( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 702
وقتل ابن أخت مرداويج صاحب الجيش والمعروف بأبي الكراديس بن علي بن عيسى الطلحي، وكان من وجوه قواد مرداويج، وولت الديلم نحو مرداويج أوْحَشَ هزيمة، فلما أتاه الخبر وضَجَّتْ أخته ورأى ما نزل بها من أمر ولدها سار عن الري في جيوشه حتى نزل مدينة همذان على الباب المعروف بباب الأسد، وإنما سمي هذا البابُ بباب الأسد لأن أسداً من حجارة كان على رَبْوَة من الأرض على الطريق المؤدية إلى الري فيَ وجَادَّةِ خراسان أعظم ما يكون من الأسد كالثور العظيم أو كالجبل البارك كأنه أسد حي حتى يدنو الِإنسان منه فيعلم أنه حجر قد صور أحسن صورة ومثل أقرب ما يكون من تمثيل الأسد، فكان أهل همذان يتوارثون أخبارهم عن أسلافهم مستفيضاً فيهم أن الإسكندر بن فيلبس بَنَى همذان حين انصرف من بلاد خراسان ورجوعه من مطافه من الهند والصين وغيرهما، وأن ذلك الأسد جعل طِلّسْماً للمدينة وسرها، وأن خراب البلد وفناء أهله وهدم سورها والقتل الذريع يكون عند كسر ذلك الأسد وقَلْعه من موضعه، وأن ذلك من وجهة الديلم والجبل، وكان أهل همذان يمنعون من يجتاز بهم من العساكر والسابلة والمتولعة من أحداثهم أن يقلبوا ذلك الأسد أو يكسروا شيئاً منه، ولم يكن ينقلب لعظمه وصلبه حجره إلا بالخلق الكثير من الناس، وقد كان عسكر مرداويج الذي سيره مع ابن أخته إلى همذان نزلوا على هذا الباب وانبسطوا في تلك الصحراء قبل الوقعة بينهم وبين أصحاب السلطان، فقلب على ما ذكر هذا الأسد فكسر، فكان من أمر الواقعة ما ذكرنا، وذلك على طريق الولع من الديلم، فلما سار مرداويج ونزل على هذا الباب، ونظر إلى مصارع أصحابه، وقتل أهل همذان لابن أخته اشتد غضبه لذلك، فكانت بينه وبين أهل همذان ثورة، ثم ولى القوم وقد أسلمهم قبل ذلك أصحاب السلطان، ورحلوا عنهم، فقتلوا في اليوم الأول في قول المقلِّل من الناس على ما ذكر لنا ممن أدركه الإِحصاء ممن حمل السلاح في المعركة، نحواً من أربعين ألفاً، وأقام السيف يعمل فيهم ثلاثة أيام والنار والسبي، ثم نادى برفع السيف في اليوم الثالث، وأمَنَ بقيتهم، وناس أن تخرج البلد ومستوروه إليه، فلما سمعوا النداء أمَّلُوا الفرج، فخرج من وثق بنفسه، من الشيوخ وأهل الستر، ومن لحق بهم، فخرجوا إلى المصلى، فدخل إليه صاحب عذابه.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق