( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 608
بُغَا يرى رسول اللّه في الحلم
ولم يكن يلبس على بدنه شيئاً من الحديد، فعذل في ذلك، فقال: رأيت في نومي النبيَّ صلى الله عليه وسلم ومعه جماعة من أصحابه فقال لي: يا بُغَا، أحسنت إلى رجل من أمتي فدعا لك بدعوات استجيبت له فيك، قال: فقلت: يا رسول اللّه ومَنْ ذلك الرجل. قال: الذي خَفَصته من السباع، فقلت: يا رسول اللّه، سَلْ ربك أن يطيل عمري، فرفع يديه نحو السماء وقال: اللّهم أطِلْ عمره، وأتم أجله، فقلت: يا رسول اللّه، خمس وتسعون سنة، فقال رجل كان بين يديه: ويُوَقّى من الآفات، فقلت للرجل: من أنت. قال: أنا علي بن أبي طالب، فاستيقظت من نومي، وأنا أقول: علي بن أبي طالب.
قصة له مع طالبي
وكان بُغَا كثير التعطف والبر للطالبيين، فقيل له: من كان ذلك. الرجل الذي خلصته من السباع. قال: كان أتى المعتصم برجل قد رمي ببدعة، فجرت بينهم في الليل مخاطبة في خلوة، فقال لي المعتصم: خذه فألقه إلى السباع، فأتيت بالرجل إلى السباع لألقيه إليها وأنا مُغْتَاظ عليه، فسمعته يقول: اللهم إنك تعلم ما تكلمت إلا فيك، ولم أرد بذلك غيرك، وتقرباً إليك بطاعتك، وإقامة الحق على من خالفك، أفتسلمني. قال: فارتعدْتُ وداخلتني له رِقًة، وملئ قلبي له رعباً، فجذبته عن طرف بركة السباع، وقد كدت أن أَزُجَّ به فيها، وأتيت به حجرتي فأخفيته فيها، وأتيت المعتصم فقال: هيه، قلت: ألقيته، قال: فما سمعته يقول. قلت: أنا عجمي وهو يتكلم بكلام عربي ما أدري ما يقول، وقد كان الرجل أغْلَظَ، فلما كان في السحر قلت للرجل: قد فتحت الأبواب وأنا مخرجك مع رجال الحرس، وقد آثرتك على نفسي، ووَقَيْتكَ بروحي، فاجْهَدْ ألاَّ تظهر في أيام المعتصم، قال: نعم، فما خبرك. قال: هجم رجل من عماله في بلدنا على ارتكاب المكاره والفُجُور وإماتة الحق ونَصْر الباطل، فسَرَى ذلك إلى فساد الشريعة، وهَدْم التوحيد، فلم أجد عليه ناصراً، فوثبت عليه في ليلة فقتلته. لأن جرمه كان يستحق به في الشريعة. أن يفعل به ذلك.
بيّن المستعين والأتراك
قال المسعودي: ولما انحدر المستعين ووصيف وبُغَا إلى مدينة السلام اضطربت الأتراك والفراغنة وغيرهم من الموالي بسامرا، وأجمعوا على بعث جماعة إليه يسألونه الرجوع إلى دار مكة، فصار إليه عدة وجوه الموالي ومعهم البُرْدُ والقَضِيبُ وبعض الخزائن ومائتا ألف دينار، ويسألونه الرجوع إلى دار ملكه، واعترفوا بذنوبهم، وأقَرُّوا بخطئهم، وضمنوا ألا يعودوا ولا غيرهم من نظرائهم إلى شيء من ذلكِ مما أنكره عليهم، وتذللوا وخضعوا، فأجيبوا بما يكرهون، وانصرفوا إلى سر من رأى فأعلموا أصحابهم وأخبروهم بما نالهم، وإياسهم من رجوع الخليفة.
الموالي يجمعون على بيعة المعتز
وقد كان المستعين اعتقل المعتز والمؤيد حين انحدر إلى بغداد، ولم يأخذهما معه، وقد كان حذر من محمد بن الواثق حين انحداره فأخفه معه، ثم إنه هرب منه بعدُ في حال الحرب، فأجمع الموالي على إخراج المعتز والمبايعة له والاِنقياد إلى خلافته، ومحاربة المستعين وناصريه ببغداد، فأنزلوه من الموضع المعروف بلؤلؤة الجوسق، وكان معتقلاً فيه مع أخيه المؤيد، فبايعوه، وذلك يوم الأربعاء لإِحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين، وركب من غد ذلك اليوم إلى دار العامة، فأخذ البيعة على الناس، وخَلَعَ على أخيه المؤيد، وعقد له عقدين أسود وأبيض، فكان الأسود لولاية العهد بعده، والأبيض لولاية الحرمين وتقلدهما، وانبثّتِ الكتب في سامرا بخلافة المعتز باللّه إلى سائر الأمصار، وأرخت باسم جعفر بن محمد الكاتب، وأحْدَرَ أخاه أبا أحمد مع عدة من الموالي لحرب المستعين إلى بغداد، فنزل عليها، فكان أول حرب جرت بينهم ببغداد بين أصحاب المعتز والمستعين، وهرب محمد بن الواثق إلى المعتز باللّه، ولم تزل الحرب بينهم وبين أهل بغداد للنصف من صفر من هذه السنة، فلما نشبت الحرب بينهم كانت أمور المعتز تَقْوَى، وحالة المستعين تضعف، والفتنة عامة.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق