( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 575
بينما المَرْءُ على إعـلائهـا إذْ هَوَى في هُوةٍ منها فَحَارْ
إنما مـتْـعَةُ قـوم سـاعة وحياة المَرْءُ ثوب مُسْتَعَـارْ قال المسعودي: وللواثق أخبار حِسَانٌ مما كان في أيامه من الأحداث وما كان يجري من المباحثة في مجلسه الذي عَقَده للنظر بين الفقهاء والمتكلمين في أنواع العلوم من العقليات والسمعيات في جميع الفروع والأصول، وقد أتينا على ذكرها فيما سلف من كتبنا، وسنورد فيما يرد من هذا الكتاب في باب خلافة القاهر باللّه بن المعتضد باللّه جُمَلاً من الأخبار في أخلاق الخلفاء من بني العباس لمعنى أْوجَبَ إيرادها في باب خلافة القاهر.
واعتلَّ الواثق فصلَّى بالناس يوم النحر أحمد بن أبي دُوَاد، وكان قاضي القُضاة، فدعا في خطبته للواثق، فقال: اللهم اشفه مما ابتليته، وقد قَدَّمنا ذكر وقت وفاته فيما سلف من أخباره في هذا الباب، فأغنى ذلك عن إعادته.
ذكر خلافة المتوكل على اللّه
وبويع جعفر بن محمد بن هارون، ولقب المنتصر باللّه، فلما كان في اليوم الثاني لقبه أحمد بن أبي دُوَاد المتوكل على اللّه وذلك في اليوم الذي مات فيه الواثقُ أخوه، وهو يوم الأربعاء لست بَقِينَ من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، ويكنى بأبي الفضل، وبويع له وهو ابن سبع وعشرين سنة وأشهر، وقُتل وهو ابن إحدى وأربعين سنة فكانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسع لَيَالٍ، وأمه أُم ولد خُوَارزمية يقال لها شجاع، وقُتل ليلة الأربعاء لثلاث خَلَوْنَ من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين.
ذكر جمل من أخباره وسيره
ولمع مما كان في أيامه
أمره بترك الجدل وإظهار السنة
ولما أفْضَتِ الخلافة إلى المتوكل أمر بترك النظر والمباحثة في الجدال، وَالتَّرْك لما كان عليه الناسُ في أيام المعتصم والواثق والمأمون وأمر الناس بالتسليم والتقليد، وأمر شيوخ المحدثين بالتحديث وإظهار السف والجماعة، وأظهر لباس ثياب الملحمة، وفضل ذلك على سائر الثياب، وَاتَّبَعَهُ مَنْ في داره على لبس ذلك، وشمل الناس لبسه، وبالغوا في ثمنه اهتماماً بعمله، واصطنع الجيد منها؛ لمبالغة الناس فيها، وميل الراعي والرعية إليها، فالباقي في أيدي الناس إلى هذه الغاية من تلك الثياب يعرف بالمتوكلية، وهي نوع من ثياب الملحم نهاية في الحسن والصبغ وجودة الصنع.
أحدث اللعب والمضاحك
وكانت أيام المتوكل أحسن أيام وَأَنْضَرَهَا، من استقامة الملك، وشمول الناس بالأمن والعدل، ولم يكن المتوكل ممن يوصف في عطائه وبذله بالجود، ولا بتركه وإمساكه بالبخل، ولم يكن أحد ممن سلف مر خلفاء بني العباس ظهر في مجلسه اللعب والمضاحك والهزل مما قد استفاض في الناس تركه إلا المتوكل، فإنه السابق إلى ذلك وَالمُحْدِثُ له، وأحْدَثَ أشياء من نوع ما ذكرنا فاتبعه فيها الأغلب من خواصه وأكثر رعيته، فلم يكن في وزرائه والمتقدمين من كًتابه وقواده مَنْ يوصف بجود ولا إفضال، أو يتعالى عن مجون وطرب.
غلب عليه الفتح بن خاقان
وكان الفتح بن خاقان التركي مولاه أغْلَبَ الناس عليه، وأقربهم منه، وأكثرهم تقدماً عنده، ولم يكن الفتح- مع هذه المنزلة من الخلافة- ممن يُرْجَى فضله ويخاف شره، وكان له نصيب من العلم، ومنزلة من الأدب، وألف كتاباً في أنواع من الأدب ترجمه بكتاب البستان.
أحدث البناء الحيري
وأحدث المتوكل في أيامه بناء لم يكن الناس يعرفونه، وهو المعروف بالحيري والكمين والأروقة، وذلك أن بعض سُمَّاره حَدَّثه في بعض الليالي أن بعض ملوك الحيرة من النعمانية من بني نَصر أحدث بنياناً في دار قراره، وهي الحيرة، على صورة الحرب وهيئتها للهجهِ بها وميله نحوها لئلا يغيب عنه ذكرها في سائر أحواله، فكان الرواق فيه مجلس الملك وهو الصدرُ، والكمان ميمنه وميسرة، ويكون في البيتين اللذين هما الكمان من يقرب منه من خواصه، وفي اليمين منهما خزانة الكسوة، وفي الشمال ما احتيج إليه من الشراب، والرواق قد عم فضاؤه الصدر والكمين والأبواب الثلاثة على الرواق، فسمي هذا البنيان إلى هذا الوَقْت بالحيري والكمين، إضافة إلى الحيرة، واتبع الناس المتوكل في ذلك ائتماماً بفعله، واشتهر إلى هذه الغاية.
أخذه البيعة لأولاده الثلاثة
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق