إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 30 يوليو 2016

389 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر فتح برزية



389


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر فتح برزية

لما رحل صلاح الدين من قلعة الشغر سار إلى قلعة برزية وكانت قد وصفت له وهي تقابل حصن أفامية وتناصفها في أعمالها وبينهما بحيرة تجتمع من ماء العاصي وعيون تتفجر من جبيل برزية وغيره وكان أهلها أضر شيء على المسلمين يقطعون الطريق ويبالغون في الأذى فلما وصل إليها نزل شرقيها في الرابع والعشرين من جمادى الآخرة ثم ركب من الغد وطاف عليها لينظر موضعًا يقاتلها منه فلم يجد إلا من جهة الغرب فنصب له هناك خيمة صغيرة ونزل فيها ومعه بعض العسكر جريدة لضيق المواضع‏.‏

وهذا القلعة لا يمكن أن تقاتل من جهة الشمال والجنوب البتة فإنها لا يقدر أحد أن يصعد جبلها من هاتين الجهتين وأما الجانب الشرقي فيمكن الصعود منه لكن لغير مقاتل لعلوه وصعوبته وأما جهة الغرب فإن الوادي المطيف بجبلها قد ارتفع هناك ارتفاعًا كثيرًا حتى قارب القلعة بحيث يصل منه حجر المنجنيق والسهام فنزله المسلمون ونصبوا عليه المجانيق ورأيت أنا من رأس جبل عال يشرف على القلعة لكنه لا يصل منه شيء إليها امرأة ترمي من القلعة عن المنجنيق وهي التي بطلت منجنيق المسلمين فلما رأى صلاح الدين أن المنجنيق لا ينتفعون به عزم على الزحف ومكاثرة أهلها بجموعه فقسم عسكره ثلاثة أقسام‏:‏ يزحف قسم فإذا تعبوا وكلوا عادوا وزحف القسم الثاني فإذا تعبوا وضجروا عادا وزحف القسم الثالث ثم يدور الدور مرة بعد أخرى حتى يتعب الفرنج وينصبوا فإنهم لم يكن عندهم من الكثرة ما يتقسمون كذلك فإذا تعبوا وأعيوا سلموا القلعة‏.‏

فلما كان الغد وهو السابع والعشرون من جمادى الآخرة تقدم أحد الأقسام وكان المقدم عليهم عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي صاحب سنجار وزحفوا وخرج الفرنج من حصنهم فقاتلهم على فصليهم ورماهم المسلمون بالسهام من وراء الجفتيات والجنويات والطارقيات ومشوا إليهم حتى قربوا إلى الجبل فلا قاربوا الفرنج عجوزا عن الدنو منهم لخشونة المرتقى وتسلط الفرنج عليهم لعلو مكانهم بالنشاب والحجارة فإنهم كانوا يلقون الحجارة الكبار فتتدحرج إلى أسفل الجبل فلا يقوم لها شيء‏.‏

فلما تعب هذا القسم انحدروا وصعد القسم الثاني وكانوا جلوسًا ينتظرونهم وهم حلقة صلاح الدين الخاص فقاتلوا قتالًا شديدًا وكان الزمان حرًا شديدًا فاشتد الكرب على الناس وصلاح الدين في سلاحه يطوف عليهم ويحرضهم وكان تقي الدين ابن أخيه كذلك فقاتلوهم إلى قريب الظهر ثم تعبوا ورجعوا‏.‏

فلما رآهم صلاح الدين قد عادوا تقدم إليهم وبيده جماق يردهم وصاح في القسم الثالث وهم جلوس ينتظرون نوبتهم فوثبوا ملبين وساعدوا إخوانهم وزحفوا معهم فجاء الفرنج ما لا قبل لهم به وكان أصحاب عماد الدين قد استراحوا فقاموا أيضًا معهم فحينئذ اشتد الأمر على الفرنج وبلغت القلوب الحناجر وكانوا قد اشتد تعبهم ونصبهم فظهر عجزهم عن القتال وضعفهم عن حمل السلاح لشدة الحر والقتال فخالطهم المسلمون فعاد الفرنج يدخلون الحصن فدخل المسلمون معهم وكان طائفة قليلة في الخيام شرقي الحصن فرأوا الفرنج قد أهملوا ذلك الجانب لأنهم لا يرون فيه مقاتلًا وليكثروا في الجهة التي فيها صلاح الدين فصعدت تلك الطائفة من العسكر فلم يمنعهم مانع فصعدوا أيضًا الحصن من الجهة الأخرى فالتقوا مع المسلمين الداخلين مع الفرنج فملكوا الحصن عنوة وقهرًا ودخل الفرنج القلة التي للحصن وأحاط بها المسلمون وأرادوا نقبها‏.‏

وكان الفرنج قد رفعوا من عندهم من أسرى المسلمين إلى سطح القلة وأرجلهم في القيود والخشب المنقوب فلما سمعوا تكبير المسلمين في نواحي القلعة كبروا في سطح القلة وظن الفرنج أن المسلمين قد صعدوا على السطح فاستسلموا وألقوا بأيديهم إلى الأسر فملكها المسلمون عنوة ونهبوا ما فيها وأسروا وسبوا من فيها وأخذوا صاحبها وأهلها وأمست خالية لا ديار بها وألقى المسلمون النار في بعض بيوتهم فاحترقت‏.‏

ومن أعجب ما يحكى من السلامة أنني رأيت رجلًا من المسلمين على هذا الحصن قد جاء من طائفة من المؤمنين شمالي القلعة إلى طائفة أخرى من المسلمين جنوبي القلعة وهو يعدو في الجبل عرضًا فألقيت عليه الحجارة وجاءه حجر كبير لو ناله لبعجه فنزل عليه فناداه الناس يحذرونه فالتفت ينظر ما الخبر فسقط على وجهه من عثرة فاسترجع الناس وجاء الحجر إليه فلا قاربه وهو منبطح على وجهه لقيه حجر آخر ثابت في الأرض فوق الرجل فضبه المنحدر فارتفع عن الأرض وجاز الرجل ثم عاد إلى الأرض من جانبه الآخر لم ينله منه أذى ولا ضرر وقام يعدو حتى لحق بأصحابه فكان سقوطه سبب نجاته فتعست أم الجبان‏.‏

وأما صاحب برزية فإنه أسر هو وامرأته وأولاده ومنهم بنت له معها زوجها فتفرقهم العسكر فأرسل صلاح الدين في الوقت وبحث عنهم واشتراهم وجمع شمل بعضهم ببعض فلما قارب أنطاكية أطلقهم وسيرهم إليها وكانت امرأة صاحب برزية أخت امرأة بيمند صاحب أنطاكية وكانت تراسل صلاح الدين وتهاديه وتعلمه كثيرًا من الأحوال التي تؤثر



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق