إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 631



( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 631


  وأهدى إلى البطريق هدية حسنة من الزجاج المخروط والطيب والجواهر والطرائف والثياب، ولم يزل هذا فعله يتردد من الروم إلى معاوية، ومن معاوية إلى الروم، ويسأله الملك والبطريق وغيره من البطارقة الحوائج، والحيلة لا تتوجه لمعاوية حتى مضى على ذلك سنين فلما كان في بعضها قال البطريق للصوري، وقد أراد الخروج إلى دار الِإسلامِ: قد اشتهيت أن تغمرني قضاء حاجة وتمنَّ بها علي: أن تبتاع لي بساطاً سوسنجرد بمخاده ووسائده يكون فيه من أنواع الألوان من الحمرة والزرقة وغيرهما، ويمون من صفته كذا وكذا، ولو بلغ ثمنه كل مبلغ، فأنْعَمَ له بذلك، وكان من شأن الصوري إذا ورد إلى القسطنطينية تكون مركبهُ بالقرب من موضع ذلك البطريق، وللبطريق ضيعة سرية وفيها قصر مشيد ومنتزه حسن على أميال من القسطنطينية راكبة على الخليج، وكان البطريق أكثر أوقاته في ذلك المنتزه، وكانت الضيعة يلي فم الخليج مما يلي بحر الروم والقسطنطينية، فانصرف الصوري إلى معاوية سراً، وأخبره بالحال؛ فأحضر معاوية بساطاً بوسائد ومخادّ ومجلس. فانصرف به الصوري مع جميع ما طلب منه من دار الِإسلام، وقد تقدم إليه معاوية بالحيلة وكيفية إيقاعها، وكان الصوري فيما وصفنا من هذه المدة قد صار كأحدهم في المؤانسة وفي العشرة، وفي الروم طَمَع وشَرَه، فلما دخل من البحر إلى خليج القسطنطينية- وقد طابت له الريح، وقد قرب من ضيعة البطريق- أخذ الصوري خبر البطريق من أصحاب القوارب والمراكب. فأخبر أن البطريق في ضيعته، وذلك أن الخليج طوله نحو من ثلاثمائة ميل وخمسين ميلاً بين هذين البحرين وهما الرومي ومانطس، على حسب ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب، والضياع والعمائر على هذا الخليج من حافيته، والمراكب تختلف والقوارب بأنواع المتاع والأقوات إلى القسطنطينية، وهذه المراكب لا تحصى في هذا الخليج كثرة، فلما علم الصوري أن البطريق في ضيعته فرش ذلك البساط ونضد ذلك الصدر والمجلس بالوسائد والمخادِ في صحن المركب ومجلسه، والرجال تحت المجلس بأيديهم المجاذيف مشكلة قائمة غير قاذفين بها، ولا يعلم بهم أنهم في بطن المركب إلا مَنْ ظهر منهم في المركب عمله، والريح في القلع، والمركب مار في الخليج كأنه سهم قد خرج من كبد قوس لا يستطيع القائم على الشط أن يملأ بصره منه؛ لسرعة سيره واستقامته في جريه، فأشرف على قصر البطريق وهو جالس في مستشرفه مع حرمه وقد أخذت منه الخمر وعَلَاهُ الطرب وذهب به الفرح والسرور كل مذهب فلما رأى البطريق مركب الصوري غَنَى طرباً، وصاح فرحاً وسروراً وابتهاجاً بقدومه، فدنا من أسفل القصر، وحط القلع، وأشرف البطريق على المركب، فنظر إلى ما فيه من حسن ذلك البساط ونظم ذلك الفرش كأنه رياض تزهر، فلم يستطع اللبث في موضعه حتى نزل قبل أن يخرج ذلك الصوري من مركبه إليه، فطلع المركب.
 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق