( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 577
أضْعَفَ وجدي وزاد في سَقَمِي أن لست أشكو الهوى إلى أحد
وضعت كَفِّي على فؤاديَ مـن حَرِّ الأسى وانطوْيت فوق يدي
آه من الحب آه مـن كـبـدي إن لم أمت في غد فبعد غـد
كأن قلبي إذا ذكرتهمُ فـريسة بين سـاعَـــدَيْ أسَـــدِ فقلت: أحسنت للّه درك زدني، فأنشأ يقول:
ما أقْتَلَ البين للنفـوس ومـا أوْجعَ فقد الحبيب للـكـبـد
عَرضْتُ نفسي من البلاء لمـا أسرف في مهجتي وفي جَلَدِي
يا حسرتي أن أموت معتـقـلاً بين اعتلاج الهموم والكَـمِـدِ
في كل يوم تفـيض مـعـولة عيني لعضو يموت في جسدي فقلت: أحسنت للّه درك ولا فضّ فوك زدني، فأنشأ يقول:
اللَه يعلم أننـي كَـمِـدُ لا أستطيع أبثُّ ما أجـد
نفسان لي نفس تضمنهـا بلد، وأخرى حازها بلـد
وأرى المقيمة ليس ينفعها صبر، وليس يُعِينها جَلَدُ
وأظنّ غائبتي كشاهدتـي بمكانها تجد الذي أجـد فقلت: واللّه أحسنت، فاستزتده، فقال: أراك كلما أنشدتك استزدتني، وما ذاك إلا لفرط أدب أو فراق شجن، فأنْشِدْنِي أنت أيضاً، فقلت للذي معي: أنشده، فأنشأ يقول:
عَذْلٌ وَبَيْن وتوديع ومرتـحـل أي العيون على ذا ليس تَنْهَمِلُ.
تألفَه ما جلدي من بعدهم جلـد ولا اختزان دموعي عنهمُ بَخَلُ
بلى، وحرمة ما ألقيْنَ من خبـل قلبي إليهنَ مشتاق وقد رحلـوا
وعدت أن البحار السبع لي مَدَدٌ وأن جسمي دموع كلها همـل
وأنَ لي بدلاً من كل جـانـحة في كل جارحة يوم النوى مُقَلُ
لا درَّ درُّ النوى لو صادفَتْ جبلاً لا نهدَّ منها وشيكا ذلك الجبـل
الهجر والبين والواشون والإِبـل طلائع يتراءى أنـهـا الأجـل فقال المجنون: أحسنت، وقد حضرني في معنى ما أنشدت إلى شعر، أفأنشده. قلت: هات: فأنشأ يقول:
ترحًلُوا ثم نيطت دونهـم سُـجُـفٌ لو كنت أملكهم يوماً لما رحـلـوا
يا حادِيَ العِيس مهلاكي نودعـهـا رفقاً قليلاً ففي توديعهـا الأجـل
ما راعني اليوم شيء غير فقدهـم لما استقلّت وسارت بالدُّمى الإِبـل
إني على العهد لم أنْقُضْ مودتهـم فليت شعري وطال الدهر ما فعلوا قال المبرد: فقال الفتى الذي معي: ماتوا، فقال المجنون: آه آه، إن ماتوا فسوف أموت، وسقط ميتاً، فما برحْتُ حتى غسل وكفن وصليت عليه ودفنْتُه.
البحتري ينشد المتوكل
ووردتُ سر من رأى، فأدخلت على المتوكل وقد عمل فيه الشراب، فسئلت عن بعض ما وردتُ له؛ فأجبت، وبين يدي المتوكل البحتريُ الشاعر، فابتدأ ينشده قصيدة يمدح بها المتوكل، وفي المجلس أبو العنبس الصيمري، فأنشد البحتري قصيدته التي أولها:
عن أي ثـغـر تـبــتـــســـم. وبـأي طـرف تـحـتـــكـــم.
حسـن يضـيء بـحـســـنـــه والـحـسـن أشـبـه بـالـكـــرم
قل للخليفة جعفر المتوكل ابن المعتصم
المرتَضَى ابن المجتبى والـمـنـعـم ابـن الـمـنـتـقــم
أمـا الـرعـية فَـهْـــي مـــن أمَـنَـاتِ عـدلـك فــي حَـــرَمْ
يابـانـي الـمـــجـــد الـــذي قد كـان قـوض فـانـــهـــدمْ
اسْـلـمْ لـدين مـــحـــمـــد فإذا سـلـمـت فـقـد ســلـــم
نلـنـا الـهـدى بـعـد الـعـمــى بك، والـغـنـى بـعـد الـعَـــدَمْ فلما انتهى إلى ذلك مشى القهقرى للانصراف، فوثب أبو العنبس فقال: يا أمير المؤمنين، تأمر برده، فقد واللّه عارضته في قصيدته هذه، فأمر برده، فأخذ أبو العنبس ينشد شيئاً لولا أن في تركه بَتْراً للخبر لما ذكرناه، وهو:
من أي سَلْح تلـتـقـم وبأي كف تلـتـطـم
أدخلت رأس البحـتـر يِّ أبي عُبَادة في الرَّحِمْ
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق