332
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير
ذكر ملك صلاح الدين آمد
قد ذكرنا نزول صلاح الدين بحرزم تحت ماردين فلم ير لطمعه وجهًا وسار عنها إلى آمد على طريق البارعية وكان نور الدين محمد بن قرا أرسلان يطالبه في كل وقت بقصدها وأخذها وتسليمها إليه على ما استقرت القاعدة بينهما فوصل إلى آمد سابع عشر ذي الحجة من سنة ثمان وسبعين ونازلها و أقام يحاصرها.
وكان المتولي لأمرها والحاكم فيها بهاء الدين بن نيسان وكان صاحبها ليس له من الأمر شيء مع ابن نيسان فلما نازلها صلاح الدين أساء ابن نيسان التدبير ولم يعط الناس من الذخائر شيئًا ولا فرق فيهم دينارًا ولا قوتًا وقال لأهل البلد: قاتلوا عن نفوسكم.
فقال له بعض أصحابه: ليس العدو بكافر حتى يقاتلوا عن نفوسهم. فلم يفعل شيئًا.
وقاتلهم صلاح الدين ونصب المجانيق وزحف إليها وهي الغاية في الحصانة والمنعة بها وبسورها يضرب المثل وابن نيسان على حاله من الشح بالمال وتصرفه تصرف من ولت سعادته وأدبرت دولته فلما رأى الناس ذلك منه تهاونوا بالقتال وجنحوا إلى السلامة.
وكانت أيام ابن نيسان قد طالت وثقلت على أهل البلد لسوء صنيعهم وملكتهم وتضييقهم عليهم في مكاسبهم فالناس كارهون لهان محبون لانقراضها.
وأمر صلاح الدين أن يكتب على السهام إلى أهل البلد يعدهم الخير والإحسان إن أطاعوه ويتهددهم إن قاتلوه فزادهم ذلك تقاعدًا وتخاذلًا وأحبوا ملكه وتركوا القتال فوصل النقابون إلى السور فنقبوه وعلقوه فلما رأى الجند وأهل البلد ذلك طمعوا في ابن نيسان واشتطوا في المطالب.
فحين صارت الحال كذلك أخرج ابن نيسان نساءه إلى القاضي الفاضل وزير صلاح الدين يسأله أن يأخذ له الأمان ولأهله وماله وأن يؤخره ثلاثة أيام حتى ينقل ما له بالبلد من الأموال والذخائر فسعى له الفاضل في ذلك فأجابه صلاح الدين إليه فسلم البلد في العشر الأول من المحرم هذه السنة وأخرج خيمه إلى ظاهر البلد ورام نقل ماله فتعذر ذلك عليه لزوال حكمه عن أصحابه واطراحهم أمره ونهيه فأرسل إلى صلاح الدين يعرفه الحال ويسأله مساعدته على ذلك فأمده بالدواب والرجال فنقل البعض وسرق البعض وانقضت الأيام الثلاثة قبل الفراغ فمنع من الباقي.
وكانت أبراج المدينة مملوءة من أنواع الذخائر فتركها بحالها ولو أخرج البعض منها لحفظ البلد وسائر نعمه وأمواله لكن إذا أراد الله أمرًا هيأ أسبابه فلما تسلمها صلاح الدين سلمها نور الدين إلى صاحب الحصن فقيل له قبل تسليمها: إن هذه المدينة فيها من الذخائر ما يزيد على ألف ألف دينار فلو أخذت ذلك وأعطيته جندك وأصحابك وسلمت البلد إليه فارغًا لكان راضيًا فإنه لا يطمع في غيره.
فامتنع من ذلك وقال: ما كنت لأعطيه الأصل وأبخل بالفرع فلما تسلم نور الدين البلد اصطنع دعوة عظيمة ودعا إليها صلاح الدين وأمراءه ولم يكن دخل البلد وقدم له ولأصحابه من التحف والهدايا أشياء كثيرة.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق