إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 630 من حمية معاوية


( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 630


 من حمية معاوية
 
  فأما خبر معاوية وما ذكرناه من خبر الرجل الذي أسرَ البطريق من مدينة القسطنطينية، فهو أن المسلمين غَزَوْا في أيام معاوية، فأسر جماعة منهم، فأوقفوا بين يدي الملك، فتكَلم بعض أسارى المسلمين، فدنا منه بعض البطارقة ممن كان واقفاً بين يدي الملك فلَطَمَ حُرَّ وجهه فآلمه- وكان رجلًا من قريش- فصاح: وا إسلاماه، أين أنت عنا يا معاوية. إذ أهملتنا وضيعت ثغورنا وحكمت العدو في ديارنا وعمائنا وأعراضنا، فنمي الخبر إلى معاوية فآلمه، وامتنع من لذيذ الطعام والشراب، فخلا بنفسه وامتنع من الناس، ولم يظهر ذلك لأحد من المخلوقين، ثم أجمل الأمر في إعمال الحيلة بإقامة الفداء بين المسلمين والروم إلى أن فادى بذلك الرجل، فلما صار الرجل إلى دار الِإسلام دعاه معاوية فبره وأحسن إليه، ثم قال له: لم نهملك ولم نضيعك ولا أبَحْنا عمك وعرضك، ومعاوية مع ذلك يجيل الرأي ويعمل الحيلة، ثم بعث إلى رجل من ساحل دمشق من مدينة صور، وكان به عارفاً، كثير الغزوات في البحر، صملّ من الرجال، مرطان بالرومية، فأحضره وخَلَا به وأخبره بما قد عزم عليه، وسأله إعمال الحيلة فيه والتأتي له فتوافقا على أن يدفع للرجل مالاً عظيماً يبتاع به أنواعاً من الطّرَفِ والمُلَح والجهاز والطيب والجوهر وغير ذلك، وابّتني له مركب لا يلحق في جريه سرعة، ولا يدرك في مسيره بنياناً عجيباً، فسار الرجل حتى أتى مدينة قبرس فاتصل برئيسها وأخبره أن معه جارية للملك، وأنه يريد التجارة إلى القسطنطينية، قاصداً إلى الملك وخواصه بذلك، فروسِلَ الملك بذلك، وأعلم بحال الرجل، فأذن له في الدخول، فدخل خليج القسطنطينية، وسار فيه حتى انتهى إلى القسطنطينية، وقد أتينا على مقدار مسافة هذا الخليج، واتصاله بالبحر الرومي وبحر مانطس عند ذكرنا البحار فيما سلف من هذا الكتاب. فلما وصل إلى القسطنطينية أهدى للملك وجميع بطارقته، وبايعهم وشاراهم، ولم يعط للبطريق الذي لطمَ وجه القرشي شيئاً، وقصده إلى ذلك البطريق الذي لطم الرجل القرشي، وتأتى الصوري في الأمر على حسب ما رسمه له معاوية، وأقبل الرجل من القسطنطينية إلى الشام، وقد أمره البطارقة والملك بابتياع حوائج ذكرها، وأنواع من الأمتعة وصفوها، فلما صار إلى الشام سار إلى معاوية سراً، وذكر له من الأمر ما جرى، فابتيع له جميع ما طلب منه وما علم أن رغبتهم فيه، وتقدم إليه فقال: إن ذلك البطريق إذا عُدت إلى كرتك هذه سيعذلك عن تخلفك عن بره واستهانتك به، فاعتفر إليه ولاطفه بالقصد والهدايا، واجعله القيم بأمرك، والمتفقد لأحوالك، وانظر ماذا يطلب منك حين أوْ بِكَ إلى الشام، فإن منزلتك ستعلو وأحوالك تزداد عندهم، فإذا أتقنت جميع ما أمرتك به وعلمت غرض البطريق منك وأي شيء يأمرك بابتياعه لتكون الحيلة بحسب ذلك، فلما رجع الصوري إلى القسطنطينية ومعه جميع ما طلب منه والزيادة على ما لم يطلب منه زادت منزلته وارتفعت أحواله عند الملك والبطارقة وسائر الحاشية، فلما كان في بعض الأيام وهو يريد الدخول إلى الملك قبض عليه ذلك البطريق في دار الملك وقال له: ما ذَنْبِي إليك. وبماذا استحقِّ غيري أن تقصده وتقضي حوائجه وتُعْرِض عني. فقال له الصوري: أكثر من ذكرت ابتدأني وأنا رجل غريب أدخل إلى هذا الملك والبلد كالمتنكر من أساري المسلمين وجواسيسهم، لئلا ينمُّوا بخبري ويعنوا بأمري إلى المسلمين فيكُون في ذلك فَقدِي، وإذ قد علمت ميلك إليَّ فلست أحب أن يعتني بأمري سواك ولا يقوم به عند الملك وغيره غيرك، فأمُرْنِي بجميع حوائجك وجميع ما يعرض من أمورك بأرض الإِسلام.
 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق