إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 578


( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 578


  ووصل ذلك بما أشبهه من الشَّتْم، فضحك المتوكل حتى استلقى على قفاه، وفحصَ برجله اليسرى، وقال: يُدْفع إلى العنبس عشرة آلاف درهم، فقال الفتح: يا سيدي البحتري الذي هُجي وأسمع المكروه ينصرف خائباً. قال: ويدفع للبحتري عشرة آلاف درهم، قال: يا سيدي وهذا البصريُ الّذي أشخصناه من بلده، لا يشركهم فيما حصلوه. قال: ويدفع إليه عشرة آلاف درهم، فانصرفنا كلنا في شفاعة الهزل، ولم ينفع البحتريَ جده واجتهاده وحزمه.

 حمار أبي العنبس

 ثم قال المتوكل لأبي العنبس: أخبرني عن حمارك ووفاته وما كان من شعره في الرؤيا التي أريتها، قال: نعم يا أمير المؤمنين، كان أعقل من القضاة، ولم يكن له جريرة ولا زلّة، فاعتلَّ علة على غفلة، فمات منها، فرأيته فيما يرى النائم، فقلت له: يا حماريِ، ألم أبرد لك الماء، وأنق لك الشعير، وأحسن إليك جَهْدِي. فلم مُت على غفلة. وما خبرك. قال: نعم، لما كان في اليوم الذي وقَفْتَ على فلان الصيدلاني تكلمه في كذِا وكذا مرت بي أتان حسناء، فرأيتها فأخذَتْ بمجامع قلبي. فعشقتها واشتد وجدي بها، فمتُّ كمداً متأسفاً، فقلت له: يا حماري، فهل قلت في ذلك شعراً. قال: نعم، وأنشدني:         
  هامَ قـلـبـي بـــأتـــان                      عنـد بـاب الـصـيدلانــي
  تيمـتـنـي يوم رُحْــنَـــا                      بثـنـاياهـا الـحـســـان

  وبخذَيْنِ أسيلين كلون الشنقراني

  فبها مُتَّ ولو عشت إذاً طَالَ هواني قال: قلت: يا حماري، فما الشنقراني. فقال: هذا من غريب الحمير، فطرب المتوكل وأمر الملهين والمغنين أن يغنوا ذلك اليوم بشعر الحمار، وفرح في ذلك اليوم فرحاً شديداً، وسُرَّ سروراً لم يُرَ مثله، وزاد في تكرمة أبي العنبس وجائزته.

 المتوكل وعلي بن محمد العلوي

 وحدث أبو عبد اللّه محمد بن عرفة النحوي قال: حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال: قال المتوكل لأبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي اللهّ عنه، ما يقول ولد أبيك في العباس بن عبد المطلب. قال: وما يقول ولد أبي يا أمير المؤمنين في رجل افترض اللّه طاعة بنيه على خلقه وافترض طاعته على بنيه. فأمر له بمائة ألف درهم، وإنما أراد أبو الحسن طاعة اللّه على بنيه، فعرَّضَ.
 وقد كان سعي بأبي الحسن علي بن محمد إلى المتوكل، وقيل له: إن في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته، فوجه إليه ليلاً من الأتراك وغيرهم مَنْ هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره، فوجده في بيت وحده مغلق عليه وعليه مِدْرَعة من شَعَرٍ، ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصى، وعلى رأسه مِلحَفة من الصوف متوجهاً إلى ربه يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، فأخذ على ما وجد عليه، وحمل إلى المتوكل في جَوْفِ الليل، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس، فلما رآه أعْظَمه وأجلسه إلى جَنبِه، ولم يكن في منزله شيء مما قيل فيه، ولا حالة يتعلل عليها بها فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا أمير المؤمنين، ما خامر لحمي ودمي قط، فأعْفِنِي منه، فعافاه، وقال: أنشدني شعراً أستحسنه، فقال: إني لقليل الرواية للأشعار، فقال: لا بد أن تنشدني فأنشده:         
  باتوا على قُلَل الأجْبَال تحرسـهـم                      غُلْبُ الرجال فما أغنتهمُ القُـلَـلُ
  واستنزلوا بعد عزّ عن معاقلـهـم                      فأودعوا حُفَراً، يا بئس ما نزلـوا
  ناداهمُ صارخ من بعد ما قبـروا                      أين الأسرة والتيجان والحـلـل.
  أين الوجوه التي كانت مُـنَـعَّـمة                      من دونها تضرب الأستار والكِلَلُ
  فأفصح القبر عنهم حين ساءلهـم                      تلك الوجوه عليها الدود يقتـتـلُ
  قد طالما أكلوا دهراً وما شربـوا                      فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكِلُوا
  وطالما عمروا دوراً لتحصنـهـم                      ففارقوا الدور والأهلين وانتقلـوا
  وطالما كنزوا الأموال وادَّخـروا                      فخلفوها على الأعداء وارتحلـوا
  أضحت مَنَازِلُهم قفْراً مُـعَـطـلة                      وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق