( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 660
ظهور القرمطي بالشام
في سنة تسبع وثمانين ومائتين ظهر القِرْمِطِيُ بالشام، وكان من حروبه مع طغج وعساكر المصريين ما قد اشتهر خبره، وقد أتيا على ذكره فيما سلف من كتبنا وما كان من خروج المكتفي إلى الرقة وأخذ القَرَامِطة وذلك في سنة إحدى وتسعين ومائتين، وكذلك ما كان من ذكرويه بل مهرويه ووقوعه بالحاج في سنة أربع وتسعين ومائتين إلى أن قتل وأدخل إلى مدينة السلام.
فداء الغدر وفداء التمام
قال المسعودي: وكان فداء الغدر في ذي القعدة من سنة اثنتين وتسعين ومائتين باللامس بعد أن فادوا بجماعة من المسلمين والروم، ثم إن الروم غدروا بعد ذلك، وكان فداء التمام باللامس بين الروم والمسلمين على التمام في شوال من سنة خمس وتسعين ومائتين، والأمير في الفداءين جميعاً رستم وكان على الثغور الشامية، فكان عِدَّة من فدى من المسلمين في فداء ابن طغان في سنة ثلاث وثمانين ومائتين- على حسب ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب من ذكره- ألفي نفس وأربعمائة وخمساً وتسعين نفساً من ذكر وأنثى- وكان عدة من فدى به من المسلمين في الغمر ألفاً ومائة وأربعاً وخمسين نفساً، وعمد من فودي به في فداء التمام ألفين وثمانمائة واثنتين وأربعين نفساً.
مالية الدولة
ومات المكتفي وقد خَلّف في بيوت الأموال من العَيْنِ ثمانية آلاف ألف دينار ومن الوَرِق خمسة وعشرين ألف ألف درهم ومن الدواب والبغال والجمازات وغيرها تسعة آلاف رأس، وكان مع ذلك بخيلاً ضيقاً.
وأخبرنا أبو الحسن أحمد بن يحيى المنجم المعروف بابن النديم، وكان من حُذّاق أهل النظر والبحث وأهل الرياسة من أهل التوحيد والعدل، وفي أخيه علي بن يحيى يقول أبو هفان:
لِرَبِيع الزمان في الْحَوْل وقت وابْنُ يحيى في كل وقْتٍ رَبيع
رجل على المـكـارم سُـوق يَشْترِي دَهْرَه ونحن نـبـيع
وظيفته من الطعام
قال: وكانت وظيفة المكتفى باللّه عشرة ألوان في كل يوم، وجَدْيٌ في كل جمعة، وثلاث جامات حلواء، وكان يردد عليه الحلواء، وكان على مائدته بعض خدمه، وأمره أن يحصى ما فضل من الخبز، فما كان من المكسر عزله للثريد، وما كان من الصحاح رُدَ إلى مائدته من الغد، وكذلك كان يفعل بالبوارد والحلواء.
نهب ضياعاً من أهلها
وأمر أن يتخذ له قصر بناحية الشماسية بإزاء قطربل، فأخذ بهذا السبب ضياعاً كثيرة ومَزَارع كانت في تلك النواحي بغير ثمن من مُلاَّكها، فكثر الداعي عليه، فلم يستتم ذلك البناء حتى توفي، وكان هذا الفعل مشاكلاً لفعل أبيه المعتضد- في بناء المطامير.
قسوة وزيره
وكان وزيره القاسم بن عبيد اللّه عظيم الهيبة، شديد الِإقدام، سفاكاً للدماء، وكان الكبير والصغير على رعب وخوف منه، لا يعرف أحد منهم لنفسه نعمة معه.
وفاة الوزير
وكانت وفاته عشية الأربعاء لعشر خلون من ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين ومائتين، وله نيف وثلاثون سنة؛ ففي ذلك يقول بعض أهل الأدب، وأراه عبد اللّه بن الحسن بن سعد:
شربنا عَشِيّةَ مات الوزير ونَشْرَب يا قوم في ثالثه
فلا قدَّسَ اللّه تلك العظامَ ولا بارك اللّه في وارثه
مقتل عبد الواحد بن الموفق
وكان ممن قتل القاسم بن عبيد اللّه عبد الواحد بن الموفق، وكان معتقلاً عند مؤنس الفحل فبعث إليه حتى أخذ برأسه، وذلك في أيام المكتفي، وقد كان المعتضد يُعِزًّه ويميل إليه ميلاً شديداً، ولم يكن لعبد الواحد همة في خلافة ولا سمو إلى رياسة، بل كان همته في اللعب مع الأحداث، وقد كان المكتفي أخبر أنه راسل عمة من غلمانه الخاصة، وكل به مَنْ يراعي خبره وما يظهر من قوله إذا أخذ الشراب منه، فسمع منه وقد طرب وهو ينشد شعر العتابي حيث يقول:
تلوم على تَرْك الغِنَـى بـاهـلـيَّةٌ طَوَى الدهر عنها من طريف وتالد
رَأتْ حَوْلَهَا النسوان يمشين خلـسة مُقَـلّـدَةً أجـيادُهَـا بـالـقـلائد
أسَرَّكِ أني نلت ما نال جـعـفـر من الملك أو ما نال يحيى بن خالد
وأن أمير المؤمنـين أغَـصـنِـي مُعَصَّهُمَا بالْمُرْهَفَـاتِ الـبـوادر
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق