( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 596
وزير المقتدر
قال المسعودي: ولو لحق هذا الشاعر الوزير حامد بن العباس في وزارته للمقتدر بالله لرأى منه قريباً، مما ظهر من ابن الخصيب، وذلك أنه خاطبه مخاطِبٌ ذات يوم، فقلب ثيابه على كتفه ولَكَمَ حَلْقَهُ.
ولقد دخلت عليه ذات يوم أمُّ موسى القهرمانة الهاشمية، أو غيرها من القَهَارِمة، فخاطبته في شيء من الأموال عن رسالة المقتدر، فكان مما خاطبها به أن قال:
اضرطي والتقطي واحسبي لا تغلطي
فأخجلها ذلك، فقطعها عما له قصدت، فمضت من فَوْرِها إلى المقتدر والسيدة فأخبرتهما بذلك، فأمر القِيَان أن يغنين ذلك اليوم بهذا الكلام، وكان يوم طرب وسرور.
وقد أتينا على خبره وأخبار غيره من وزراء بني العباس وكُتَاب بني أمية إلى هذا الوقت- وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة- في الكتاب الأوسط.
مرض المنتصر وموته
وأخبرت عن أبي العباس أحمد بن محمد بن موسى بن الفُرَاتِ قال: كان أحمد بن الخصيب سيء الرأي في والدي، وكان عاملاً له، فجاءني مخبر من خَدَم الخاصة فقال: إن الوزير قد ندب لأعمالكم فلاناً، وقد أمره في والدك بكل مكروه، وأن يُصَادره على جملة من المال غليظة ذكَرها، فقعدت وعندي بعض أصدقائنا من الكُتَّاب أبادر بالكتاب إلى والدي بذلك، فاشتغلت عن جليسي الكاتب فاتكأ على الوسادة وغفا، فانتبه مرعوباً، وقال: إني قد رأيت رؤياً عجيبة، رأيت أحمد بن الخصيب واقفاً في هذا الموضع وهو يقول لي: يموت الخليفة المنتصر إلى ثلاثة أيام، قال: قلت له: الخليفة في الميدان يلعب بالصولجان، وهذه الرؤيا من البلغم والمرار وقد قدمنا الطعام، فما استتممنا الكلام حتى دخل علينا داخل فقال: رأيت الوزير بدار الخاصة غير مُسْفِر الوجه، وإني سألْتُ عن سبب ذلك فقيل لي: إن الخليفة المنتصر انصرف من الميدان وهو عرق، فدخل الحمام ونام في الباذهنج فضربه الهواء، وركبته حمى هائلة، فدخل عليه أحمد بن الخصيب فقال له: يا سيدي، أنت متفلسف وحكيم الزمان تنزل من الركُوب تبعاً فتدخل الحمام ثم تخرج عَرِقاً فتنام في الباذهنج. فقال له المنتصر أتخاف أن أموت. رأيت في المنام البارحة آتياً أتاني فقال لي: تعيش خمساً وعشرين سنة، فعلمت أن ذلك بشارة في المستقبل من عمري، وأني أبقى في الخلافة هذه المدة، قال: فمات في اليوم الثالث، فنظروا فإذا هو قد استوفى خمساً وعشرين سنة.
وقد ذكر جماعة من أصحاب التواريخ أن المنتصر ضربته الريح يوم الخميس لخمسٍ بَقِينَ من شهر ربيع الأول، ومات مع صلاة العصر لخمس لَيَالٍ خَلَوْنَ من ربيع الآخر، وصلّىِ عليه أحمد بن محمد المستعين، وكان أول خليفة من بني العباس أظهر قبره، وذلك أن أُمه حبشية سألت ذلك، فأذن لها، ؤأظهرته بسامرا.
الخلاف في سبب موت المنتصر
وقد قيل: إن الطيفوري الطبيب سَمَّه في مشراط حَجَمَه به، وقد كان عزم على تفريق جمع الأتراك، فأخرج وصيفاً في جمع كثير إلى غَزَاة الصائفة بطرسوس، ونظر يوماً إلى بُغَا الصغيرَ- وقد أقبل في القصر، وحوله جماعة من الأتراك- فأقبل على الفضل بن المأمون، فقال: قتلني اللّه إن لم أقتلهم وأفرق جمعهم، بقتلهم المتوكل على اللّه، فلما نظرت الأتراكُ إلى ما يفعل بهم، وما قد عَزَمَ عليه، وجدوا منه الفرصة.
وقد شكا ذات يوم حرارة، فأراد الحجامة، فخرج له من ألف م ثلاثمائة عرهم، وشرب شربة بعد ذلك فحلت، قواه، ويُقال: إن السم كان في مبضع الطبيب حين فَصَده.
وقد ذكر ابن أبي الدنيا، عن عبد الملك بن سليمان بن أبي جعفر، قال: رأيت في نومي المتوكل والفتح بن خاقان، وقد أحاطت بهما نار، وقد جاء محمد المنتصر فاستأذن عليهما، فمنع الوصول، ثم أقبل المتوكل عليّ فقال: يا عبد الملك قل لمحمد: بالكأس الذي سقيتنا تشرب، قال: فلما أصبحت غَدوْت على المنتصر فوجَدْته محموماً، فواظبت على عيادته، فسمعته في آخر علته يقول: عَجَّلْنَا فَعُوجلنا فمات من ذلك المرض.
من صفات المنتصر
وكان المنتصر واسع الاحتمال، راسخ العقل، كثير المعروف، راغباً في الخير، سخيّاً، أديباً، عفيفاً، وكان يأخذ نفسه بمكارم الأخلاق، وكثرة الإِنصاف، وحسن المعاشرة، بما لم يسبقه خليفة إلى مثله.
وكان وزيره أحمد بن الخصيب قليل الخير، كثير الشر، شديد الجهل.
صنيع المنتصر بآل أبي طالب
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق