إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 606 عروة بن حزام


( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 606


 عروة بن حزام
 

  فلما كان في أول الليل جاءنا خادم ومعه سدة من الأتراك وفرسان، فحملت على جنيبة كانت معهم، وأتى بي إلى المستعين فإذا هو جالس في الجوسق، فقربني وأدناني، ثم أخذ بعد أن انسني في أخبار العرب وأيامها، وأهل التتيم، فانتهى بنا الكلام إلى أخبار العذْرِيين والمتيمين، فقال لي: ما عندك من أخبار عُرْوَة بن حزام، وما كان منه مع عَفْرَاء فقلت: يا أمير المؤمنين، إن عُرْوَة بن حزام لما انصرف من عند عفراء بنت عقال توفي وَجْداً بها وصبابة إليهما، فمر به رَكْبٌ فعرفوه، فلما انتهوا إلى منزل عفراء صاح صائح منهم:         
  ألا أيها القصرُ المغفل أهله                      نَعينا إِلَيْكُمْ عروة بن حزام ففهمت صوته، وأشرفت عليه، وقالت:         
  ألَا أيها الرَّكْب المجدُّونَ وَيْحَكُمْ                      بِحَقٍّ نعيتم عروة بن حـزام. فأجابها رجل من القوم، فقال:         
  نعم قد تركناه بأرض بعيدة                      مقيماً بها في سَبْسَبٍ وأكام فقالت لهم:         
  فإن كان حَقّاً مَا تَقُولُونَ فأعْلَمُوا                      بأن قد نعيتم بَدرَ كـل ظـلام
  فلا لَقِيَ الفتيانُ بَـعْـدكَ لَـذّةً                      ولا رجعوا من غيبة بـسـلام
  ولا وضعت أنثى شريفاً كمثله                      ولا فرحت من بعده بـغـلام
  ولا لا بلغتم حيث وجـهـتـم                      له ونغصتم لذات كُلّ طعمـام ثم سألتهم: أين دفنوه. فأخبروها، فصارت إلى قبره، فلما قاربته قالت: أنزلوني فإني أريد قضاء حاجة، فأنزلوها فانسلتْ إلى قبره فأكَبّتْ عليه، فما راعهم إلا صوتها، فلما سمعوه بادروا إليها، فإذا هي ممتدة على القبر قد خرجت نَفْسُهَا، فدفنوها إلى جانب قبره. قال: فقال لي: فهل عندك من خبره غير ما ذكرت. قلت: نعم يا أمير المؤمنين، هذا ما أخبرنا به مالك بن الصباح العدوي، عن الهيثم بن علي بن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: بعثني عثمان بن عفان مصدقاً في بني عُذْرَة في بلاد حي منهم يُقال لهم بنو منبذة، فإذا ببيت جديد منحاش عن الحي، فملت إليه، فإذا بشاب قائم في ظل البيص، وإذا عجوز جالسة في كسر البيت، فلما رآني ترنم بصوت ضعيف يقول:         
  جعلت لِعَرَّاف اليمامة حكـمـه                      وَعَرَّاف نجد إن هما شَفَـيَانِـي
  فقالا: نعم، نشفي من الداء كلـه                      وقاما مع الـعـوَّاد يبـتـدران
  فما تركَا لي رُقْيَةً يعرفـانـهـا                      ولا شَرْبَة إلا بهـا سـقـيانـي
  وقالا: شفاك اللّه، واللّه ما لـنـا                      بما حُمِّلَتْ منك الضلـوع يدان
  فلهفي على عفراء لهفاً كـأنـه                      على النحر والأحشاء حَدُّ سنـان
  فعفراء أحظى الناس عندي مَوَدَّة                      وعفراء عَنِّي المُعْرِضُ المتداني
  وإني لأهوى الحشر إذ قيل: إنَّنِي                      وعفراء يوم الحشر ملتـقـيان
  ألا لَعَنَ اللّه الوُشاة وَقَـوْلَـهُـمْ:                      فُلاَنَة أضحت خُـلّةً لـفـلان ثم شهق شهقة خفيفة، فنظرت في وجهه فإذا هو قد مات، فقلت: أيها العجوز، ما أظن هذا النائم بفناء بيتك إلا قد مات، قالت: وأنا واللّه أظن ذلك، فنظرت في وجهه، وقالت: فَاضَ ورَبِّ الكعبة، فقلت: منِ هذا. فقالت: عروة بن حزام العذري، وأنا أمه، واللّه ما سمعت له أنّةَ من سنة إلا في صدر يومي هذا، فإني سمعته يقول:         
  من كان من أمهاتي باكـياً أبـداً                      فاليوم إنِّي أرَانِي فيه مقبوضَـا
  تسمعِيه فإنـي غـير سـامـعة                      إذا علوت رقاب القوم معروضَا قال: فأقمت حتى شهدت غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، قال: فقال عثمان: ومما دعاك إلى ذلك. قلت: إكتساب الأجر فيه واللّه، قال: فوصل الجماعة وفَضّلني عليهم في الجائزة.

 حديث عن مجنون بني عامر
 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق