( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 610
ذكر خلافة المعتز باللّه
بويع المعتز باللهّ، وهو الزبير بن جعفر المتوكل، وأمه أُم ولد يقال لها قبيحة، ويكنى أبا عبد اللّه، وله يومئذ ثمان عشرة سنة، بعد خَلْع المستعين لنفسه، وذلك يوم الخميس لليلتين خَلَتَا من المحرم، وقيل: لثلاث خَلَوْنَ منه، سنة اثنتين وخمسين ومائتين على ما قَدَّمنا، وبايعه القُوَّاد والموالي والشاكرية وأهل بغداد، وخطب له في المسجد الجامع ببغداد في الجانبين.
ثم خلع المعتز نفسه يوم الاثنين لثلاث بَقِينَ من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين، ومات بعد أن خلع نفسه بستة أيام.
فكانت خلافته أربع سنين وستة أشهر، ودُفن بسامرا، فجملة أيامه منذ بُويع بسامرا قبل خلع المستعين إلى اليوم الذي فيه أربع سنين وستة أشهر وأياماً، ومنذ بًويع له بمدينة السلام ثلاث سنين وسبعة أشهر وكرفي وله أربع وعشرين سنة.
ذكر جمل هن أخباره وسيره
ولمع مما كان في أيامه
قول الناس في خلعه نفسه
ولما خلع المستعين بالله وأحْمِرَ إلى واسط- بعد أن أشْهَدَ على نفسه أنه قد بَرِئَ من الخلافة وأنه لا يصلح لها، لما رأى من الخلاف الواقع، وأنه قد جعل الناس في حل من بيعته- قالت في ذلك الشعراء فأكثرت، ووصفته في شعرها فأغرقت، فقال في ذلك البحتري من قصيدة طويلة:
إلى وَاسِطٍ خلف الدَّجَاج، ولم يَكُنْ لينبت في لَحْم الدجاج مخالـب وفي ذلك يقول الشاعر المعروف بالكناني من قصيدة:
إني أراك من الفراق جَزُوعا أمْسَى الإِمام مُسَيَّراً مخلوعا
وغدا الخليفة أحمد بن محمـد بعد الخلافة والبهاء خلـيعـا
كانت به الأيام تضحك زهرة وهو الربيع لمن أراد ربيعـاً
فأزاله المقدور مِنْ رتب العُلاَ فثوى بِوَاسِط لا يحس رجوعا وكان بين خلع المستعين وقتله تسعة أشهر ويوم.
وفاة جماعة من أهل العلم
ومات في خلافة المستعين جماعة من أهل العلم والمحدِّثين: منهم أبو هاشم محمد بن زيد الرفاعي، وأيوب بن محمد الوراق، وأبو كريب محمد بن العلاء الهمداني بالكوفة، وأحمد بن صالح المصري، وأبو الوليد السَّرِيُّ الدمشقي، وعيسى بن حماد زغبة المصري بمصر، ويكنى أبا موسى، وأبو جعفر بن سوار الكوفي، وذلك في سنة ثمان وأربعين ومائتين.
وفي خلافة المستعين- وذلك في سنة تسع وأربعين ومائتين- كانت وفاة الحسن بن صالح البزار، وكان من عِلْيَة أصحاب الحديث، وهشام بن خالد الدمشقي، ومحمد بن سليمان الجهني بالمصيصة، والحسن بن محمد بن طالوت، وأبو حفص الصيرفي بسامرا؛ ومحمد بن زنبور المكي بمكة، وسليمان بن أبي طيبة، وموسى بن عبد الرحمن البرقي.
وفي خلافة المستعين- وذلك في سنة خمسين ومائتين- مات إبراهيم بن محمد التميمي، قاضي البصرة، ومحمود بن خداش، وأبو مسلم أحمد بن أبي شعيب الحراني؛ والحارث بن مسكين المصري، وأبو طاهر أحمد بن عمرو بن السرح، وغير هؤلاء ممن أعرضنا عن ذكره، من شيوخ المحدثين وَنَقَلَة الآثار، ممن قد أتينا على ذكرهم من أول زمن الصحابة، إلى وقتنا هذا- وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة- في سنة ست، من كتابنا المترجم بالأوسط، وإنما نذكر من وفاة من ذكرنا لئلا نخلي هذا الكتاب من نبذ مما يحتاج إلى ذكره على قدر الطالب له.
فص من الياقوت الأحمر
وقد كان المستعين في سنة ثمان وأربعين ومائتين أخرج من خزانة الخلافة فص ياقوت أحمر، يعرف بالجبلي، وكانت الملوك تصونه، وكان الرشيد اشتراه بأربعين ألف دينار، ونقش عليه اسمه أحمد، ووضع ذلك الفص في إصبعه، فتحدَّث الناس بذلك، وقد ذكر أن ذلك الفص قد تداولته الملوك من الأكاسرة وقد نقش في قديم الزمان، وذكر أنه لم ينقشه ملك إلا مات قتيلاً، وكان الملك إذا مات وجلس تاليه في الملك حك النقش، فتداولته في اللبس الملوك، وهو غير منقوش، فيقع للنادر من الملوك فينقشه، وكان ياقوتاً أحمر، يضيء بالليل كضياء المصباح إذا وضع في بيت لا مصباح فيه أشرق، ويرى فيه بالليل تماثيل تلوح، وله خبر ظريف، وقد ذكرناه في كتابنا أخبار الزمان في ذكر خواتم ملوك الفرس، وقد كان هذا الفص ظهر في أيام المقتدر، ثم خفي أثره بعد ذلك.
بعض ما قيل في المعتز
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق