( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 661
دَرِينِي تجئني مِيتَتِي مطمـئنة ولم أتَجَشَّم هَوْل تلك الموارد
فإنَّ نفيسات الأُمور مَـشُـوبة بمستوعاتٍ في بطون الأساود
وإن الّذي يسمو إلى دَرَك العلا مُلَقًّى بأسباب الردى والمكايد فقال له بعض ندمائه وقد أخذ منه الشراب: يا سيدي، أين أنت عما تمثل به يزيد بن المهلب:
تأخّرْتُ أستبقي الحياة فلم أجِدْ حياةً لنفسي مِثْلَ أن أتَقَدَمَـا فقال له عبد الواحد: مَهْ، لقد أخطأت الغرض، وأخطأ ابن المهلب، وأخطأ قائل هذا البيت، وأصاب أبو فرعون التميمي حيث يقول، قال النديم: حيث يقول ماذا. قال:
وما بيَ شيء في الوغى غير أنني أخاف على فَخارتي أن تحطمـا
ولو كنت مُبْتاعاً من السوق مثلهـا لَدَى الروع ما باليت أن أتقـدمـا فلما انتهى ذلك إلى المكتفي ضحك، وقال: قد قلت للقاسم ليس عَمْي عبدُ الواحد ممن تسمو همته إليها، هذا قول مَنْ ليس له همة غيم فرجه وجوفه وأمرد يعانقه وكلاب يهارش بها وكباش يناطح بها وديوك يقاتل بها، أطلقوا لعمى كذا وكذا، فلم يزل القاسم بعبد الواحد حتى قتله.
وقد كان المكتفي لما أن مات القاسم وتبين قتله لعبد الواحد أراد نبش القاسم من قبره، وضَرْبه بالسوط، وَحَرْقه بالنار، وقد قيل غير ذلك، والله أعلم.
مقتل ابن الرومي
وممن أهلكه القاسم بن عبيد اللّه على ما قيل بالسم في خشكنانجة علي بن العباس بن جُرَيْج الرومي، وكان منشؤه ببغداد ووفاته بها، وكان من مختلفي معاني الشعراء، والمجودين في القصير والطويل، متصرفاً في المذهب تصرفاً حسناً، وكان أقل أدواته الشعر، ومن محكم شعره وجيده قولُه:
رأيت الدهر يَجْرَحُ ثم يَأْسُو يعوض أو يُسَلِّي أو يُنَسـي
أبَتْ نفسي الهلوع لفَقْد شيءٍ كَفَى حَزَناً لنفسي فَقْدُ نفسي ومن قوله العجيب الذي ذهب إلى معاني فلاسفة اليونانيين وَمَنْ مَهَرَ من المتقدمين قوله في القصيدة التي قالها في صاعد بن مخلد:
لما تُؤْذِنُ الدنيا به من زوالهـا يكونُ بكاءُ الطِّفْل سَاعَةَ يُوضَعُ
وإلا فما يُبْكِيهِ منهـا، وإنـهـا لأفسحُ مما كان فيه وَأوْسَـعُ. ومما دقَّ فيه فأحسن وذهب إلى معنى لطيف من النظر على ترتيب الجدليين وطريقة حُذَّاق المتقدمين قوله:
غموض الشيء حين تَذَبُّ عنه يقلل ناصر الخصم المحقـق
تضيقُ عقولُ مستمعيه عنـه فيقضي للمجل على المدقق ومما أجاد فيه في وصف القناعة قولُه:
إذا ما شئت أن تعلم يوماً كذب الشهوه
فَكُلْ ما شئت يصدرك عن الـمـرة والــحـــلـــوه
وَطَـأ مـا شـئت يحـصــنـــك عن الحـسـنـاء فـي الـخَـلْـوه
وكـم أنْـسَـاك مـا تـــهـــوا ه نـيلُ الـشـيء لـم تَــفـــوَهْ وقوله:
بأبي حسنُ وجهك اليوسفيِّ يا كفيَّ الهوى وفوق الكَفِيِّ
فيه وَرْدٌ ونرجسٌ، وعجيب اجتماع الشتوي والصيفـي وقوله في العنب الرازقي:
ورازقِيٍّ مُخْطَف الخصور كأنه مخازن الـبـلـور
ألين في المس من الحرير وَرِيحُهُ كماءِ وَرْدٍ جوري
لو أنه يبقى على الدهـور لقَرَّطُوه للحسان الحـور ولابن الرومي أخبار حسان مع القاسم بن عبيد الله الوزير، وأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش النحوي، وأبي إسحاق الزجَاج النحوي.
وكان ابن الرومي الأغلب عليه من الأخلاط السوداء، وكان شَرِهاً نَدماً، وله أخبار تدل على ما ذكرناه من هذه الجمل مع أبي سهل إسماعيل بن علي النُّوبَخْتي وغيره من آل نوبخت.
وفاة جماعة من الأعيان
وفي سنة تسعين ومائتين مات عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، يوم السبت لعشر بَقِينَ من جمادى الآخرة.
وفي سنة إحدى وتسعين ومائتين كانت وفاة أبي العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب، ليلة السبت لثمان بَقِينَ من جمادى الأولى، ودُفن في مقابر باب الشام في حجرة اشتريت له، وَخَلَّف إحدى وعشرين ألف درهم وألفي دينار، وغلة بشارع باب الشام قيمتها ثلاثة آلاف دينار.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق