( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 676
وممن تأخر موته بعد موت ابن دُرَيد العُمَاني أبو عبد اللّه المفجع، وكان كاتباً شاعراً بصيراً بالغريب، وهو صاحب الباهلي المصري الذي كان يناقض ابن درَيد، فمما جَوَّدَ فيه المفجع قوله:
ألا طرب الفؤاد إلـى رُدَيْنِ ودون مزارها ذو الجهلتين
ألَمَّ خَيَالها وَهْناً بـرحْـلـي فولّى رعية الشرطين عيني وقد أتينا على ما كان في أيام القاهر- مع قصر مدته- من الكوائن في الكتاب الأوسط، فمنع ذلك من ذكره في هذا الكتاب.
ذكر خلافة الراضي باللّه
وبويع الراضي باللّه محمدُ بنُ جعفرٍ، المقتدرُ، ويكنى أبا العباس، يوم الخميس لست خَلَوْنَ من جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، فأقام في الخلافة إلى أن مضى من ربيع الأول عشرةُ أيام، سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، ومات حَتْفَ أنْفِهِ بمدينة السلام، وكانتً خلافته ست سنين وَأحَدَ عَشَرَ شهراً وثلاثة أيام، وأُمُّه أُم ولد يُقال لها ظَلُوم.
ذكر جمل من أخباره وسيره
ولمع مما كان في أيامه
وزراؤه
وَاسْتَوْزر الراضي أبا علي محمد بن علي بن مُقْلَةَ، ثم اسْتَوْزر أبا علي عبد الرحمن بن عيسى بن داود بن الْجَرَّاح، ثم أبا جعفر محمد بن القاسم الكَرْخِي، ثم أبا القاسم سليمان بن الحسن بن مَخْلَد، ثم أبا الفتح الفضل بن جعفر بن الفُرَات، ثم أبا عبد الرحمن بن محمد البريدي.
من شعر الراضي
وكان الراضي أديباً شاعراً ظريفاً، وله أشعار حِسَانٌ في معانٍ مختلفة، إن لم يكن ضَاهَى بها ابن المعتز فما نقص عنه، فمن ذلك قوله في وصف حاله وحال معشوقه إذا التقيا:
يصفرُّ وجهي إذا تَـأَمَـلـه طرفي ويحمرُّ وَجْهه خجلا
حتى كأنَّ الذي بوَجْـنَـتـه من دم وجهي إليه قد نقـلا ومن جيد شعره قوله:
يا رُبَّ ليل قد دنا مَـزَارُه يسترني ومؤنسي أزراره
سَاقٍ مليحُ القد كـدجـاره سراجه ووجهه مـنـاره
يشهد لي ببـذلـه زُنَّـاره تَاهَ بخد ظَهَرَ احْـمِـرَاره
مَاسَ مع الحمرة جُلّنَـارُهُ أيَّ كثيب قد حوى إزَارُهُ.
وأي غصن ضُمِّنَتْ أزراره طَوْع الكؤوس غَرَّه عذاره
إخفاؤه تعـتـاده أمـراره لا كان لهو لم يثر غبـاره وقد كان أبو بكر الصولي يروي كثيراً من أشعار الراضي، ويذكر حسن أخلاقه وجميل أخباره، وارتياضه بالعلم وفنون الأدب، وإشرافه على علوم المتقدمين، وخوْضه في بحار الجدليين من أهل الدراية والمتفلسفين.
من محاسن الصولي أبي بكر
وذكر أن الراضي رأى في بعض منتزهاته بالثريا بستاناً مُونقاً، وزهراً رائقاً، فقال لمن حضر من ندمائه: هل رأيتم أحسن من هذا. فكل قال أشياء ذهب فيها إلى مدحه ووصف محاسنه، وأنها لا يفي بها شيء من زهرات الدنيا، فقال: لعبُ الصولي الشطرنج واللّه أحسن من هذا الزهر ومن كل ما تصفون.
وذكر أن الصولي في بَدْء دخوله إلى المكتفي، وقد كان ذكر له بجودة لعبه الشطرنج، وكان الماوردي اللاعب مقدماً عنده، متمكناً من قلبه معجباً بلعبه، فلعبا جميعاً بحضرة المكتفي، فحمل المكتفي حسن رأيه في الماوردي وتقم الحرمة والألفة على نصْرَته وتشجيعه حتى أدهش ذلك الصولي في أول وَهْلَة، فلما اتصل اللعب بينهما وجمعِ له الصولي غايته وقصد قصده، غلبه غلباً لا يكاد يرد عليه شيئاً، وتبين حسن لعبه للمكتفي، فعدل عن هواه ونصره للماوردي، وقال له: صار ماء وردك بَوْلاً.
قال المسعودي: وقد تناهى بنا الكلام وتغلغل بنا التصنيف إلى جمل من أخبار الشطرنج، وما قيل فيها، مع ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب عند ذكرنا لأخبار الهند ومبادئ اللعب بالشطرنجِ والنرد، واتصال ذلك بالأجسام العُلوية والأجرام السماوية، فلنذكر جملاً مما ذكر في ذلك، مما لم يتقدم له ذكر فيما سلف من هذا الكتاب.
الخليل بن أحمد
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق