إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 28 يوليو 2016

318 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر وفاة الملك الصالح وملك ابن عمه عز الدين مسعود مدينة حلب



318


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر وفاة الملك الصالح وملك ابن عمه عز الدين مسعود مدينة حلب

في هذه السنة في رجب توفي الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود صاحب حلب بها وعمره نحو تسع عشرة سنة ولما اشتد مرضه وصف له الأطباء شرب الخمر للتداوي فقال‏:‏ لا أفعل حتى أستفتي الفقهاء فاستفتى فأفتاه فقيه من مدرسي الحنفية بجواز ذلك فقال له‏:‏ أرأيت إن قدر الله تعالى بقرب الأجل أيؤخره شرب الخمر فقال له الفقيه‏:‏ لا فقال‏:‏ والله لا لقيت الله سبحانه وقد استعملت ما حرمه علي ولم يشربها‏.‏

فلما أيس من نفسه أحضر الأمراء وسائر الأجناد ووصاهم بتسليم البلد إلى ابن عمه عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي واستحلفهم على ذلك فقال له بعضهم‏:‏ إن عماد الدين ابن عمك أيضًا وهو زوج أختك وكان والدك يحبه ويؤثره وهو تولى تربيته وليس له غير سنجار فلو أعطيته البلد لكان أصلحن وعز الدين له من البلاد من نهر الفرات إلى همذان ولا حاجة به إلى بلدك فقال له‏:‏ إن هذا لم يغب عني ولكن قد علمتم أن صلاح الدين قد تغلب على عامة بلاد الشام سوى ما بيدي ومتى سلمت حلب إلى عماد الدين يعجز عن حفظها وإن ملكها صلاح الدين لم يبق لأهانا معه مقام وإن سلمتها إلى عز الدين أمكنه حفظها بكثرة عساكره وبلاده‏.‏

فاستحسنوا قوله وعجبوا من جودة فطنته مع شدة مرضه وصغر سنه‏.‏

ثم مات وكان حليمًا كريمًا عفيف اليد والفرج واللسان ملازمًا للدين لا يعرف له شيء مما يتعاطاه الملوك والشباب من شرب خمر أو غيره حسن السيرة في رعيته عادلًا فيهم‏.‏

ولما قضى نحبه أرسل الأمراء إلى أتابك عز الدين يستدعونه إلى حلب فسار هو ومجاهد الدين قايماز إلى الفرات وأرسل فأحضر الأمراء عنده من حلب فحضروا وساروا جميعًا إلى حلب ودخلها في العشرين من شعبان وكان صلاح الدين حينئذ بمصر ولولا ذلك لزاحمهم عليها وقاتلهم فلما اجتاز طريقه إلى الفرات كان تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين بمدينة منبج فسار عنها هاربًا إلى حماة وثار أهل حماة ونادوا بشعار عز الدين فأشار عسكر حلب على عز الدين بقصد دمشق وأطمعوه فيها وفي غيرها من بلاد الشام وأعلموه محبة أهلها له ولأهل بيته فلم يفعل وقال‏:‏ بيننا يمين فلا نغدر به وأقام بحلب عدة شهور ثم سار عنها إلى الرقة‏.‏

وأخذ سنجار عوضًا عنها لما وصل عز الدين إلى الرقة جاءته رسل أخيه عماد الدين صاحب سنجار يطلب أن يسلم إليه حلب ويأخذ عنها مدينة سنجار فلم يجبه إلى ذلك ولج عماد الدين وقال‏:‏ إن سلمتم إلي حلب وإلا سلمت أنا سنجار إلى صلاح الدين فأشار حينئذ جماعة من الأمراء بتسليمها إليه وكان أشدهم في ذلك مجاهد الدين قايماز فلم يمكن عز الدين مخالفته لتمكنه في الدولة وكثرة عساكره وبلاده وإنما حمل مجاهد الدين على ذلك خوفه من عز الدين لأنه عظم في نفسه وكثر معه العسكر‏.‏

وكان الأمراء الحلبيون لا يلتفتون إلى مجاهد الدين ولا يسلكون معه من الأدب ما يفعله عساكر الموصل فاستقر الأمر على تسليم حلب إلى عماد الدين واخذ سنجار بدلًا عنها فسار عماد الدين فتسلمها وسلم سنجار إلى أخيه وعاد إلى الموصل‏.‏

وكان صلاح الدين بحلب قد وصله خبر ملك عز الدين حلب فعظم عليه الأمر وخاف أن يسير منها إلى دمشق وغيرها ويملك الجميع وأيس من حلب فلما بلغه خبر ملك عماد الدين لها برز من يومه وسار إلى الشام وكان من الوهن على دولة عز الدين ما نذكره إن شاء الله‏.‏

كانت قلعة البيرة وهي مطلة على الفرات من أرض الجزيرة لشهاب الدين الآرتقي وهو أبن عم قطب الدين إيلغازي بن ألبي بن تورتاش بن إيلغازي بن ارتق صاحب ماردين وكان في طاعة نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام فمات شهاب الدين وملك القلعة بعده ولده وصار في طاعة عز الدين مسعود صاحب الموصل‏.‏

فلما كان هذه السنة أرسل صاحب ماردين إلى عز الدين يطلب منه أن يأذن له في حصر البيرة وأخذها فأذن له في ذلك فسار في عسكره إلى قلعة سميساط وهي له ونزل بها وسير العسكر إلى البيرة فحصرها فلم يظفر منها بطائل إلا أنهم لازموا الحصار فأرسل صاحبها إلى صلاح الدين وقد خرج من ديار مصر على ما نذكره يطلب منه أن ينجده ويرحل العسكر المارديني عنه ويكون هو في خدمته كما كان أبوه في خدمة نور الدين فأجابه إلى ذلك وأرسل رسولًا إلى صاحب ماردين يشفع فيه ويطلب أن يرحل عسكره عنه فلم يقبل شفاعته‏.‏

واشتغل صلاح الدين بما نذكره من الفرنج فلما رأى صاحب ماردين طول مقام عسكره على البيرة ولم يبلغوا منها غرضًا أمرهم بالرحيل عنها وعاد إلى ماردين فسار صاحبها إلى صلاح الدين وكان معه حتى عبر معه الفرات على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

في هذه السنة كثرت المنكرات ببغداد فأقام حاجب الباب جماعة لإراقة الخمور وأخذ المفسدات فبينما امرأة منهم في موضع علمت بمجيء أصحاب حاجب الباب فاضطجعت وأظهرت أنها مريضة وارتفع أنينها فرأوها على تلك الحال فتركوها وانصرفوا فاجتهدت بعدهم أن تقوم فلم تقدر وجعلت تصيح‏:‏ الكرب الكرب إلى أن ماتت‏.‏

وهذا من أعجب ما يحكى‏.‏

وفيها عاشر ذي الحجة توفي الأمير همام الدين تتر صاحب قلعة تكريت بالمزدلفة كان قد استخلف الأمير عيسى ابن أخي مودود وحج فتوفي ودفن بالمعلى مقبرة مكة‏.‏

وفيها في شعبان توفي عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن أبي سعيد أبو البركات النحوي المعروف بابن الأنباري ببغداد وله تصانيف حسنة في النحو وكان فقيهًا صالحًا‏.‏

وفيها توفي إبراهيم بن مهران الفقيه الشافعي بجزيرة ابن عمر وكان فاضلًا كثير الورع‏.‏


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق