( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 585
ولكنَّ الجواد أبـا هـشـام وفيُّ الغيب مأمون المغيب
غنيٌّ عنك ما استغنيتَ عنه وطَلاّع عليك مع الخطوب وقوله:
هب الزمان رماني الشأن في الخِـلاّنِ
فيمنٍ رَمَانِيَ لـمَّـا رأى الزمَان زَمَانِي
ومن ذخرْتُ زمَانِي شنأت في الخـلان
ومن ذخرت لنفسي فعاد ذُخْرَ الزمـان
لو قيل لي خًذْ أمَاناً من أعظم الحدثـان
لما أخـذتُ أمَـانـاً إلا مـن الِإخـوان وقوله:
وإذا جَزَى اللّه امرأ بفعَالِهِ فجرى أخا لك ماجداً سمحَا
نبهتَهُ مِنْ كذبه فكَـأنـمـا نبهت إذ نبهتَهُ صُـبْـحَـا ومما يجب على الرؤساء أن يحفظوه قوله:
تزيده الأيامُ إن أقْبَلَـتْ حزماً وعلماً بتصَارِيفها
كأنها في وقت إسعافها تسمعه صوتَ تخاريفها ومما أحسن فيه وبَرَّزَ عن نظرائه قوله:
سَقْياً وَرَعْياً لأيام لنا سلـفـت بكيت منها فصرتُ اليوَم أبكيهَا
كذاك أيامنا لا شك ننـدبـهـا إذا تَقَضت ونحنُ اليومَ نشكُوها وقوله:
أولى البـرية طـراً أن تـواسـيه عند السرور لمن واساك في الحزن
إن الكرام إذا مـا أيسـروا ذكـروا من كان يألفهم في المنزل الخَشِـنِ وقوله:
لا تَلُمْنِي فإنَّ همك أن تُثْرِي وَهَمِّي مكارمُ الأخلاق
كيف يستطيع حفظ ما جمعت كفاه مَنْ ذاق لذة الإِنفاق وقوله:
أسدٌ ضارٍ إذا ما هِجْـتـه وأبٌ بَـر إذا مـا قَـدَرَا
يعلم الأقصى إذا أثْرَى، ولا يعلم الأدنى إذا ما افتقـرا وكان إبراهيم بن العباس يقول: مثل أصحاب السلطان مثل قوم عَلَوْا جبلاً ثم وقعوا منه، فكان أقربهم إلى التلف أبعدهم من الارتقاء، وكان إبراهيم يدعي خؤولة العباس بن الأحنف الشاعر.
العباس بن الأحنف
وحكى أبو العباس أحمد بن جعفر بن حمدان القاضي، عن سليمان بن الحسن بن مخلد، عن أبيه الحسن، قال: أنشد إبراهيم بن ألعباس قول العباس بن الأحنف:
إن قال لم يفعل، وإن سيل لم يبذل، وإن عوتب لم يُعْتِـب
صَب بهجراني، ولو قال لي: لا تشرب البارد لم أشـرب فقال: هذا واللّه الشعر الحسن المعنى، السهل اللفظ، العذب المستمع، القليل النظير، ما سمعت كلاماً أجزل منه في رقة، ولا أسهل في صعوبة، ولا أبلغ في إنصاف، من هذا، فقال له الحسن: كلامك واللهّ أحسن من شعره: ومما استحسن من شعر العباس بن الأحنف قوله:
تحمل عظيم الذنب ممن تحـبـه وإن كنت مظلوماً فقل: أنا ظالم
فَطُوبى لما أعفى من الليل ساعة وذاق اغتماضا؛ إن ذاك لناعَـم وقوله:
اصرف فؤادك يا عباس معتمداً عنها، وَإِلّا تَمُتْ في حبها كمدا
لو أنها من وراء الروم في بلـد ما كنت أسكن إلا ذلك البـلـدا
يا من شكا شوقه من هول غيبته اصبر لعلك تلقى ما تحب غدا وقوله:
أغَبَّ الزيارة لـمـا بـدا له الهجر أو بعض أسبابه
وما صدَ عنَّا، ولـكـنـه طريد ملالة أحـبـابـه
وفاة العباس بن الأحنف
حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال: حدثنا الرياشي، قال: ذكر جماعة من أهل البصرة قالوا: خرجنا نريد الحج، فلما كنا ببعض الطريق إذا غلامٌ واقف على المحجَّة وهو ينادي: يا أيها الناس، هل فيكم أحد من أهل البصرة. قال: فملنا إليه وقلنا له: ما تريد. قال: إن مولاي لما به يريد أن يوصيكم، فملنا معه، فإذا بشخص مُلْقًى على بعد من الطريق تحت شجرة لا يُحيِرُ جواباً، فجلسنا حوله، فأحَسَّ بنا، فرفع طرفه، وهو لا يكاد يرفعه ضعفاً، وأنشأ يقول:
يا غريب الدار عن وطنه مفرداً يبـكـي عـلـى شَـجَـنِـهْ
كلـمـا جَـدّ َالـبـكـاء بـه دَبَّتِ الأسـقـام فـي بـدنـه
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق