إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 636 ثورة تنتهي بموت الموفق وقيام المعتضد


( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 636


 ثورة تنتهي بموت الموفق وقيام المعتضد
 

  وكان أبو العباس المعتضد محبوساً فلما خرج أبوه الموفق إلى الجبل خلفه بدار الوزير إسماعيل بن بلبل، وكان مضُيّقاً عليه، إلى أن وافى الموفق من أذربيجان عليلاً مدنفاً مورماً في بيت من الخشب قد اتخذ له مبطناً بالخز والحرير وفي أسفله حلق قد جعل فيها الدهن فتحمله الرجال على أكتافها نوائب وكان وصوله إلى بغداد يوم الخميس لليلتين خَلَتَا من صفر سنة ثمان وسبعين. ومائتين، فأقام بمدينة السلام أياماً فاشتدت عِلّته؛ وأرجف بموته؛ وانصرف إسماعيل بن بلبل وقد يئس منه، فوجه إسماعيل بن بلبل إلى كفهمن، وقيل: إلى بكتمر- وكان موكلاً بالمعتضد بالمدائن، غلى أقل من يوم من مدينة السلام- أن ينصرف بالمعتضد والمفوض إلى الله ابنه إلى بغداد، فدخل المعتضد إليها في يومه، واتصل بإسماعيل صلاح الموفق، فانحدر ومعه المعتضد والمفوض في طيارة إلى دار ولده، وقد كان يأنس الخادم ومؤنس الخادم وصافي الحرمي وغيرهم من خدم الموفق وغلمانه، أخرجوا أبا العباس من الموضع الذي كان فيه محبوسا، وساروا به إلى الموفق، وأحضر إسماعيل بن بلبل والمعتضد والمفوض معه، وكثر اضطراب القوَاد والموالي، وأسرعت العامة وسائر الخدم في النهب، فانتهبوا دار إسماعيل بن بلبل، ولم تبق دار جليل ولا كاتب نبيل إلا نهبوها، وفتحت الجسور، وأبواب السجون، ولم يبق أحد في المطبق ولا في الحديد إلا أخرج، وكان أمراً فظيعاً غليظاً، وخدم على أبي العباس، وعلى إسماعيل بن بلبل، وانصرف كل واحد منهما إلى منزله، فلم يجد إسماعيل في داره ما يقعد عليه، حتى وَجَّه إليه الشاه ابن ميكال ما قعد عليه، وقام بأمر طعامه وشرابه، وقد كان إسماعيل أسْرَعَ في بيوت الأموال، وأسرف في النفقات والجوائز والخلع والعطايا، وأمَدَّ العرب وأجزل لهم الأنزال والأرزاق، واصطنع بني شيبان من العرب وغيرهم من ربيعة، وكان يزعم أنه رجل من بني شيبان، وطالَبَ بخراج سًنَةٍ مبهمة، فثقل على الرعية، وكثر الداعي عليه، ومكث الموفق بعد ذلك ثلاثة أيام، ثم توفي ليلة الخميس، لثلاث بقين من صفر سنة ثمان وسبعين، ومات وله تسع وأربعون سنة، وأمه أم ولد روميّة، يقال لها: أسحر، وكان اسم الموفق طلحة، وفيه يقول الشاعر:         
  لما استظل بظل الملك واجتمعت                      له الأمورِ فمنقاد ومقـسـور
  حُطَتْ عليه لمقـدارٍ مَـنـيتُـه                      كذاك تَصْنعُ بالناس المـقـاديرُ فلما مات الموفق قام المعتضد بأمور الناس في التدبير فكان أبيه الناصر، وهو الموفق، وخلع جعفر المفوض من ولاية العهد، وقام إسماعيل بن بلبل في الوزارة بعد شغب كثير كان في مدينة السلام، وكان لأبي عبد اللّه بن أبي الساج ولخادمه وصيف خطب جليل، وقيد إسماعيل بن بلبل، ووجه أبو العباس إلى عبد اللّه بن سليمان بن وهب فأحضره وخلع عليه ورد إليه أمر كتابه، وذلك في يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر سنة ثمان وسبعين ومائتين، ولم يزل إسماعيل بن بلبل يعذّبُ بأنواع العذاب، وجعل في عنقه غل فيه رمانة حديد، والغل والرمانة مائة وعشرون رطلاً، وألبس جبة صوف قد صيرت في ودك الأكارع، وعلق معه رأس ميت؛ فلم يزل على ذلك حتى مات في جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين ومائتين، ودفن بِغُلِّهِ وقيوده، وأمر المعتضد بضرب جميع الآنية التي كانت في خزانته، فضربت وفرقت في الجند.

 غداء المعتمد الذي مات عقيبه

 قال المسعودي: وقد كان المعتمد قعد للغداء واصطبح يوم الاثنين لِإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب الفرد سنة تسع وسبعين ومائتين، فلما كان عند العصر قدم الطعام، فقال: يا موشكيره- للموكل به- ما فعلت الرؤوس بأرقابها. وقد كان قم من الليل أن يقدم له رؤوس حملان، وقد فصل فيها أرقابها، فقدمت، وكان معه على المائدة رجل من ندمائه وسُمَّاره يعرف بقف الملقم. ورجل يعرف بخلف المضحك؛ فأول من ضرب بيده إلى الرؤوس الملقم، فانتزع أذن واحد منها، ولقمه في الرقاق، وغمسها في الأصباغ، وأهوى بها إلى فِيهِ، وأمعن في الأكل وأما المضحك فإنه يقتلع اللهازم والأعين، فأكلوا وأكل المعتمد، وأتموا يومهم؛ فأما الملقم صاحب اللقمة الأولى فإنه تهرأ في الليل، وأما المضحك فإنه مات قبل الصباح، وأما المعتمد فأصبح ميتاً قد لحق بالقوم.
 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق