( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 582
فغنته، فقال: قل: قال: تأمر لي برطل خمر، فما استتم شرابه حتى وثب وصعد على أعلى قبة ليزيد فرمى بنفسه على دماغه، فمات، فقال يزيد: إنا لله وإنا إليه راجعون، أتراه الأحمق الجاهل ظن أني أخرج إليه جاريتي وأردها إلى مالي، يا غلمان، خذوا بيدها واحملوها إلى أهله إن كان له أهل، وإلا فبيعوها فانطلقوا بها إلى أهله، فلما توسطت الدار نظرت إلى حفرة في دار يزيد قد أعدت للمطر، فجذبت نفسها من أيديهم وأنشأت تقول:
من مات عشقاً فليمت هكذا لا خير في عشق بلا موت فزختْ بنفسها على دماغها فماتت، فسري عن محمد وأحسن صلتي، وقيل: إن هذا الخبر إنما كان مع سليمان بن عبد الملك وليس هذا عن يزيد بن عبد الملك قال: فذكرت هذا الحديث لأبي عبد اللّه محمد بن جعفر الأنباري بالبصرة فقال: أنا أخبرك بنحو من هذا الحديث الذي حدثتني به، حدثني فائق الخادم، وكان مولى لمحمد حُمَيْد الطوسي، أن محمد بن حُمَيْد كان جالساً مع ندمائه يوماً، فغنت جارية من وراء الستارة:
يا قَمَرَ القصر متى تطـلـع أشْقَى وغيري بك يستمـتـع
إن كان رَبِّي قد قضى ما رأى منك على رأسي فما أصنـع وعلى رأس محمد غلام بيده قَدَحٌ يسقيه، فرمى بالقدح عن يده وقال: تصنعين هكذا، ورمى بنفسه من الدار إلى دجلة، فهتكت الجارية الستارة، ثم رَمَتْ بنفسها على إثره، فنزلت الغلمة خلفهما، فلِم يجدوا أحداً منهما، فقطع محمد الشراب، وقام عن مجلسه.
سخط المتوكل على الرخجي
قال المسعودي: وفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين سخط المتوكل علىِ عمر بن الفرج الرخجي، وكان من عِلْيَةِ الكتاب، وأخذ منه مالاً وجوهراً نحو مائة ألف وعشرين ألف دينار، وأخذ من أخيه نحواً من مائة ألف ألف دينار، ثم صولح محمد على أحد وعشرين ألف ألف درهم على أن يرد إليه ضياعه، ثم غضب عليه غضبة ثانية، وأمر أن يُصْفَعَ في كل يوم، فأحصي ما صفع فكان ستة آلاف صفعة، وألبسه جبة صوف، ثم رضي عنه، وسخط عليه ثالثة، وأحدر إلى بغداد، وأقام بها حتى مات.
وأهدى الموبذان إلى المتوكل قارورة دهن، وكتب إليه: إن الهدية إذا كانت من الصغير إلى الكبير فلطفت ودقت كان أبهى لها وأحسن، وإن كانت من الكبير إلى الصغير فعظمت كان أرفع لها وأنفع.
وفاة الِإمام أحمد بن حنبل
قال المسعودي: وكانت وفاة أحمد بن حنبل في خلافة المتوكل بمدينة السلام، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين، ودُفن بباب حَرْبِ في الجانب الغربي، وصلى عليه محمد بن طاهر، وحضر جنازته خلقَ من الناس لم ير مثل ذلك اليوم والاجتماع في جنازة مَنْ سلف قبله، وكان للعامة فيه كلام كثير جرى بينهم بالعكس والضد في الأًمور: منها أن رجلاً منهم كان ينادي: الْعَنُوا الواقف عند الشبهات، وهذا بالضد عما جاء عن صاحب الشريعة عليه السلام في ذلك، وكان عظيم من عظمائهم ومقدم فيهم يقف موقفَاَ بعد موقف أمام الجنازة وينادي بأعلى صوته:
وأظلمت الدنيا لفقد محـمـد وأظلمت الدنيا لفقد ابن حنبل يريد بذلك أن الدنيا أظلمت عند وفاة محمد عليه الصلاة والسلام، وأنها أظلمت عند موت ابن حنبل، كظلمتها عند موت الرسول صلى الله عليه وسلم.
انقضاض الكواكب
وفي هذه السنة انْقَضّتِ الكواكب الانقضاض الذي لم ير مثله قط، وذلك في ليلة الخميس لستٍ خَلَوْنَ من جمادى الآخرة، وقد كان في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة انقضاض لكوكب عظيم هائل، وهي الليلة التي وقعت فيها القرامطة بحاجِّ العراق من طريق الكوفة، وذلك في ذي القعدة من سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.
وفاة جماعة من أهل العلم
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق