( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 644
بين وصيف وعمرو بن عبد العزيز
وفي سنة إحدى وثمانين ومائتين كانت الحرب بين وصيف خادم ابن أبي الساج وعمرو بن عبد العزيز ببلاد الجبل، وكان من أمره ما ذكرنا فيما سلف من كتبنا، وكان المعتضد خرج في هذه السنة إلى الجبل لأمور بلَغته: منها قصة محمد بن زيد العلوي الحسيني صاحب بلاد طبرستان، فولّى ولده عليّاً المكتفي الري، وأنزله بها، وأضاف إليه قزوين وزنجان وأبهر وقم وهمذان، وانصرف المعتضد إلى بغداد وقد قلد عمرو بن عبد العزيز أصبهان وكرخ أبي دُلَفَ وفيها استأمن إلى المكتفي على كوره، وسار إلى المعتضد في عدة كثيرة، وفيها سار طغج بن شبيب أبو الِإخشيد صاحب مصر في هذا الوقت- وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة- في عساكر كثيرة من دمشق، فدخل طرسوس غازياً وافتتح ملوريه مما يلي بلاد برغوث وعرب الراهب.
وفي هذه السنة نزل المعتضد على حمدان بن حمدون وقد تحصن في القلعة المعروفة بالصوارة نحو عين الزعفران، وسارع إسحاق بن أيوب العنبري إلى طاعة المعتضد، ودخل في عسكره، واستأمن الحسين بن حمدان بن حمدون ومن كان معه من أصحابه إلى المعتضد، وقد أتينا على خبر حمدان بن حمدون وما كان من أمره وصعوده الجبل الجودي وعبوره دجلة وكاتبه النصراني ودخول عسكر المعتضد ليلاً إلى إسحاق بن أيوب حتى أتى به إلى المعتضد، وإخراب المعتضد لهذه القلعة، وقد كان حمدان أنْفَقَ عليها أموالاً جليلة، وهو حمدان بن حمدون بن الحارث بن منصور بن لقمان، وهو جد أبي محمد الحسن بن عبد اللّه الملقب بناصر الدولة في هذا الوقت- وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة- وما كان من الحسين بن حمدان في طلبه هارونَ الشاري، وما كان من أخْذِ الحسين بن حمدان إياه، بعد هذا الموضع فيما يَرِدُ من هذا الكتاب.
مقتل أبي الجيش خمارويه
قال المسعودي: وفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين ذًبِحَ أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون بدمشق في ذي القعدة، وقد كان بَنَى في سفح الجبل أسفل من دير مروان قصراً، وكان يشرب فيه في تلك الليلة، وعنده طغج، وكان الذي تولى ذلك خادماً من خدميهم، وأتى بهم على أميال فقتلوا وصلبوا، ومنهم من رُميَ بالنشاب، ومنهم من شرح لحمه من أفخاذه وعجيزته، وأكله السودان من مماليك أبي الجيش.
الخصيان
وقد أتينا على أخبار الخدم من السودان والصقالبة والروم والصين، وذلك أن أهل الصين يَخْصُون كثيراً من أولادهم كفعل الروم بأولادهم، وما اجتمع عليه الخصيان من التضاد، وذلك لما حدث بهم من قطع هذا العضو، في كتابنا أخبار الزمان وما أحدثته الطبيعة فيهم عند ذلك كما قاله الناس فيهم وما ذكروه من الصفات.
وذكر المدائني أن معاوية بن أبي سفيان دخل ذات يوم على امرأته فاختة- وكانت ذات عقل وحزم- ومعه خصي، وكانت مكشوفة الرأس، فلما رأت معه الخصي غَطّتْ رأسها، فقال لها معاوية: إنه خصي، فقالت: يا أمير المؤمنين، أترى المثلة به أحلَّتْ له ما حرم اللّه عليه. فاسترجع معاوية. وعلم أن الحق ما قالته، فلم يُدْخِل بعد ذلك على حرمه خادماً، وإن كان كبيراً فانياً.
وقد تكلم الناس فيهم، وذكروا الفرق بين المجبوب والمسلوب، وأنهم رجال مع النساء ونساء مع الرجال، وهذا خَلْف من الكلام، وفاسد من المقال، بل هم رجال، وليس في عدم عضو من أعضاء الجسد ما يوجب إلحاقهم بما ذكروا، ولا عدم نبت اللحية محيلاً، لهم عما وصفوا، ومن زعم أنهم بالنساء أشبه فقد أخبر عن تغيير فعل الباري جل وعز، لأنه خَلَقَهم رجالاً لا نساء وذُكْرَانا، لا إناثاً، وليس في الجناية عليهم ما يلقب أعيانهم، ويزيل خَلقَ الباري جل وعز لهم، وقد قلنا في علة عدم نتن الآباط في الخدم وما قالته الفلاسفة فيما سلف من كتبنا، لأن الدم بطيء لا يوجد لآباطه رائحة، وهذا من فضائل الخدم.
نقل جثه خمارويه إلى مصر
وَحُمِلَ أبو الجيش في تابوت إلى مصر، وورد الخبر بذلك إلى مصر يوم الأحد لخمس ليال خَلَوْنَ من ذي الحجة، وكان ذبحه الأيام بقيت من ذي القعدة، فبويع لابنه جيش- وكان خماروَيه به يكنى- من الغد يوم الاثنين، وأتي بأبي الجيش إلى مصر، فأخرج من التابوت، وجعل على السرير، وذلك على باب مصر، وخرج ولده الأمير جيش، وسائر الأمراء والأولياء، فتقدم القاضي أبو عبد اللّه محمد بن عبدة المعروف بالعبداني وصلى عليه، وذلك في الليل.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق