( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 584
وهذا الذي حكيناه ذكره أبو عيسى محمد بن هارون الوراق ببغداد في كتابه المعروف بكتاب المجالس، وكانت وفاة أبي عيسى ببغداد في الجانب الغربي في الموضع المعروف بالرملة سنة سبع وأربعين ومائتين، وله تصنيفات حسان كثيرة منها كتابة في المقالات في الِإمامة وغيرها من النظر.
ابن الراوندي
وكانت وفاة أبي الحسين أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندى برحبة مالك بن طَوْقٍ، وقيل: ببغداد سنة خمس ومائتين، وله نحو من أربعين سنة، وله كتب مصنفة مائة كتاب وأربعة عشر كتاباً.
وقد ذكرنا في كتابنا في أخبار الزمان وفاة أرباب المقالات وأهل المذاهب والجدل والآراء والنحل، وأخبارهم ومناظراتهم وتباينهم في مذاهبهم وكذلك في الكتاب الأوسط، إلى سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، وإنما يسنح لنا ذكر بعضهم في هذا الكتاب فنذكر لهم لمعاً، وكذلك غيرهم من الفقهاء وأصحاب الحديث.
وفاة الصولي الكاتب
وفيها مات إبراهيم بن العباس الصُّوليُّ، الكاتب، وكان كاتباً بليغاً، وشاعراً مجيداً، لا يعلم فيمن تقم وتأخر من الكتاب أشعر منه، وكان يكتسب في حداثته بشعره، ورحل إلى الملوك والأمراء ومدحهم طلباً لجدواهم.
وذكر رجل من الكُتّاب أن إسحاق بن إبراهيم أخا زيد بن إبراهيم حدثه أنه كان يتقلد الصيمرة والسيروان، وأن إبراهيم بن العباس اجتاز به يريد خراسان، والمأمون بها، وقد بايع بالعهد لعلي بن موسى الرضا، وقد امتدحه بشعر يذكر فيه فضل آل علي وأنهم أحق بالخلافة من غيرهم، قال: فاستحسنت القصيدة وسألته أن ينسخها لي، ففعل، ووهبت له ألف درهم، وحملته على دابة، وضرب الدهر من ضربه إلى أن ولي ديوان الضياع مكان موسى بن عبد الملك، وكنت أحد عمال موسى، وكان يحب أن يكشف أسباب موسى، فعزلني، وأمر أن تعمل مؤامرة فعملت، وكثر علي فيها، وحضرت للمناظرة عنها، فجعلت أحتج بما لا يدفع، فلا يقيله، ويحكم لي الكتًابُ فلا يلتفت إلى حكمهم، ويُسْمِعني في خلال ذلك قذعا من الكلام إلى أن أوجب علي الكُتَاب اليمين على باب من الأبواب فحلفت عليه فقال: ليست يمين السلطان عندك يمينَاً لأنك رافضي، فقلت له: تأذن لي فيِ الدنو منك. فأذن لي، فقلت له: ليس مع تعرضك بمهجتي للقتل صبر، وهاهو المتوكل إن كاتبت إليه بما أسمع منك لم آمنه على نفسي، وقد احتملت كل شيء إلا الرفض.
والرافضيُّ: من زعم أن علي بن أبي طالب أفضل من العباس، وأن ولده أحَقُّ من ولد العباس بالخلافة، قال: ومن قال ذلك. قلت: أنت وخطك عندي به، وأخبرته بالشعر، فواللّه ما هو إلا أن قلت ذلك له حتى سُقِط في يده، ثم قال: أحضر الدفتر الذي بخطي، فقلت له: هيهات لا واللهّ أو توثق لي بما أسكُنُ إليه أنك لا تطالبني بشيء مما جرى على يدي، وتخرق هذه المؤامرة، ولا تنظر لي في حساب، فحلف لي على ذلك بما سكنْتُ إليه، وخرق العمل المعمول، وأحضرته الدفتر، فوضعه في خفه، وانصرفت وقد زالت عني المطالبة.
ولإِبراهيم بن العباس مكاتبات قد دوّنت، وفصول حسان من كلامه قد جمعت، وقد أتينا على كثير منها في الكتاب الأوسط، فما استحسن من فصوله وإن كانت كلها في نهاية الجودة وانتخبناه من كلامه: وقديماً غَذت المعصية أبناءها فحلبت عليهم من دَرِّهَا مرضعة، وبسطت لهم من أمانيها مطمعة، وركبت فيهم مخاطرها مُوضِعَة، حتىِ إذا رَتَعُوا فأمنوا، وركبوا فاطمأنوا، وانقضى رَضَاع وآن فِطَامٌ، سقتهم سُمّاً، ففجرت مجاري ألبانها منها دماً، وأعقبتهمِ من غذائها مُرّاً، وحَطتْ بهم من معقل إلى عقال، ومن عز إلىِ حسرة، قتلاً وأسراً، وإباحة وقسراً، وقَلَّ من أوضع في الفتنة مرهجاً في لهبها ومقتحماً عند ضلالها إلا استقحمته آخذة بمُخَنقِهِ، وموهِنَة بالحق كيده، حتى تجعله لعاجله جزراً، ولآجله حطباً، وللحق موعظة، وللباطل حجة، ذلك لهم جزاء في الدنيا، ولعذاب الآخرة أكبر وما ربك بظلام للعبيد.
وله أشعار حسان، فمما استحسن من شعره الذي لم يسبقه عند جماعة أهل الأدب أحدٌ من زمانه قوله:
لنا إبِلٌ كوم يضيقُ بها الـفَـضَـا وَيَفْتَرًّ عنها أرضها وسمـاؤهـا
فمن عونها أن تُسْتَبَـاح دمـاؤنـا ومن دوننا أن يستـدم دمـاؤهـا
حِمًى وقِرًى فالموت دون مرامها وأهْوَنُ خطب في الحقوق فناؤها وقوله:
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق