إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 626 طاعة أتباعه له


( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 626


 طاعة أتباعه له
 
  فمما ذكر من ظهور طاعتهم له أنه كان بأرض فارس، وقد أباح الناس أن يرتعوا، ثم حدث أمر أراد النقلة والرحيل من تلك الكورة فناس مناديه بقطع الدواب عن الرتع، وأنه رؤي رجل من أصحابه قد أسرع إلى دابته والحشيش في فمها، فأخرجه من فيها مخافة أن تلوكه بعد سماعه النداء، وأقبل على الدابة مخاطباً فقال بالفارسية: أمير المؤمنين دوابر أزتر بريدند، وتفسير ذلك: اقطعوا الدواب عن الرطبة، وأنه رؤي في عسكره في ذلك الوقت رجل من قواعده ذو مرتبة والدرع الحديد على بدنه لا ثوب بينه وبين بشرته، فقيلِ له في ذلك، فقال: ناس منادي الأمير: ألبسوا السلاح، وكنت عرياناً أغتسل من جنابة، فلم يسعني التشاغل بلبس الثياب عن السلاح، وكان الرجل إذا أتاه راغباً في خدمته مؤثراً للانقطاع إليه لفرَّسَ فيه. فإذا أعجبه منظره امتحن خبره واستبرأ ما عنده من رمي أو طعان أو غير ذلك من ثقافة، فإذا رأى منه ما يعجبه سأله عن خبره وحاله، ومن أين أقبل، ومع من كان، فإذا وافقه ما سمعه منه قال له: أصدقني عما معك من المال والمتاع والسلاح، فيقف على جميع ما معه، ثم يبعث أناساً قد رتبوا لذلك، فيبيعون جميع ذلك، ويجعلونه عيناً أو وَرقاً، ويدفع إليه، ويثبت في الديوان، ثم تزيح علله في اللباس والسلاح والمأكل والمشرب والدواب والبغال والحمير من إصطبله، حتى لا يفقد الوجعل جميع ما يحتاج إليه من أمره على قدر مكانه ومرتبته، فإن نقم عليه بعد ذلك مذهبه، ولم يرض اختياره، سلبه جميِع ما أنعم به عليه، حتى يخرج من عسكره نحو ما دخل إليه، محتملاً بما معه من ذلك العين والوَرِق، إلا أن يكون ذلك الرجل معتضداً، فيصير له فضل من أرزاقه، فلا يمنعه ما كان له من متقدم ماله، وكانت جميع ثوابه ملكاً له وإن أعلافها من قبله، ولها ساسة ووكلاء يقومون بأمرها، إلا خصوص دوابهم التي تكون عندهم إلا أن ملكها له، واتخذ لنفسه عريشاً من خشب يشبه السرير، حيثما توجه من مسيره، فيكثر الجلوس عليه، ويشرف منه على أهل معسكره، وعلى قضيم دوابه، ويرمق الخلل من وكلائه، فإذا رأى شيئاً يكرهه بادر بتغييره، وقد كان انتخب من أصحابه ألف رجل على اختيار لهم، والغنى الظاهر منهم، والنكاية في حروبهم، فجعلهم أصحاب الأعمدة الذهب، كل عمود منها فيه ألف مثقال من الذهب، ثم يليهم في اللباس والغنى فوج ثان هم أصحاب الأعمدة الفضة، فإذا كان في الأعياد، أو في الأيام التي يحتاج فيها إلى مباهاة الأعداء والاحتفال، دفع إليهم تلك الأعمدة، وإنما ضربت هذه الأعمدة عُمَّةً للنوائب.

 وسئل بعض ثقاته، ممن ينظر حاله، عن اشتغاله في خلواته، وعن مجالسته معِ أهل بطانته، وهل يسمر مع أحد أو يجالسه، فذكر أنه لا يطالع أحداً على سره، ولا يعرف أحد بتدبيره وعزمه، وأكثر نهاره خالياً بنفسه يفكر فيما يريده، ويظهر غير ما يضمره، ولا يشرك أحد فيما يدبره برأِي ولا غيره، وإن تفرجه واشتغاله بغلمان صغار يتخذهم، ويؤدِّبهم، ويُخرجهم، ويدعوهم، ويدفع لهم ما قد عمله لهم من السيور، يتضاربون بها بين يديه، ففي هذا أكثر شغله إذا فرغ من تدبيره.

 ولما واقع الصفار الحسن بن زيد الحسني بطبرستان- وذلك في سنة ستين ومائتين، وقيل: سنة تسع وخمسين ومائتين- وانكشف الحسن بن زيد وأمعن يعقوب في الطلب، وكانت معه رسل السلطان قد قصدوه بكتب ورسالة من المعتمد، وهم راجعون من طلب الحسن بن زيد، قال له بعضهم لما رأى من طاعة رجاله وما كان منهم في تلك الحرب: ما رأيت أيها الأمير كاليوم، قال له الصفار: وأعجب منه ما أريك إياه، ثم قربوه من الموضع الذي كان فيه عسكر الحسن بن زيد، فوجدوا البدر والكراع والسلاح والعدد، وجميع ما خلف في العسكر حين الهزيمة على حالة: لم يلتبس أحد من أصحابه منه بشيء، ولا دنوا إليه، معسكرين بالقرب منه من حيث يرونه بالموضع الذي خلفهم فيه الصفار، فقال له الرسول: هذه سياسة ورياضة راضهم الأمير بها إلى أن تأتّي له منهم ما أراده.

 وكان لا يجلس إلا على قطعة مسح، يشبه أن يكون طوله سبعة أشبار في عرض ذراعين أو أرجح، وإلى جانبه ترسه وعليه اتكاؤه، وليس في مضربه شيء غيره، فإذا أراد أن ينام من ليله أو نهاره، اضطجع على ترسه، ونزع راية فيجعلها مخدته، وأكثر لباسه خفتان مصبوغ فاختي.
 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق