( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 692
وعلم ابن شيرزاد استثقال المستكفي لغلام توزون؛ فأخبر توزون بذلك فأعفاه منه، وأزاله عن خدمته.
مسامرة في وصف الخمر
وحَدَّثَ أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق المعروف بابن الوكيل البغدادي قال: كان أبي قديماً في خدمة المكتفي، فلما كان من أمره ما اشتهر، صرت في خدمة ابنه عبد اللّه بن المكتفي، فلما أفْضَتِ الخلافة إليه كنت أخَصِّ الناس به؛ فرأيته في بعض الأيام وعنده جماعة من ندمائه ممن كان يعاشرهم قبل الخلافة من جيرانه بناحية دار ابن طاهر، وقد تذاكروا الخمر وأفعالها، وما قال الناس فيها من المنثور والمنظوم، وما وصفت به، فقال بعض مَنْ حضر: يا أمير المؤمنين، ما رأيت أحداً وصف الخمرة بأحسن من وصف بعض من تأخر؛ فإنه ذكر في بعض كتبه في الشراب ووصفه أنه ليس في العالم شيء واحد أخذ من أمهاته الأربع فَضِيلَتَهَا وابتزَهَا أكرم خواصها إلا الخمرة؛ فلها لون النار، وهو أحسن الألوان، وَلدُونَة الهواء، وهي ألين المجسَّاتِ، وعذوبة الماء، وهي أطيب المذاقات، وَبَرْدُ الأرض، وهي ألذ المشروبات، قال: وهذه الأربع وإن كُنَّ في جميع المآكل والمشارب متركبة فليس الغالب عليه ما وصفنا من الغالب على الخمر، قال واصفها: قد قلت في اجتماع الصفات التي ذكرنا فيها:
لست أرى كالراح في جَمْعِهَا لأربع هُـنَّ قِـوَامُ الـورى
عذوبة الماء ولـينُ الـهـوا وسخنة النار وبرد الـثـرى
ولما كانت الراح بالموضع الذي وصفناها به، من الفضل على سائر ما ينال من هذه الدنيا، كانت الأوصاف أحسن لها من سائر ما ينال ويوصف من صنوف اللذات والمدح بها بما تبعث من فنون الشهوات.
قال: فأما شعاع الخمر فإنه يشبه بكل شيء نوري، من شمس وقمر ونجم ونار، وغير ذلك من الأشياء النورية، فأما لونها فيحتمل أن يشبه بكل أحمر في العالم وأصفر، من ياقوت وعقيق وذهب، وغير ذلك من الجواهر النفيسة والحلى الفاخرة. قال: وقد شبهها الأولون بدم الذبيح، ودم الجَوْفِ، وشبهها غيرهم بالزيت والرازقي وغيرهما، وتشبيهها بالجوهر الأكرم أفضل لها، وأحسن في مدحها.
قال: فأما صفاؤها فيحتمل أن يشبه بكل ما يقع عليه اسم الصفاء وقد قال بعض الشعراء المتقدمين في صفائها:
تُرِيكُ القَذَى من دونها وَهْيَ دونه وهذا أحسن ما قاله الشعراء في وصف الخمر، قال: وقد أتى أب نُوَاسٍ في وصفها ووصف طعمها وريحها وحسنها ولونها وشعاعها وفعلها في النفس وصفة آلاتها وظروفها وأدْنَانِهَا، وحال المنادمات عليها والاصطباح، والاغتباق، وغير ذلك من أحوالها، بما يكاد يغلق به باب وصفها، لولا اتِّسَاع الأوصاف لها، واحتمالها إياها، وأنّها لا تكاد تحصر ولا يبلغ إلى غاياتها، قال: وقد وصف أبو نُوَاسٍ نورها فقال:
فكأنها في كـفـه شمس وراحته قمر
وقال:
فعلت في البيت إذ مُزِجَتْ مثل فعل الصبح في الظُّلَم
فاهتدى سَاري الظَّلاَم بهَـا كاهتداء السَّفْرِ بِالـعـلـم وقال أيضاً:
بنت عشر صَفَتْ ورقَّتْ فلو صبَّتْ على الليل راح كل ظلام وقال أيضاً:
إذا عَبَّ فيها شاربُ القوم خِلْتَـه يُقَبِّلُ في داج من الليل كَوْكَـبَـا
ترى حيثما كانت من البيت مشرقاً وما لم تكن فيه من البيت مغربا وقال أيضاً:
وكأن شاربها لفَرْطِ شعـاعـهـا في الكأس يكرع في ضِيَا مقباس وقال أيضاً:
فقلت له: ترفق بي فـإنـي رأيت الصبح من خلل الديار
فقال تعجباً منـي: أصُـبْـحٌ ولا صبح سوى ضوء العُقَارِ
وقام إلى الدنان فَسَدَ فـاهـا فعاد الليل مصبـوغ الِإزار وقال أيضاً:
وحمراء قبل المزج صفراء دونه كأن شعاع الشمس يلقاك دونهـا وقال:
كأن ناراً بها مُحَرَّشة تهابها تارة وتخشاها وقال أيضاً:
حمراء لولا إنكسار الماء لاختطفت نور النواظر من بين الحمـالـيق وقال أيضاً:
ينقضًّ منها شعاع كلما مزجـت كالشُّهْبِ تنقضُّ في إثْر العفاريت وقال:
عُتَقَتْ في الدنان حتى استفـادت نور شمس الضحى وبَرْدَ الظلام وقال:
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق