إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 586



( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 586


  ثم أغمى عليه طويلَاً، وإنا لجلوس حوله إذ أقبل طائر فوقع على أعلى الشجرة، وجعل يغرد، ففتح الفتى عينيه وجعل يسمع تغريد الطائر، ثم قال:         
  ولقد زاد الفؤاد شَجًى                      طائر يبكي على فَنَنِهْ
  شَفّه ما شَفِّنِي فبكـى                      كلنا يبكي على سَكَنِهْ قال: ثم تنفس تنفساً فاضت نفسه منه، فلم نبرح من عنده حتى غسلناه وكفناه وتولّينا الصلاة عليه، فلما فرغنا من دفنه سألنا الغلام عنَه، فقال: هذا العباس بن الأحنف.
 وقد أخبرنا بهذا الخبز أبو إسحاق الزجاجي النحوي، عن أبي العباس المبرد، عن المازني، قال: حدثنا جماعة من أهل البصرة بما ذكرناه.
 وكانت وفاة أبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي سنة أربعين ومائتين.

 نفى المتوكل علي بن الجهم

 وفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين نَفَى المتوكل عليَّ بن الجهم الشاعر إلى خُرَاسان، وقيل: في سنة تسع وثلاثين ومائتين، وقد أتينا على خبره وما كان من أمره ورجوعه بعد ذلك إلى العراق، وخروجه يريد السفر، وذلك في سنة تسع وأربعين ومائتين، فلما صار بالقرب من حلب من بلاد قنسرين والعواصم بالموضع المعروف بخشبات لقيته خيل الكلبيين فقتلته، فقال في ذلك وهو في الشرق:         
  أزيد في اللـيل لـيلُ                      أم سال بالصبح سَيْلُ.
  ذكرت أهـل دُجَـيْلٍ                      وأين منـي دُجَـيْلَ. وكان علي بن الجهم السامِيُّ هذا- مع انحرافه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه وإظهاره التسنن مطبوعاً مقتدراً على الشعر؛ عذب الألفاظ، غزير الكلام، وقد قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب طعم من طعن على نسبه، وما قال الناس في عقب لسَامَةَ بن لؤي بن غالب، وقول علي بن محمد بن جعفر العلوي الشاعر:         
  وسَامَةُ منا فأما بـنـوه                      فأمرهُمُ عندنا مُظْـلِـم
  أناس أتونا بأنسـابـهـم                      خُرَافَة مضطجِعٍ يحلـم
  وقلت لهم مثل قول النبي                      وكل أقاويله محـكـم
  إذا ما سئلت ولم تدر ما                      تقول فقل ربنا أعـلـم وقول العلوي فيه أيضاً:         
  لو اكتنفت النَّضْرَ أو مَعَـدّا                      أو اتخذت البيت كهفاً مَهْدَا
  وزمـزمـا شـريعة ووردا                      والأخشبين محضرا ومَبْدَار
  ما ازددت إلا من قريش بعدا                      أو كنت إلا مصقلـيا وَغْـدَ وإنما أعدنا ذكر هذا الشعر في هذا الموضع- وإن كنا قد قدمنا فيه سلف من هذا الكتاب- لما سنح لنا من ذكر علي بن الجهم في أيام المتوكل، ولما احتجنا إليه عند ذكرنا لشعر علي بن الجهم وإجابته العلوي على هذا الشعر، فكان ما أجاب به علي الجهم لعلي بن محمد بن جعفر العلوي:         
  لم تُـذِقْــنِـــي حـــلاوة الإِنـــصـــاف                      وتـعـسّـفْـتـنِـي أشَـدَّ اعـــتـــســـاف
  وتركت الوفاء علما بما فيه وأسْرَفْتَ غاية الإِسـراف
  غير أني إذا رجعت إلى حق بني هاشم بن عبد مناف
  لم أجدلي إلى التّشَفًي سبيلا                      بقـــواف ولا بـــغـــير قـــــــواف
  ليَ نفس تأبى الدنية والأشراف لا تعتمي على الأشرف وله في الحبس شعر معروف لم يسبقه إلى معناه أحد، وهو قوله:         
  قالوا: حبست، فقلت: ليس بضائري                      حبسي، وأي مهنـد لا يُغْـمَـد.
  أو ما رأيت الليث يألـفَ غِـيَلـهُ                      كبرا، وأوباش الـسـبـاع تـردد
  والشمس لولا أنهـا مـحـجـوبة                      عن ناظريك لما أضاء الفَـرْقَـدُ
  والنار في أحجارهـا مـخـبـوأة                      لا تُصْطَلَى إن لم تُثِرْهَـا الأزنُـدُ
  والحبس ما لم تَـغْـشَـه لـدنـية                      شنعاء نِعْمَ المنزل المـسـتـورد
  بيت يجحـد لـلـكـريم كـرامة                      وُيزَارُ فـيه ولا يزور ويحـفـد
  لو لم يكن في الحـبـس إلا أنـه                      لا يستذلُّكَ بالحـجـاب الأعـبُـدُ ومما أحسن فيه قوله:         
  خليليَ ما أحْلـى الـهـوى وأمَـرَّهُ                      وأعلَمَنِي بالحلو مـنـه وبـالـمـر
  بما بيننا من حـرمة هـل رأيتـمـا                      أرق من الشكوى وأقسى من الهجر.
  وأفصح من عين المـحـب لـسـره                      ولاسيما إن أطْلَقَتْ عَبـرة تـجـري ومما اختير من قوله: 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق