( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 574
الواثق وحنين بن إسحاق أيضاً
وقد ذكر أن الواثق سأل حُنَيْناً في هذا المجلس وفي غيره عن مسائل كثيرة، وأن حُنَيْناً أجاب عن ذلك، وصنف في كل ذلك كتاباً ترجمه بكتاب المسائل الطبيعية يذكر فيه أنواعاً من العلوم، فكان مما سأل الواثق حُنَيْناً من المسائل، وقيل: بل أحْضَرَ له الواثق نديماً من ندمائه فكان يسأله بحضرتا والواثق يسمع ويتعجب مما يوِرده السائل والمجيب، إلى أن قال: في الأشياء المغيرة للهواء. قال حُنيْنٌ: خمس، وهي أوقات السنة، وطلوع الكواكب وغروبها، والرياح والبلدان، والبحار.
أوقات السنة
قال السائل: فكم هي أوقات السنة. قال حُنَيْن: أربع: الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء؛ فمزاج الربيع معتدل في الحرارة والرطوبة، ومزاج الصيف حار يابس، ومزاج الخريف بارد يابس، ومزاج الشتاء بارد رطب.
الكواكب: قال السائل: أخبرني عن كيفية تغيير الكواكب للهواء، قال حنين: إن الشمس متى قربت منها أو قربت هي من الشمس كان الهواء أزيد سُخُونةً، وخاصة كلما كانت أعظم، ومتى بعدت الشمس أو بعدت هي من الشمس كان الهواء أزيد برداً.
الرياح
قال السائل: أخبرني عن كيفية أعداد الرياح، قال حنين: أربع: الشَّمَال، والجنوب، والصَبَا، والدَّبور، فأما قوة الشّمال فباردة يابسة، وأما الجنوب فحارة رطبة، وأما الصَبا والدًبور فمعتدلان، يخر أن الصَبا أمْيَلُ إلى الحرارة واليبس، والدًبور أميل إلى البرودة والرطوبة من الصبا.
البلدان
قال: فأخبرني عن أحوال البلدان في ذلك، قال: هي أربع؛ الأول الارتفاع، والثاني الانخفاض، والثالث مجاور الجبال والبحار، والرابع طبيعة تربة الأرض، والنواحي أربع، وهي: الجنوب، والشمال، والمشرق، والمغرب، فناحية الجنوب أسْخَنُ، وناحية الشمال أبرد، وأما ناحيتا المشرق والمغرب فمعتدلتان، واختلاف البلدان بارتفاعها وانخفاضها؛ لأن ارتفاعها يجعلها أبرد، وانخفاضها يجعلها أسخن، والبلدان تختلف بحسب مجاورة الجبال لها؛ لأن الجبل متى كان من البلد في ناحية الجنوب جعل ذلك البلد أزيد برداً لأنه يستره من الرياح الجنوبية، وإنما تهبُّ فيه الريح الشمالية فقط، ومتى كان الجبل من البلد في ناحية الشمال جعل ذلك البَلَدَ أسْخَنَ.
تأثير البحار في البلدان
قال: فأخبرني عن اختلاف البلدان عند مجاورتها البحار كيف اختلفت..
قال حنين: إن كان البحر من البلد في ناحية الجنوب، فإن ذلك البلد يسخن ويرطب، وإن كان في ناحية الشمال كان ذلك البلد أبرد.
قال السائل: فأخبرني عن البلدان كيف اختلفت بحسب طبيعة تربتها، قال: إن كانت أرضها حَجَرِيّةً جعلت ذلك البلد أبرد وأخف وإن كانت تربة البلد حصبانية جعلت ذلك البلد أخف وأسخن وإن كانت طيناً جعلته أبرد وأرطب.
قال: فَلِمَ اختلف الهواء من قبل البحار. قال: إذا جاورت نقائع ماء أو جيفاً أو بُقُولاً عَفِنَةً أو غير ذلك مما يتعفن تغير هواؤها.
فلما كثر هذا الكلام من السائل والمجيب أضْجَرَ ذلك الواثقَ، فقطع ذلك، وأجاز كل واحد ممن حضر، ثم أمرهم أن يخبر كل واحد منهم عما حضره في الزهد في هذا العالم الذي هو عالم الدُثُورِ والفناء والغُرور فذكر كل واحد منهم ما سَنَحَ له من الأخبار عن زهد الفلاسفة من اليونانيين والحكماء المتقدمين كسقراط وديوجانس.
نطق الحكماء على جدث الإسكندر
قال الواثق: قد أكثرتم فيما وصفتم، وقد أحسنتم الحكاية فيما ذكرتم، فليخبرني كل واحد عن أحسن ما سمع من نطق الحكماء الذين حضروا وفاة الإسكندر، وقد جعل في التابوت الأحمر.
فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين، كل ما ذكروه حَسَنٌ، وأحْسَنُ ما نطق به مَنْ حضر ذلك المشهد من الحكماء ديوجانس، وقد قيل: إنه لبعض حكماء الهند، فقال: إن الإسكندر أمس أنْطَقُ منه اليوم، وهو اليومَ أوْعَظُ منه أمس.
وقد أخذ هذا المعنى من قول الحكيم أبو العتاهية حيث قال:
كَفَى حَزَناً بدفنك ثَـم إنِّـي نَفَضتُ تراب قبرك مِنْ يَدَيَّا
وكانت في حياتك لي عظات وأنت اليوم أوْعَظُ منك حَيَّا فاشتد بكاء الواثق، وعلا نحيبه، وبكى معه كل من حضر من الناس، ثم قام من فَوْرِه ذلك وهو يقول:
وصروف الدهر في تقـديره خُلِقَتْ فيها انخفاضٌ وَانْحِدَارْ
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق