( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 576
أخذه البيعة لأولاده الثلاثة
وبايع المتوكلُ لبنيه الثلاثة: محمد المنتصر باللّه، وأبي عبد اللهّ المعتز باللّه، والمستعين باللّه، وفي ذلك يقول ابن المدبر في ذكره لهذه البيعة:
يا بيعة مثل بيعة الشَّجَرَهْ فيها لكل الخلائق الخِيَرَهْ
أكَّدَهَا جعفر وصيرهـا إلى بنيه الثلاثة البَـرَرَهْ وفي ذلك يقول علي بن الجهم:
قل للخليفة جعفر: يا ذا الندى وابن الخلائف والأئمة والهدى
لما أردت صلاح دين محمـد ولَيْتَ عهد المسلمين محمـدا
وثنيت بالمعتز بعد مـحـمـد وجعلت ثالثهم أعَـزّ َمـؤيدا وكان استخلاف المتوكل على اللّه بعد أن استخلف أبو العباس السفاح بمائة سنة، وبعد موت العباس بن عبد المطلب بمائتي سنة، وقد قيل غير ذلك، والله أعلم، على تفاوت التواريخ في كمية أوقاتهم وعَدَدِ سِنِيهِمْ والزيادة في الأيام والشهور ونقصانها من مدة ملكهم.
سخطه على ابن الزيات
وقد كان سخط المتوكل على محمد بن عبد الملك الزيات بعد خلافته بأشهر، فقبض أمواله وجميع ما كان له، وقلد مكانه أبا الوزير، وقد كان ابن الزيات اتخذ للمصادَرِين والمغضوب عليهم تَنُّوراً من الحديد رؤوس مساميره إلى داخل قائمة مثل رؤوس المسَالِّ في أيام وزارته للمعتصم والواثق، فكان يعذب الناس فيه، فأمر المتوكل بإدخاله في ذلك التنور، فقال محمد بن عبد الملك الزيات للموكل به أن يأذن له في دواة وبطاقة ليكتب فيها ما يريد، فأستأذن المتوكل في ذلك، فأذن له، فكتب:
هي السبيل فمن يوم إلى يوم كأنه ما تُرِيكَ العين في النوم
لأجزعَنَّ رويداً إنـهـا دُوَل دنيا تنقل من قوم إلى قـوم قال: وتشاغل المتوكل في ذلك اليوم فلم تَصِل الرقعة إليه، فلما كان الغد قرأها فأمر بإخراجه فوجده ميتاً، وكان حَبْسُه في ذلك التنور إلى أن مات أربعين يوماً، وكان كاتباً بليغاً، وشاعراً مجيداً، وهو القائل في تحريض المأمون على إبراهيم بن المهدي عمه حين خرج عليه:
ألم تر أن الشيءَ للشـيء عـلة تكون له كالنار تقدح بالـزَّنْـدِ
كذلك جَرّبنا الأمـور، وإنـمـا يدلُّكَ ما قد كان قبل على البعد
وظَنَي بإبراهـيم أن فـكـاكـه سيبعث يوماً مثل أيامه النـكـد
تذكَرْ أمير المؤمنـين قـيامـه وأيامه في الهزل منه وفي الجد
إذا هَزَّ أعواد المنابر باسـمـه تغنَّى بليلي أو بمـيَّةَ أو هـنـد في شعر طويل جداً.
ومن شعره قوله في مرثية للمعتصم باللّه:
وظل له سيف النـبـي كـأنـمـا مدامعه من شدة الحزن تَـنْـرِفُ
حمائله والـبُـرْدُ تـشـهـد أنـه هو الطيب الأولى الذي كان يعرف
أقول ومن حق الذي قلـت أنـنـي أقول وأثني بعـد ذاك وأحـلـف
لما هابَ أهل الظلم مثلك سـائسـاً ولا أنْصفَ المظلوم مثلُكَ منصف وقد أتينا على أخباره وما استحسن من أشعاره في الكتاب الأوسط.
وزراؤه
فكانت أيام أبي الوزير في الوزارة يسيرة، وقد كان اتخذ للوزارة محمد بن الفضل الجرجراني، ثم صرفه فاستكتب عبيد اللّه بن يحيى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين إلى أن قتل، وقد أتينا في الكتاب الأوسط على أخباره واتصاله بالمتوكل وأخبار الفتح بن خاقان.
المبرد ومجنون بدير هرقل
وذكر محمد بن يزيد المبرد قال: ذكرت للمتوكل لمنازعة جرت بينه وبين الفتح بن خاقان في تأويل آية وتنازَعَ الناسُ في قراءتها، فبعث إلى محمد بن القاسم بن محمد بن سليمان الهاشمي، وكانت إليه البصرة، فحملني إليه مكرماً، فلما اجتزت بناحية النعمان بين واسط وبغداد ذكر لي أن بدير هرقل جماعة من المجانين يُعالَجُونَ، فلما حاذيته دعتني نفسي إلى دخوله، فدخلته ومعي شات ممن يرجع إلى دين وأدب؛ فإذا أنا بمجنون من المجانين قد دنا إلي، فقلت: ما يقعدك بينهم وأنت بائن عنهم. فكسر جفنه ورفع عقيرته، وأنشأ يقول:
إن وصفوني فَناحِلُ الجَسَدِ أو فَتْشوني فأبيض الكبد
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق