إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 590



( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 590


  وكان مولده بفم الصلح، حدث البحتري قال: اجتمعنا ذات ليلة مع الندماء في مجلس المتوكل فتذاكرنا أمر السيوف، فقال بعض من حضر: بلغني يا أمير المؤمنين أنه وقع عند رجل من أهل البصرة سيف من الهند ليس له نظير ولم يُرَ مثله، فأمر المتوكل بكتاب إلى عامل البصرة يطلبه بشرائه بما بلغ، فنفذت الكتب على البريد وورد جواب عامل البصرة بأن السيف اشتراه رجل من أهل اليمن، فأمر المتوكل بالبعث إلى اليمن بطلب السيف وابتياعه، فنفذت الكتب بذلك، قال البحتريُّ: فبينا نحن عند المتوكل إذ دخل عليه عبيد اللّه بن يحيى والسيف معه، وعَرَّفه أنه ابتيع من صاحبه باليمن بعشرة آلاف درهم، فسر بوجوده، وحمد اللّه على ما سهل من أمره، وانتضاه فاستحسنه، وتكلم كل واحد منا بما يحب، وجعله تحت ثني فراشه، فلما كان من الغداة قال للفتحِ: اطلب لي غلاماً تثق بنجدته وشجاعته أدفع له هذا السيف ليكون واقفاً به على رأسي لا يفارقني في كل يوم ما عمت جالساً، قال: فلم يستتم الكلام حتى أقبل باغر التركي فقال الفتح: يا أمير المؤمنين، هذا باغر التركي قد وصف لي بالشجاعة والبسالة، وهو يصلح لما أراد أمير المؤمنين، فدعا به المتوكل فدفع إليه السيف، وأمره بما أراد، وتقدم أن يزاد في مرتبته، وأن يضعف له الرزق، قال البحتريُ: فواللّه ما انتضى ذلك السيف ولا خرج من غمده من الوقت الذي دفع إليه إلاَّ في الليلة التي ضربه فيها باغر بهذا السيف. قال البحتريُ: لقد رأيت من المتوكل في الليلة التي قتل فيها عجباً، وذلك أننا تذاكرنا أمر الكِبْرِ، وما كانت تستعمله الملوك من الجبرية، فجعلنا خوض في ذلك وهو يتبرأ منه، ثم حَوَّلَ وجهه إلى القبلة فسجد وعفر وبهه بالتراب خضوعاً للّه عز وجل، ثم أخذ من ذلك التراب فنثره في لحيته ورأسه، وقال: إنما أنا عبد اللّه، وإن من صار إلى التراب لحقيق أن يتواضع ولا يتكبر.
 قال البحتري: فتطيرت له من ذلك، وأنكرت ما فعله من نَثْرِه الترابَ على رأسه ولحيته، ثم قعد للشراب، فلما عمل فيه غنى من حضره من المغنين صوتاً استحسنه، ثم التفت إلى الفتح فقال: يا فتح، ما بقي أحد سمع هذا الصوت من مخارق غيري وغيرك، ثم أقبل على البكاء.
 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق