( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 609
فلما رأى محمد بن عبد اللّه بن طاهر ذلك كاتب المعتز وجَنَحَ إليه، ومال إلى الصلح على خلع المستعين، وقد كانت العامة ببغداد- حين علمت ما قد عزم عليه من خلع المستعين- ثارت مُنْكِرة لذلك، متحيزة إلى المستعين، ناصرة له، فأظهر محمد بن عبد اللّه المستعين على أعلى قصره، فخاطبته العامة وعليه البردة والقَضِيبُ، فأنكر ما بلغهم من خلعه، وشكر محمد بن عبد اللهّ بن طاهر، ثم التقى محمد بن عبد اللّه بن طاهر وأبو أحمد الموفق بالشماسية، فاتفقا على خلع المستعين على أن له الأمان ولأهله وولده وما حوته أيديهم من أملاكهم، وعلى أنه ينزل مكة هو ومن شاء من أهله، وأن يقيم بواسطة العراق إلى وقت مسيره إلى مكة، فكتب له المعتز على نفسه شروطاً أنه متى نقضِ شيئاً من ذلك فاللّه ورسوله منه بَرَاء، والناسُ في حل من بيعته، وعهوداً يطول ذكرها، وقد خذل المعتز بعد ذلك لمخالفتها حين عالج في نقضها، فخلع المستعين نَفْسَه من الخلافة، وذلك يوم الخميس لثلاث خَلَوْنَ من المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين، فكان له مذ وافى مدينة السلام إلى أن خلع سنة كاملة، وكانت خلافته- منذ تقلد الأمر على ما بيناه آنفاً إلى أن زال عنه ملكه- ثلاث سنين وثمانية أشهر وثمانية عشر يوماً على ما ذكرناه من الخلاف، وأحدر إلى دار الحسن بن وهب ببغداد، وجمع بينه وبين أهله وولده، ثم أحدر إلى واسط، وقد وكل به أحمد بن طولون التركي، وذلك قبل ولايته مصر، وعلم عجز محمد بن عبد اللّه بن طاهر عن قيامه بأمر المستعين حين استجار به وخِذْلانه إياه وميله إلى المعتز باللّه، وفي ذلك يقول بعض شعراء العصر من أهل بغداد:
أطافت بنا الأتراك حَوْلاً مَجُرَّما وما برحَتْ في جُحْرها أمُّ عامر
أقامت على ذُلٍّ بهـا ومَـهَـانة فلما بَدَتْ أبدت لنا لـؤم غـادر
ولم تَرْع حق المستعين فأصبحت تعين عليه حادثات الـمـقـادر
لقد جمعت لؤما وخـبـثـاً وذِلّةً وأبقت لها عاراً على آل طاهر ولما كان من الأمر ما قدمناه من خلع المستعين انصرف أبو أحمد الموفق من بغداد إلى سامرا، فخلع عليه المعتز، وتوج، ووشح بوشاحين، وخلع على من كان معه من قواده، وقدم على المعتز عبيدُ اللّه بن عبد اللّه بن طاهر أخو محمد بن عبد اللّه بالبُرْدِ والقضيب والسيف وبجوهر الخلافة، ومعه شاهك الخادم، وكتب محمد بن عبد اللّه إلى المعتز في شاهك: إن من أتاك بإرث رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم لجدير أن لا تخفر ذمته.
وخلع المستعين وعلى وزارته أحمد بن صالح بن شيراذاد.
موت المستعين
ولما كان في شهر رمضان من هذه السنة- وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين- بعث المعتز باللّه سعيد بن صالح الحاجب ليلقى المستعين، وقد كان في جملة مَنْ حمله من واسط، فلقيه سعيد وقد قرب من سامرا فقتله واحتز رأسه وحمله إلى المعتز باللّه، وترك جثته ملقاة على الطريق حتى تولى دفنها جماعة من العامة.
وكانت وفاة المستعين باللّه يوم الأربعاء لست خَلَوْنَ من شوال سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وهو ابن خمس وثلاثين سنة، على ما قدمنا في صدر هذا الباب.
وذكر شاهك الخادم قال: كنت عديلاً للمستعين عند إشخاص المعتز له إلى سامرا، ونحن في عمارية، فلما وصل إلى القاطول تَلَقَاه جيش كثير، فقال: يا شاهك أنْظَرْ مَنْ رئيس القوم. فإن كان سعيد الحاجب فقد هلكت، فلما عاينته قلت: هو واللّه سعيد، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهَبَتْ والله نفسي، وجعل يبكي، فلما قرب سعيد منه جعل يقنعه بالسوط، ثم أضجعه وَقَعَدَ على صدره واحتز رأسه، وحمله على ما ذكرنا، واستقامت الأمور للمعتز، واجتمعت الكلمة عليه.
وللمستعين أخبار غير ما ذكرناه في هذا الكتاب، وأوردناه في هذا الباب، وقد أتينا على ذكرها في كتابينا أخبار الزمان والأوسط، وإنما ذكرنا ما أوردنا في هذا الكتاب لئلا يتوهم أنا أغفلنا ذكرها أو عًزَبَ عنا فهمها، فإنا بحمد اللّه لم نترك شيئاً من أخبار الناس وسيرهم وما جرى في أيامهم إلا وقد ذكرناه، وأوردنا في كتبنا أحْسَنَهُ، وفوق كل في علم عليم، واللّه الموفق للصواب.
ذكر خلافة المعتز باللّه
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق