إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 580 رضاه عن يحيى بن أكثم


( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 580


 رضاه عن يحيى بن أكثم
 

  وفي سنة تسع وثلاثين ومائتين رضي المتوكل عن أبي محمد يحيى ابن أكثم الصيفي، فأشخص إلى سر من رأى، وولي قضاء القضاة، وسخط على أحمد بن أبي دواد وولده أبي الوليد محمد بن أحمد، وكان على القضاء، وأخذ من أبي الوليد مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار وجوهراً بأربعين ألف دينار، وأحضر إلى بغداد، وقد كان أبو عبد اللّه أحمد بن أبي عُوَاد فُلِج بجد موت عدوه ابن الزيات بسبعة وأربعين يوماً، وذلك في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.

 وفاة ابن أبي دؤاد

 وفي سنة أربعين ومائتين كانت وفاة أبي عبد اللّه أحمد بن أبي دؤاد بعد وفاة ولده أبي الوليد محمد بن أحمد بعشرين يوماً، وكان ممن أجْرَى اللّه الخير على يديه على ما اشتهر من أمره، وسَهَل اللّه سبيله إليه، وحَبِّب إليه المعروف وفعله.

 منزلة ابن أبي دؤاد عند المعتصم

 وذكر أن المعتصم كان بالجوسق يوماً مع نُدمَائه- وقد عزم على الإصطباح، وأمر كل واحد منهم أن يطبخ قِدْراً- إذ بصر بسلامة غلام ابن أبي دؤاد، فقال: هذا غلام ابن أبي دواد يتعرف خبرنا، والساعة يأتي فيقول: فلان الهاشمي، وفلان القرشي، وفلان الأنصاري، وفلان العربي، فيعطلنا بحوائجه عما عزمنا عليه، وأنا أشهدكم أني لا أقضي اليوم له حاجة، فلم يكن بين قوله وبين استئذان الأتباع لأبي عبد اللّه إلا هنيهة، فقال لجلسائه: كيف ترون قولي. قالوا: فلا تأذن له، قال: سوءاً لكم، حُمَّى سنة أهْوَنُ عليَ من ذلك، ودخل، فما هو إلا أن سلم وجلس وتكلم حتى أسْفَرَ وجه المعتصم وضحكتَ إليه جوارحه، ثم قال له. يا أبا عبد اللّه قد طبخ كل واحد من هؤلاء قِدْراً، وقد جعلناك حكماً في طبخها، قال: فلتحضر ثم آكل ثم أحكم بحكم بعلم، فحملت إليه القُدُورُ ووضعت بين يديه، فجعل يأكل من أول قدر أكلاً تاماً، فقال له المعتصم: هذا ظلم، قال: وكيف ذلك. قال: لأني أراك قد أمعنت في هذا اللون، وستحكم لصاحبه، قال: يا أمير المؤمنين عليَ أن آكل من هذه القدور كلها كما أكلت من هذا القدر، فتبسم له المعتصم وقال له: شأنك إذا، فأكل كما قال، ثم قال: أما هذه فقد أحْسَنَ طابخها إذا كثر فلفلها وأقل كمونها، وأما هذه فقد أجاد طابخها إذ أكثر خَلّها وأقل زَيتَهَا، وأما هذه فقد طيبها طابخها باعتدال توابلها، وأما هذه فقد حقق مَنْ عملها بقلة مائها وكثرة مرقها، حتى وصف القدور كلها بصفاتٍ سُرَّ أهلها بها، ثم أكل مع القوم كما أكلوا أنْظَفَ أكْلٍ وأحسنه، مرة يحدثهم بأخبار الأكَلَةِ في صدر الِإسلام: معاوية بن أبي سفيان، وعبيد اللّه بن زياد، والحجاج بن يوسف، وسليمان بن عبد الملك، ومرة يحدثهم عن أكَلَة دهره مثل ميسرة التَّضَار، ودورق القصاب، وحاتم الكيال، وإسحاق الحمامي، فلما رفعت الموائد قال له المعتصم: ألك حاجة يا أبا عبد الله. قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: اذكرها فإن أصحابنا يريدون أن يتشاغلوا، قال: نعم يا أمير المؤمنين رجل من أهلك وَطئِه الدهر فغير حاله وخشن معيشته، قال: ومَنْ هو. قال: سليمان بن عبد اللّه النوفلي، قال: قدر له ما يصلحه، قال: خمسين ألف درهم، قال: أنفذت ذلك له، قال: وحاجة أخرى، قال: وما هي. قال: ضِيَاعُ إبراهيم بن المعتمر تردُهَا له، قال: قد فعلت، قال: وحاجة أخرى، قال: قد فعلت، قال: فواللّه ما خرج حتى سأل ثلاث عشرةَ حاجَةَ لا يردُّه عن شيء منها، حتى قام خطيباً فقال في خطبته: يا- أمير المؤمنين، عمرك الله طويلًا، فبعمرك تُخْصِب جنات رعيتك، ويلين عيشهم، وتثمر أموالهم، ولا زلت ممتعاً بالسلامة، مَحْبُوّاً بالكرامة، مرفوعاً عنك حوادث الأيام وغِيَرُها، ثم انصرف؛ فقال المعتصم: هذا والله يتزين بمثله، ويبتهج بقربه، ويعدل ألوفاً من جنسه، أما رأيتم كيف دخل. وكيف سلم. وكيف تكلم. وكيف أكل. وكيف وصف القدور ثم انبسط في الحديث. وكيف طاب به أكلنا. ما يردُّ هذا عن حاجة إلا لئيم الأصل خبيث الفرع، واللّه لو سألني في مجلسي هذا ما قيمته عشرة آلاف ألف درهم ما رَعَدْته عنها، وأنا أعلم أنه يكسبني بها في الدنيا حمداً وفي الآخرة ثواباً.
 وفي أحمد بن أبي دواد يقول الطائي:         
  لقد أنْسَتْ مساويَ كلِّ دهرٍ                      مَحَاسنُ أحمد بْنِ أبي دواد
  فما سافرتُ في الآفـاق إلا                      ومن جَدْواه راحلتي وزادي 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق