( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 589
تدبير المؤامرة ضد المتوكل
قال: ولما عزم بُغَا الصغير على قتل المتوكل دعا بباغر التركي، وكان قد اصطنعه واتخذه وملأ عينه من الصِّلات، وكان مقداماً أهوج، فقال له: يا باغر أنت تعلم محبتي لك وتقديمي إياك وإيثاري لك وإحساني إليك، وإني قد صرت عندك في حد من لا يُعْصَى له أمر ولا يخرج عن محبته، وأريد أن آمرك بشيء عَرفني كيف قلبك فيه، فقال: أنت تعلم كيف أفعل فقل لي ما شئت حتى أفعله، قال: إن ابني فارس قد أفسد عليّ عملي وعزم على قتلي وسَفْكِ دمي، وقد صح عندي ذلك منه، قال: فتريد مني ماذا. قال: أريد أن يدخل علي غداً فالعلامة بيننا أن أضع قلنسوتي في الأرض، فإذا أنا وضعتها في الأرض فاقتله، قال: نعم، ولكن أخاف أن يبدو لك أو تجد في نفسك عليَّ، قال: قد آمنك اللّه من ذلك. فلما دخل فارس حضر باغر ووقف موقف الضارب، فلم يزل يراعي بُغَا أن يضع قلنسوته، فلم يفعل، وظن أنه نسي، فغمزه بعينه أن افعل. قال: لا، فلما لم ير العلامة وانصرف فارس قال لي بُغَا: اعلم أني فكرت في أنه حَدَثٌ وأنه ولدي، وقد رُمْتُ أن أستخلصه هذه المرة، فقال له باغر: أنا قد سمعت وأطعت وأنت أعلم وما دبرت وقدرت عليه فيه صلاحه. ثم قال له: وهاهنا أمر أكبر من ذلك وأهم فعرفني كيف تريد أن تكون فيه، قال له: قل ما شئت حتى أفعله، قال: أخي وصيف قد صح عندي أنه يربًرَّ وَعَلَى رفقائي، وأن مكاننا قد ثقل عليه، وأنه عًولَ على أن يقتلنا ويفنينا وينفرد بالأمور، قال: فماذا تريد أن يُصْنَعُ به. قال: افعل هذا فإنه يصير إليّ غداً فالعلامة أن أنزل عن المصلّى الذي يكون معي قاعداً عليه، فإذا رأيتني نزلت عنه فضع سيفك عليه واقتله. قال: نعم، فلما صار وصيف إلى بُغَا حضر باغر وقام مقام المستعد، فلم ير العلامة حتى قام وصيف وانصرف، قال: فقال له بُغَا: يا باغر إني فكرت في أنه أخي وأني قد عاقدته وحلفت له، فلم أستجز أن أفعل ما دبرته، ووصله وأعطاه. ثم إنه أمسك عنه مدة مديدة ودعا به فقال: يا باغر، قد حضرت حاجة أكبر من الحاجة التي قدمتها فكيف قلبك. قال: قلبي على ما تحبُّ فقل ما شئت حتى أفعله، فقال: هذا المنتصر قد صح عندي أنه على إيقاع التدبير عَلًيّ وَعَلَى غيري حتى يقتلنا وأريد أن أقتله، فكيفَ ترى نفسك في ذلك. ففكر باغر في ذلك ونكس رأسه طويلاً وقال: هذا لا يجيء منه شيء، قال: وكيف. قال: يقتل الابن والأبُ باق. إذاً لا يستوي لكم شيء ويقتلكم أبوه كلكم به. قال: فما ترى عندك. قال: نبدأ بالأب أولاً فنقتله، ثم يكون أمر الصبي أيسر من ذلك، فقال له: ويحك ويُفعل هذا ويًتهيأ. قال: نعم أفعله وأدخل عليه حتى أقتله، فجعل يردد عليه، فيقول: لا تفعل غير هذا، ثم قال له: فادخل أنت في أثري فإن قتلته وإلا فاقتلني وضَعْ سيفك عَلًيّ، وقل: أراد أن يقتل مولاه، فعلم بُغَا حينئذ أنه قاِتله وتوجه له في التدبير في قتل المتوكل.
وفي سنة سبع وأربعين ومائتين توفيت شجاع أم المتوكل، وصلى عليها المنتصر، وذلك في شهر ربيع الآخر.
مقتل المتوكل
ثم قتل المتوكل بعد وفاتها بستة أشهر، ليلة الأربعاء لثلاث ساعات خلت من الليل، وذلك لثلاث خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين وقيل: لأربع خلون من شوال سنة سبع وأربعين.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق