361
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير
ذكر عود صلاح الدين إلى عسكره ودخوله إلى الفرنج
لما أتت صلاح الدين البشارة بهزيمة الاسبتارية والدواية وقتل من قتل منهم وأسر من أسر عاد عن الكرك إلى العسكر الذي مع ولده الملك الأفضل وقد تلاحقت سائر الأمداد والعساكر واجتمع بهم وساروا جميعًا وعرض العسكر فبلغت عدتهم اثني عشر ألف فارس ممن له الأقطاع والجامكية وسوى المتطوعة فعبا عسكره قلبًا وجناحين وميمنة وميسرة وجالشية وساقة وعرف كل منهم موضعه وموقفه وأمره بملازمته وسار على تعبئة فنزل بالأقحوانة بقرب طبرية وكان القمص قد انتمى إلى صلاح الدين كما ذكرنا وكبه متصلة إليه يعده النصرة ويمنيه المعاضدة وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا.
فلما رأى الفرنج اجتماع العساكر الإسلامية وتصميم العزم على قصد بلادهم أرسلوا إلى القمص البطرك والقوس والرهبان وكثيرًا من الفرسان فأنكروا عليه انتماءه إلى صلاح الدين و قالوا له: لا شك أنك أسلمت و إلا لم تصبر على ما فعل المسلمون أمس بالفرنج يقتلون الداوية والاسبتارية ويأسرونهم ويجتازون بهم عليك وأنت لا تنكر ذلك ولا تمنع عنه ووافقهم على ذلك من عنده من عسكر طبرية وطرابلس وتهدده البطرك أنه يحرمه ويفسخ نكاح زوجته إلى غير ذلك من التهديد فلما رأى القمص شدة الأمر عليه خاف فاعتذر وتنصل وتاب فقبلوا عذره وغفروا زلته وطلبوا منه الموافقة على المسلمين والمؤازرة على حفظ بلادهم فأجابهم إلى المصالحة والانضمام إليهم والاجتماع معهم وسار معهم إلى ملك الفرنج واجتمعت كلمتهم بعد فرقتهم ولم تغن عنهم من الله شيئًا وجمعوا فارسهم وراجلهم ثم ساروا من عكا إلى صفورية وهم يقدمون رجلًا ويؤخرون أخرى قد ملئت قلوبهم رعبًا.
ذكر فتح صلاح الدين طبرية لما اجتمع الفرنج وساروا إلى صفورية جمع صلاح الدين أمراءه ووزراءه واستشارهم فأشار أكثرهم عليه بترك اللقاء وأن يضعف الفرنج بشن الغارات وإخراب الولايات ومرة بعد مرة فقال له بعض أمرائه: الرأي عندي أننا نجوس بلادهم وننهب ونخرب ونحرق ونسبي فإن وقف أحد من عسكر الفرنج بن أيدينا لقيناه فإن الناس بالمشرق يلعنوننا ويقولون ترك قتال الكفار وأقبل يريد قتال المسلمين والرأي أن نفعل فعلًا نعذر فيه ونكف الألسنة عنا فقال صلاح الدين: الرأي عندي أن نلقي بجمع المسلمين جمع الكفار فإن الأمور لا تجري بحكم الإنسان ولا نعلم قدر الباقي من أعمارنا ولا ينبغي أن نفرق هذا الجمع إلا بعد الجد بالجهاد.
ثم رحل من الأقحوانة اليوم الخامس من نزوله بها وهو يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر فسار حتى خلف طبرية وراء ظهره وصعد جبلها وتقدم حتى قارب الفرنج فلم ير الفرنج من يمنعهم من القتال ونزل جريدة إلى طبرية وقاتلهم ونقب بعض أبراجها وأخذ المدينة عنوة في ليلة ولجأ من بها إلى القلعة التي لها فامتنعوا بها وفيها صاحبتها ومعها أولادها فنهب المدينة وأحرقها.
فلما سمع الفرنج نزول صلاح الدين إلى طبرية وملكه المدينة وأخذ ما فيها وإحراقها وإحراق ما تخلف مما لا يحمل اجتمعوا للمشورة فأشار بعضهم بالتقدم إلى المسلمين وقتالهم ومنعهم عن طبرية فقال القمص: إن طبرية لي ولزوجتي وقد فعل صلاح الدين بالمدينة ما فعل وبقي القلعة وفيها زوجتي وقد رضيت أن يأخذ القلعة وزوجتي وما لنا بها ويعود فوالله لقد رأيت عساكر الإسلام قديمًا وحديثًا ما رأيت مثل هذا العسكر الذي مع صلاح الدين كثرة وقوة وإذا أخذ طبرية لا يمكنه المقام بها فمتى فارقها وعاد عنها أخذناها وإن أقام بها لا يقدر على المقام بها إلا بجميع عساكره ولا يقدرون على الصبر طول الزمان عن أوطانهم وأهليهم فيضطر إلى تركها ونفتك من أسر منا.
فقال له برنس أرناط صاحب الكرك: قد أطلت في التخويف من المسلمين ولا شك أنك تريدهم وتميل إليهم وإلا ما كنت تقول هذا وأما قولك: إنهم كثيرون فإن النار لا يضرها كثرة الحطب.
فقوي عزمهم على التقدم إلى المسلمين وقتالهم فرحلوا من معسكرهم الذي لزموه وقربوا من عساكر الإسلام فلما سمع صلاح الدين بذلك عاد عن طبرية إلى عسكره وكان قريبًا منه وإنما كان قصده بمحاصرة طبرية أن يفارق الفرنج مكانهم لتمكن من قتالهم.
وكان المسلمون قد نزلوا على الماء والزمان قيظ شديد الحر فوجد الفرنج العطش ولم يتمكنوا من الوصول إلى ذلك الماء من المسلمين وكانوا قد أفنوا ما هناك من ماء الصهاريج ولم يتمكنوا من الرجوع خوفًا من المسلمين فبقوا على حالهم إلى الغد وهو يوم السبت وقد أخذ العطش منهم.
وأما المسلمون فإنهم طمعوا فيهم وكانوا من قبل يخافونهم فباتوا يحرض بعضهم بعضًا وقد وجدوا ريح النصر والظفر وكلما رأوا حال الفرنج خلاف عادتهم مما ركبهم من الخذلان زاد طمعهم وجرأتهم فأكثروا التكبير والتهليل طول ليلتهم ورتب السلطان تلك الليلة الجاليشية وفرق فيهم النشاب.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق