( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 595
وحكي عن أبي العباس محمد بن سهل قال: كنت أكتب لعتاب بن عتاب على ديوان جيش الشاكرية في خلافة المنتصر، فدخلت إلى بعض الأرْوقَة، فإذا هو مفروش ببساط سوسنجرد ومسند ومصلى ووسائد بالحمرة والزرقة، وحول البساط دارات فيها أشخاصُ ناسٍ وكتابة بالفارسية، وكنت أحسن القراءة بالفارسية، وإذا عن يمين المصلى صورة ملك، وعلى رأسه تاج كأنه ينطق، فقرأت الكتابة فإذا هي صورة شيروية القاتل لأبيه أبرويز الملك مَلَك ستة أشهر ثم رأيت صور ملوك شتى، ثم انتهى بي النظر إلى صورة عن يسار المصلى عليها مكتوب صورة يزيد بن الوليد بن عبد الملك قاتل ابن عمه الوليد بن يزيد بن عبد الملك ملك ستة أشهر فتعجبتَ من ذلك واتفاقه عن يمين مقعد المنتصر وعن شماله، فقلت: لا أرى يدوم ملكه أكثر من ستة أشهر، فكان واللّه كذلك، فخرجت من الرواق إلى مجلس وَصِيف وبُغَا، وهما في الدار الثانية، فقلت لوصيف: أعَجَزَ هذا الفَرَّاش أن يفرش تحت أمير المؤمنين إلا هذا البساط الذي عليه صورة يزيد ابن الوليد قاتل ابن عمه وصورة شيرويه قاتل أبيه أبرويز، وعاشا ستة أشهر بعد ما قَتَلاَ، فجزع وصيف من ذلك وقال: عليَّ بأيوب بن سليمان النصراني خازن الفُرُش، فمثل بين يديه، فقال له وصيف: لم تجد ما يفرش في هذا اليوم تحت أمير المؤمنين إلا هذا البساط الذي كان تحت المتوكل ليلة الحادثة وعليه صورة ملك الفرس وغيره، وقد كان نالته آثار من الدماء. قال: سألني أمير المؤمنين المنتصر عنه، وقال: ما فعل البساط. فقلت: عليه آثار دماء فاحشة، وقد عزمت أن لا أفرشه من ليلة الحادثة، فقال: لم لا تغسله وتَطويه. فقلت: خشيت أن يشيع الخبر عند من يرى ذلك البساط من أثر الحادثة، فقال: إن الأمر أشهر من ذلك، يريد قتل الأتراك لأبيه المتوكل، فطويناه وبسطناه تحته، فقال وصيف وبُغَا: إذا قام أمير المؤمنين من مجلسه فخذه وأحرقه بالنار، فلما قام أحرق بحضرة وصيف وَبُغَا، فلما كان بعد أيام قال لي المنتصر: افرش ذلك البساط الفلاني، قلت: وأين ذلك البساط. فقال: وما الذي كان من أمره. فقلت: إن وصيفاً وبُغَا أمراني بإحراقه، قال: فسكَتَ ولم يُعِدْ في أمره شيئاً إلى أن مات.
وقد كان المنتصر طرب في هذه الأيام، فدعا ببنّان بن الحارث العواد، وكان مطرباً مجيداً، وقد كان غضب عليه، فأحضره فغناه:
لقد طال عهدي بالِإمـام مـحـمـد وما كُنت أخشى أن يطول به عهدي
فأصبحتُ ذا بُـعْـدٍ وداري قـريبة فيا عجباً من قرب داري ومن بُعْدِي
رأيتك في بُرْدِ النـبـي مـحـمـد كَبدر الدجا بين العمـامة والـبُـرْدِ
فيا ليت أن الـعـيد عـاد لـيَوْمـه فإني رأيت العيد وَجْهَك لي يُبْـدِي وكان ذلك ثاني يوم عيد الأضحى، وقد كان المنتصر صَلّى بالناس في هذا العيد، ومما غنى به من الشعر للمنتصر في ذلك اليوم:
رأيتك في المنام أقلّ بخـلاً وأطْوَعَ منك في غير المنام
فليت الصبح باد ولا نـراه وليت الليل أخِّرَ ألْفَ عـام
ولو أن النعاس يُبَاعُ بـيعـاً لأغليت النعاس على الأنام ومن شعر المنتصر أيضاً مما غني بحضرته:
إني رأيتك في المنام كـأنـمـا أعطيتتي من ريق فيك البـارِدِ
وكأن كَفّك في يَدِي وكأنـمـا بتنا جميعاً في لحـاف واحِـد
ثم انتبهتُ ومعصماكِ كلاهمـا بيدي اليمين وفي يمينك ساعدي
ظللت يومي كله مـتـراقـداً لأراكِ في نومي ولستُ براقد
وزير المنتصر بن الخصيب
وقد كان استوزر أحمد بن الخصيب وندم على ذلك، وكان نفي عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان، وذلك أن أحمد بن الخصيب ركب ذات يوم فتظلم إليه متظلم بقصةٍ، فأخرج رجله من الركاب فزجَّ بها في صدر المتظلم فقتله، فتحدث الناس بذلك، فقال بعض شعراء الزمان:
قل للخليفة يا ابن عم محـمـد اشكُـلْ وزيرك، إنـه رَكَّـالُ
أشكله عن رَكْل الرجال فإن ترد مالاً فعـنـد وزيرك الأمـوال
وزير المقتدر
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق