وعمل أسوارها وزاد في حصانتها واتفق من بها على الحفظ والقتال دونها‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


366 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح يافا



366


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح يافا

لما خرج العادل من مصر وفتح مجدليابة كما ذكرنا سار إلى مدينة يافا وهي على الساحل فحصرها وملكها عنوة ونهبها وأسر الرجال وسبى الحريم وجرى على أهلها ما لم يجر على أحد من أهل تلك البلاد‏.‏

وكان عندي جارية من أهلها وأنا بحلب ومعها طفل عمره نحو سنة فسقط من يدها فانسلخ وجهه فبكت عليه كثيرًا فسكنتها وأعلمتها أنه ليس بولدها ما يوجب البكاء فقالت‏:‏ ما له أبكي إنما أبكي لما جرى علينا‏.‏

كان لي ستة أخوة هلكوا جميعهم وزوج أختان لا أعلم ما كان منهم‏.‏

هذا من امرأة واحدة والباقي بالنسبة ورأيت بحلب امرأة فرنجية قد جاءت مع سيدها إلى باب فطرقه سيدها فخرج صاحب البيت فكلمهما ثم أخرج امرأة فرنجية فحين رأتها الأخرى صاحتا واعتنقتا وهما تصرخان وتبكيان وسقطتا إلى الأرض ثم قعدتا تتحدثان وإذا هما أختان وكان لهما عدة من الأهل ليس لهما علم بأحد منهم‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



365 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح عدة حصون



365


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح عدة حصون

في مدة مقام صلاح الدين بعكا تفرق عسكره إلى الناصرة وقيسارية وحيفا وصفورية ومعليا والشقيف والفولة وغيرها من البلاد المجاورة لعكا فملكوها ونهبوها وأسروا رجالها وسبوا نساءها وأطفالها وقدموا من ذلك بما سد القضاء وسير تقي الدين فنزل على تبنين ليقطع المرة عنها وعن صور وسير حسام الدين عمر بن لاجين في عسكره إلى نابلس فدخلها وحصر قلعتها واستنزل من فيها بالأمان وتسلم القلعة وأقام أهل البلد به وأقرهم على أملاكهم وأموالهم‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

364 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح مدينة عكا



364


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح مدينة عكا

لما فرغ صلاح الدين من طبرية سار عنها يوم الثلاثاء ووصل إلى عكا يوم الأربعاء وقد صعد أهلها على سورها يظهرون الامتناع والحفظ فعجب هو والناس من ذلك لأنهم علموا أن

عساكرهم من فارس وراجل بين قتيل وأسير وأنهم لم يسلم منهم إلا القليل إلا أنه نزل يومه وركب يوم الخميس وقد صمم على الزحف إلى البلد وقتاله فبينما هو ينظر من أين يزحف ويقاتل إذ خرج كثير من ألها يضرعون ويطلبون الأمان فأجابهم إلى ذلك وأمنهم على أنفسهم وأموالهم وخيرهم بين الإقامة والظعن فاختاروا الرحيل خوفًا من المسلمين وساروا عنها متفرقين وحملوا ما أمكنهم حمله من أموالهم وتركوا الباقي على حاله‏.‏

ودخل المسلمون إليها يوم الجمعة مستهل جمادى الأولى وصلوا بها الجمعة في جامع كان للمسلمين قديمًا ثم جعله الفرنج ببيعة ثم جعله صلاح الدين جامعًا وهذه الجمعة أول جمعة أقيمت بالساحل الشامي بعد أن ملكه الفرنج‏.‏

وسلم البلد إلى ولده الأفضل وأعطى جميع ما كان فيه للداوية من أقطاع وضياع وغير ذلك للفقيه عيسى وغنم المسلمون ما بقي مما لم يطق الفرنج حمله وكان من كمثرته يعجز الإحصاء عنه فرأوا فيها من الذهب والجوهر والسقلاط والبندقي والشكر والسلاح وغير ذلك من أنواع الأمتعة كثيرًا فإنها كانت مقصدًا للتجار الفرنج والروم وغيرهم من أقصى البلاد وأدناها وكان كثير منها قد خزنه التجار وسافروا عنه لكساده فلم يكن له من ينقله ففرق صلاح الدين وابنه الأفضل ذلك جميعه على أصحابهما وأكثر ذلك فعله الأفضل لأنه كان مقيمًا بالبلد وأنت شيمته في الكرم معروفة‏.‏

و ذكر فتح مجدليابة لما هزم صلاح الدين الفرنج أرسل إلى أخيه العادي بمصر يبشره بذلك ويأمره بالمسير إلى بلاد الفرنج من جهة مصر بمن بقي عنده من العسكر ومحاصرة ما يليه منها فسارع إلى ذلك وسار عن مصر فنازل حصن مجليابة وحصره وغنم ما فيه‏.‏

وورد كتابه بذلك إلى صلاح الدين وكانت بشارة كبيرة‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

363 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر عود صلاح الدين إلى طبرية وملك قلعتها مع المدينة



363


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر عود صلاح الدين إلى طبرية وملك قلعتها مع المدينة

لما فرغ صلاح الدين من هزيمة الفرنج أقام بموضعه باقي يومه وأصبح يوم الأحد فعاد إلى طبرية ونازلها فأرسلت صاحبتها تطلب الأمان لها ولأولادها وأصحابها ومالها فأجابها إلى ذلك فخرجت بالجميع فوفى لها فسارت آمنة ثم أمر بالملك وجماعة من أعيان الأسرى فأرسلوا إلى دمشق وأمر بمن أسر من الداوية والاسبتارية أن يجمعوا ليقتلهم‏.‏

ثم علم أن من عنده أسير لا يسمح به لما يرجوا من فدائه فبذل في كل أسير من هذين الصنفين خمسين دينارًا مصرية فأحضر عنده في الحال مائتا أسير منهم فأمر بهم فضربت أعناقهم وإنما خص هؤلاء بالقتل لأنهم أشد شوكة من جميع الفرنج فأراح الناس من شرهم وكتب إلى نائبه خص هؤلاء بالقتل لأنهم أشد شوكة من جميع الفرنج فأراح الناس من شرهم وكتب إلى نائبه بدمشق ليقتل من دخل البلد منهم سواء كان له أو لغيره ففعل ذلك ولقد اجتزت بموضع الوقعة بعدها بنحو سنة فرأيت الأرض ملأى من عظامهم تبين على البعد منها المجتمع بعضه على بعض ومنها المفترق هذا سوى ما جحفته السيول وأخذته السباع في تلك الأكام والوهاد‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


362 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر انهزام الفرنج بحطين ذكر عود صلاح الدين إلى عسكره ودخوله إلى الفرنج



362


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر انهزام الفرنج بحطين

ذكر عود صلاح الدين إلى عسكره ودخوله إلى الفرنج

لما أتت صلاح الدين البشارة بهزيمة الاسبتارية والدواية وقتل من قتل منهم وأسر من أسر عاد عن الكرك إلى العسكر الذي مع ولده الملك الأفضل وقد تلاحقت سائر الأمداد والعساكر واجتمع بهم وساروا جميعًا وعرض العسكر فبلغت عدتهم اثني عشر ألف فارس ممن له الأقطاع والجامكية وسوى المتطوعة فعبا عسكره قلبًا وجناحين وميمنة وميسرة وجالشية وساقة وعرف كل منهم موضعه وموقفه وأمره بملازمته وسار على تعبئة فنزل بالأقحوانة بقرب طبرية وكان القمص قد انتمى إلى صلاح الدين كما ذكرنا وكبه متصلة إليه يعده النصرة ويمنيه المعاضدة وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا‏.‏

فلما رأى الفرنج اجتماع العساكر الإسلامية وتصميم العزم على قصد بلادهم أرسلوا إلى القمص البطرك والقوس والرهبان وكثيرًا من الفرسان فأنكروا عليه انتماءه إلى صلاح الدين و قالوا له‏:‏ لا شك أنك أسلمت و إلا لم تصبر على ما فعل المسلمون أمس بالفرنج يقتلون الداوية والاسبتارية ويأسرونهم ويجتازون بهم عليك وأنت لا تنكر ذلك ولا تمنع عنه ووافقهم على ذلك من عنده من عسكر طبرية وطرابلس وتهدده البطرك أنه يحرمه ويفسخ نكاح زوجته إلى غير ذلك من التهديد فلما رأى القمص شدة الأمر عليه خاف فاعتذر وتنصل وتاب فقبلوا عذره وغفروا زلته وطلبوا منه الموافقة على المسلمين والمؤازرة على حفظ بلادهم فأجابهم إلى المصالحة والانضمام إليهم والاجتماع معهم وسار معهم إلى ملك الفرنج واجتمعت كلمتهم بعد فرقتهم ولم تغن عنهم من الله شيئًا وجمعوا فارسهم وراجلهم ثم ساروا من عكا إلى صفورية وهم يقدمون رجلًا ويؤخرون أخرى قد ملئت قلوبهم رعبًا‏.‏

ذكر فتح صلاح الدين طبرية لما اجتمع الفرنج وساروا إلى صفورية جمع صلاح الدين أمراءه ووزراءه واستشارهم فأشار أكثرهم عليه بترك اللقاء وأن يضعف الفرنج بشن الغارات وإخراب الولايات ومرة بعد مرة فقال له بعض أمرائه‏:‏ الرأي عندي أننا نجوس بلادهم وننهب ونخرب ونحرق ونسبي فإن وقف أحد من عسكر الفرنج بن أيدينا لقيناه فإن الناس بالمشرق يلعنوننا ويقولون ترك قتال الكفار وأقبل يريد قتال المسلمين والرأي أن نفعل فعلًا نعذر فيه ونكف الألسنة عنا فقال صلاح الدين‏:‏ الرأي عندي أن نلقي بجمع المسلمين جمع الكفار فإن الأمور لا تجري بحكم الإنسان ولا نعلم قدر الباقي من أعمارنا ولا ينبغي أن نفرق هذا الجمع إلا بعد الجد بالجهاد‏.‏

ثم رحل من الأقحوانة اليوم الخامس من نزوله بها وهو يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر فسار حتى خلف طبرية وراء ظهره وصعد جبلها وتقدم حتى قارب الفرنج فلم ير الفرنج من يمنعهم من القتال ونزل جريدة إلى طبرية وقاتلهم ونقب بعض أبراجها وأخذ المدينة عنوة في ليلة ولجأ من بها إلى القلعة التي لها فامتنعوا بها وفيها صاحبتها ومعها أولادها فنهب المدينة وأحرقها‏.‏

فلما سمع الفرنج نزول صلاح الدين إلى طبرية وملكه المدينة وأخذ ما فيها وإحراقها وإحراق ما تخلف مما لا يحمل اجتمعوا للمشورة فأشار بعضهم بالتقدم إلى المسلمين وقتالهم ومنعهم عن طبرية فقال القمص‏:‏ إن طبرية لي ولزوجتي وقد فعل صلاح الدين بالمدينة ما فعل وبقي القلعة وفيها زوجتي وقد رضيت أن يأخذ القلعة وزوجتي وما لنا بها ويعود فوالله لقد رأيت عساكر الإسلام قديمًا وحديثًا ما رأيت مثل هذا العسكر الذي مع صلاح الدين كثرة وقوة وإذا أخذ طبرية لا يمكنه المقام بها فمتى فارقها وعاد عنها أخذناها وإن أقام بها لا يقدر على المقام بها إلا بجميع عساكره ولا يقدرون على الصبر طول الزمان عن أوطانهم وأهليهم فيضطر إلى تركها ونفتك من أسر منا‏.‏

فقال له برنس أرناط صاحب الكرك‏:‏ قد أطلت في التخويف من المسلمين ولا شك أنك تريدهم وتميل إليهم وإلا ما كنت تقول هذا وأما قولك‏:‏ إنهم كثيرون فإن النار لا يضرها كثرة الحطب‏.‏

فقوي عزمهم على التقدم إلى المسلمين وقتالهم فرحلوا من معسكرهم الذي لزموه وقربوا من عساكر الإسلام فلما سمع صلاح الدين بذلك عاد عن طبرية إلى عسكره وكان قريبًا منه وإنما كان قصده بمحاصرة طبرية أن يفارق الفرنج مكانهم لتمكن من قتالهم‏.‏

وكان المسلمون قد نزلوا على الماء والزمان قيظ شديد الحر فوجد الفرنج العطش ولم يتمكنوا من الوصول إلى ذلك الماء من المسلمين وكانوا قد أفنوا ما هناك من ماء الصهاريج ولم يتمكنوا من الرجوع خوفًا من المسلمين فبقوا على حالهم إلى الغد وهو يوم السبت وقد أخذ العطش منهم‏.‏

وأما المسلمون فإنهم طمعوا فيهم وكانوا من قبل يخافونهم فباتوا يحرض بعضهم بعضًا وقد وجدوا ريح النصر والظفر وكلما رأوا حال الفرنج خلاف عادتهم مما ركبهم من الخذلان زاد طمعهم وجرأتهم فأكثروا التكبير والتهليل طول ليلتهم ورتب السلطان تلك الليلة الجاليشية وفرق فيهم النشاب‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


361 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر عود صلاح الدين إلى عسكره ودخوله إلى الفرنج



361


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر عود صلاح الدين إلى عسكره ودخوله إلى الفرنج

لما أتت صلاح الدين البشارة بهزيمة الاسبتارية والدواية وقتل من قتل منهم وأسر من أسر عاد عن الكرك إلى العسكر الذي مع ولده الملك الأفضل وقد تلاحقت سائر الأمداد والعساكر واجتمع بهم وساروا جميعًا وعرض العسكر فبلغت عدتهم اثني عشر ألف فارس ممن له الأقطاع والجامكية وسوى المتطوعة فعبا عسكره قلبًا وجناحين وميمنة وميسرة وجالشية وساقة وعرف كل منهم موضعه وموقفه وأمره بملازمته وسار على تعبئة فنزل بالأقحوانة بقرب طبرية وكان القمص قد انتمى إلى صلاح الدين كما ذكرنا وكبه متصلة إليه يعده النصرة ويمنيه المعاضدة وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا‏.‏

فلما رأى الفرنج اجتماع العساكر الإسلامية وتصميم العزم على قصد بلادهم أرسلوا إلى القمص البطرك والقوس والرهبان وكثيرًا من الفرسان فأنكروا عليه انتماءه إلى صلاح الدين و قالوا له‏:‏ لا شك أنك أسلمت و إلا لم تصبر على ما فعل المسلمون أمس بالفرنج يقتلون الداوية والاسبتارية ويأسرونهم ويجتازون بهم عليك وأنت لا تنكر ذلك ولا تمنع عنه ووافقهم على ذلك من عنده من عسكر طبرية وطرابلس وتهدده البطرك أنه يحرمه ويفسخ نكاح زوجته إلى غير ذلك من التهديد فلما رأى القمص شدة الأمر عليه خاف فاعتذر وتنصل وتاب فقبلوا عذره وغفروا زلته وطلبوا منه الموافقة على المسلمين والمؤازرة على حفظ بلادهم فأجابهم إلى المصالحة والانضمام إليهم والاجتماع معهم وسار معهم إلى ملك الفرنج واجتمعت كلمتهم بعد فرقتهم ولم تغن عنهم من الله شيئًا وجمعوا فارسهم وراجلهم ثم ساروا من عكا إلى صفورية وهم يقدمون رجلًا ويؤخرون أخرى قد ملئت قلوبهم رعبًا‏.‏

ذكر فتح صلاح الدين طبرية لما اجتمع الفرنج وساروا إلى صفورية جمع صلاح الدين أمراءه ووزراءه واستشارهم فأشار أكثرهم عليه بترك اللقاء وأن يضعف الفرنج بشن الغارات وإخراب الولايات ومرة بعد مرة فقال له بعض أمرائه‏:‏ الرأي عندي أننا نجوس بلادهم وننهب ونخرب ونحرق ونسبي فإن وقف أحد من عسكر الفرنج بن أيدينا لقيناه فإن الناس بالمشرق يلعنوننا ويقولون ترك قتال الكفار وأقبل يريد قتال المسلمين والرأي أن نفعل فعلًا نعذر فيه ونكف الألسنة عنا فقال صلاح الدين‏:‏ الرأي عندي أن نلقي بجمع المسلمين جمع الكفار فإن الأمور لا تجري بحكم الإنسان ولا نعلم قدر الباقي من أعمارنا ولا ينبغي أن نفرق هذا الجمع إلا بعد الجد بالجهاد‏.‏

ثم رحل من الأقحوانة اليوم الخامس من نزوله بها وهو يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر فسار حتى خلف طبرية وراء ظهره وصعد جبلها وتقدم حتى قارب الفرنج فلم ير الفرنج من يمنعهم من القتال ونزل جريدة إلى طبرية وقاتلهم ونقب بعض أبراجها وأخذ المدينة عنوة في ليلة ولجأ من بها إلى القلعة التي لها فامتنعوا بها وفيها صاحبتها ومعها أولادها فنهب المدينة وأحرقها‏.‏

فلما سمع الفرنج نزول صلاح الدين إلى طبرية وملكه المدينة وأخذ ما فيها وإحراقها وإحراق ما تخلف مما لا يحمل اجتمعوا للمشورة فأشار بعضهم بالتقدم إلى المسلمين وقتالهم ومنعهم عن طبرية فقال القمص‏:‏ إن طبرية لي ولزوجتي وقد فعل صلاح الدين بالمدينة ما فعل وبقي القلعة وفيها زوجتي وقد رضيت أن يأخذ القلعة وزوجتي وما لنا بها ويعود فوالله لقد رأيت عساكر الإسلام قديمًا وحديثًا ما رأيت مثل هذا العسكر الذي مع صلاح الدين كثرة وقوة وإذا أخذ طبرية لا يمكنه المقام بها فمتى فارقها وعاد عنها أخذناها وإن أقام بها لا يقدر على المقام بها إلا بجميع عساكره ولا يقدرون على الصبر طول الزمان عن أوطانهم وأهليهم فيضطر إلى تركها ونفتك من أسر منا‏.‏

فقال له برنس أرناط صاحب الكرك‏:‏ قد أطلت في التخويف من المسلمين ولا شك أنك تريدهم وتميل إليهم وإلا ما كنت تقول هذا وأما قولك‏:‏ إنهم كثيرون فإن النار لا يضرها كثرة الحطب‏.‏

فقوي عزمهم على التقدم إلى المسلمين وقتالهم فرحلوا من معسكرهم الذي لزموه وقربوا من عساكر الإسلام فلما سمع صلاح الدين بذلك عاد عن طبرية إلى عسكره وكان قريبًا منه وإنما كان قصده بمحاصرة طبرية أن يفارق الفرنج مكانهم لتمكن من قتالهم‏.‏

وكان المسلمون قد نزلوا على الماء والزمان قيظ شديد الحر فوجد الفرنج العطش ولم يتمكنوا من الوصول إلى ذلك الماء من المسلمين وكانوا قد أفنوا ما هناك من ماء الصهاريج ولم يتمكنوا من الرجوع خوفًا من المسلمين فبقوا على حالهم إلى الغد وهو يوم السبت وقد أخذ العطش منهم‏.‏

وأما المسلمون فإنهم طمعوا فيهم وكانوا من قبل يخافونهم فباتوا يحرض بعضهم بعضًا وقد وجدوا ريح النصر والظفر وكلما رأوا حال الفرنج خلاف عادتهم مما ركبهم من الخذلان زاد طمعهم وجرأتهم فأكثروا التكبير والتهليل طول ليلتهم ورتب السلطان تلك الليلة الجاليشية وفرق فيهم النشاب‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


360 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر الغارة على بلد عكا



360


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر الغارة على بلد عكا

أرسل صلاح الدين إلى ولده الأفضل يأمره أن يرسل قطعة صالحة من الجيش إلى بلد عكا ينهبونه ويخربونه فسير مظفر الدين كوكبري بن زين وهو صاحب حران والرها وأضاف إليه قايماز النجمي ودلدرم اليارقي وهما من أكابر الأمراء وغيرهما فساروا ليلًا وصبحوا صفورية أواخر صفر فخرج إليهم الفرنج في جمع من الدواية والاسبتارية وغيرهما فالتقوا هناك وجرت بينهم حرب تشيب لها المفارق السود‏.‏

ثم أنزل الله تعالى نصره على المسلمين فانهزم الفرنج وقتل منهم جماعة وأسر الباقون وفيمن قتل مقدم الاسبتارية وكان من فرسان الفرنج المشهورين وله النكايات العظيمة في المسلمين ونهب المسلمون ما جاورهم من البلاد وغنموا وسبوا وعادوا سالمين وكان عودهم على طبرية وبها القمص فلم ينكر ذلك فكان فتحًا كثيرًا فإن الداوية والاسبتارية هم جمرة الفرنج وسيرت البشائر إلى البلاد بذلك‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

359 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير = ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة



359


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

= ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة

== ذكر الغارة على بلد عكا
== ذكر عود صلاح الدين إلى عسكره ودخوله إلى الفرنج
== ذكر انهزام الفرنج بحطين
== ذكر عود صلاح الدين إلى طبرية وملك قلعتها مع المدينة
== ذكر فتح مدينة عكا
== ذكر فتح عدة حصون
== ذكر فتح يافا
== ذكر فتح تبنين وصيدا وجبيل وبيروت
== ذكر فتح عسقلان وما يجاورها
== ذكر فتح البلاد والحصون المجاورة لعسقلان.
== ذكر فتح البيت المقدس
== ذكر حيل صلاح الدين إلى صور ومحاصرتها
== ذكر الرحيل عن صور إلى عكا وتفريق العساكر
== ذكر فتح هونين
== ذكر حصر صفد وكوكب والكرك
== ذكر الفتنة بعرفات وقتل ابن المقدم
== ذكر قوة السلطان طغرل على قزل
== ذكر ملك شرستي من الهند وغيرها وانهزام المسلمين بعدها
== ذكر عدة حوادث


ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة

اتفق أول هذه السنة يوم السبت وهو يوم النوروز السلطاني ورابع عشر آذار سنة ألف وأربع مائة وثمان وتسعين إسكندرية وكان القمر والشمس في الحمل واتفق أول سنة العرب وأول سنة الفرس التي جددوها أخيرًا وأول سنة الروم والشمس والقمر في أول البروج وهذا يبعد وقوع مثله‏.‏

في هذه السنة كتب صلاح الدين إلى جميع البلاد يستنفر الناس للجهاد وكتب إلى الموصل وديار الجزيرة وإربل وغيرها من بلاد الشرق وإلى مصر وسائر بلاد الشام يدعوهم إلى الجهاد ويحثهم عليه ويأمرهم بالتجهز له بغاية الإمكان‏.‏

ثم خرج من دمشق أواخر المحرم في عسكرها الخاص فسار إلى رأس الماء وتلاحقت به العساكر الشامية فلما اجتمعوا جعل عليهم ولده الملك الأفضل عليًا ليجتمع إليه من يرد إليه منها وسار هو إلى بصرى جريدة‏.‏

وكان سبب مسيره وقصده إليها أنه أتته الأخبار أن البرنس أرناط صاحب الكرك يريد أن يقصد الحجاج ليأخذهم من طريقهم وأظهر أنه إذا فرغ من أخذ الحجاج يرجع إلى طريق العسكر المصري يصدهم عن الوصول إلى صلاح الدين فسار إلى بصرى ليمنع البرنس أرناط من طلب الحجاج ويلزم بلده خوفًا عليه‏.‏

وكان من الحجاج جماعة من أقاربه منهم محمد بن لاجين وهو ابن أخت صلاح الدين وغيره فلما سمع أرناط بقرب صلاح الدين من بلده لم يفارقه وانقطع عما طمع فيه فوصل الحجاج سالمين فلما وصلوا وفرغ سره من جهتهم سار إلى الكرك فحصره وضيق عليه الكرك والشوبك وغيرهما فنهبوا وخربوا وأحرقوا والبرنس محصور لا يقدر على المنع عن بلده وسائر الفرنج قد لزموا طرف بلادهم خوفًا من العسكر الذي مع ولده الأفضل فتمكن من الحصر والنهب



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

358 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر عدة حوادث ذكر غدر البرنس أرناط



358


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر عدة حوادث

ذكر غدر البرنس أرناط

كان البرنس أرناط صاحب الكرك من أعظم الفرنج وأخبثهم وأشدهم عداوة للمسلمين وأعظمهم ضررًا عليهم فلما رأى صلاح الدين ذلك منه قصد بالحصر مرة بعد مرة وبالغارة على بلاده كرة بعد أخرى فذل وخضع وطلب الصلح من صلاح الدين فأجابه إلى ذلك وهادنه وتحالفا وترددت القوافل من الشام إلى مصر ومن مصر إلى الشام‏.‏

فلا كان هذه السنة اجتاز به قافلة عظيمة غزيرة الأموال كثيرة الرجال ومعها جماعة صالحة من الأجناد فغدر اللعين بهم وأخذهم عن آخرهم وغنم أموالهم ودوابهم وسلاحهم وأودع السجون من أسره منهم فأرسل إليه صلاح الدين يلومه ويقبح فعله وغدره ويتهدده إن لم يطلب الأسى والأموال فلم يجب إلى ذلك وأصر على الامتناع فنذر صلاح الدين نذرًا أن



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



357 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر غدر البرنس أرناط



357


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر غدر البرنس أرناط

كان البرنس أرناط صاحب الكرك من أعظم الفرنج وأخبثهم وأشدهم عداوة للمسلمين وأعظمهم ضررًا عليهم فلما رأى صلاح الدين ذلك منه قصد بالحصر مرة بعد مرة وبالغارة على بلاده كرة بعد أخرى فذل وخضع وطلب الصلح من صلاح الدين فأجابه إلى ذلك وهادنه وتحالفا وترددت القوافل من الشام إلى مصر ومن مصر إلى الشام‏.‏

فلا كان هذه السنة اجتاز به قافلة عظيمة غزيرة الأموال كثيرة الرجال ومعها جماعة صالحة من الأجناد فغدر اللعين بهم وأخذهم عن آخرهم وغنم أموالهم ودوابهم وسلاحهم وأودع السجون من أسره منهم فأرسل إليه صلاح الدين يلومه ويقبح فعله وغدره ويتهدده إن لم يطلب الأسى والأموال فلم يجب إلى ذلك وأصر على الامتناع فنذر صلاح الدين نذرًا أن



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ